خلفيات الحرب الطائفية

tag icon ع ع ع

الطيب تيزيني – الاتحاد

لأول مرة في سوريا الحديثة يلاحظ الباحث عملية ضخمة وإن «مغلقة» من استبدال البشر بالبقر! ولاعتبارات ديموغرافية طائفية، لاستبدال «الأرقى» بمن هو أدنى، كما يراه البعض في الواقع الراهن المدمّى للذات السورية والعربية! إذ يتصرف البعض في سوريا، كما في إيران ومناطق أخرى، بنوع من تصنيف البشر وفق تراتبهم الطائفي أو العرقي وغيره، ويتعاملون مع ذلك باعتباره الحقيقة الناصعة في حقول تصنيف الطوائف والأعراق! ويتصرف أولئك -وهم كثر- وكأن التعبير عن البشرية، إنما هو مرتهن بالتقسيمات الطائفية والعرقية وحدها.. إلخ.

والحق، أن هؤلاء، وهم من النسق الحديث في الطائفية بأوجهها المتعددة المختلفة، سبقهم في الترتيب التاريخي آخرون، منهم من برز خطره الداهم، ومنهم من لم يترك أثراً يذكر، وفي الذهن الآن أولئك الذين وقعوا تحت خطّ الأيديولوجية النازية والفاشية، بكل ما تجلى فيها من سلوك وجنوح وانحراف في التفكير، وخصوصاً عندما تجلى ذلك في التمييز بين البشر في اختلافاتهم الدينية والطائفية والعرقية وغيرها!

فقد قاد أصحاب هذه الأيديولوجيات حروباً لم تنتهِ راهناً، والحق أن الفاشية والنازية كانتا أسوأ مظاهر الأيديولوجية الاستعمارية الحديثة، بل لقد قاد النازيون الهتلريون -ويتابعهم النازيون الجدد- حروبهم الدامية باسم الدفاع عن «الأعراق والطوائف والأجناس العليا» في العالم! ومن هذا الموقع التاريخي المكتظ بلهب من الأحقاد والتمييز بين البشر، وصل النازيون إلى أن الحياة البشرية، إنما هي حق فقط لِمن يستحقها طائفة كان أو عرقاً… إلخ، أما «الآخرون»، فليسوا إلا «تعبيرات لزجة وزائفة من البشر»، لا تقدم لأصحابها مسوغات الاعتبار التاريخي والأخلاقي!

هؤلاء هم الآن حملة الفكر الزائف تاريخاً، الذين يتجسدون على الخط السوري العربي. إن هؤلاء نجدهم الآن يقومون بأدوار كبرى وخطيرة تهدف إلى ضرب الطوائف بالطوائف، الشيعة ضد السُّنة، والسُّنة ضد العلوية، وكل هذه في وجه غيرها من المكونات الطائفية في العالم العربي! مع التأكيد على أن الحرب الطائفية لا تنشأ من خواء، وإنما من مؤثرات قد تتباين الطوائف فيها بين «الظالمة» و«المظلومة»، إلا أن خطاب التأجيج الذي لابد من ظهوره بين المتقاتلين من الطوائف، حتى يكون هنالك ما يسوّغ ذلك بقدر أو بآخر على المستوى العائلي والطبقي والمجتمعي.

لقد أتى كثير من المحفزات لهذه الحرب الطائفية، بقدر ما وجد هنالك كثير من الجماعات التي حضت على الطائفية، ولنمش خطوة إلى الأمام، لنجد أنفسنا أمام مسارات وعمليات قامت على تجييش الطائفية، وعلى إيقاد نار الحرب والفتنة.

فلقد واجهنا من قبل ظاهرة الطائفية، إلا أنها شرعت في الخروج من إطارها «المحتشم» إلى هيئاتها الصريحة الراهنة، ونلاحظ أن ذلك راح يمعن في الظهور بتمكين من إيران، وكذلك من قبل البنية الداخلية للمجتمع السوري، ورأينا ها هنا أن الأسوأ قد حدث، على نحو قصدي وواعٍ باتجاه نبرة طائفية لم يكن لها حضور كبير في مراحل تاريخية سابقة.

أما المفارقة الأخطر، فتتمثل في أن تفاقم الطائفية يتزايد على نحو سريع واستفزازي ونزق. لقد مشت كما أراد لها روادها من النظام الإيراني. إن الروس الذين سقط مجتمعهم الاشتراكي، يجدون أن الأمر لا يختلف، حين يتصل سلوكهم بحلب وسوريا عموماً. فالاشتراكية، والمجتمع المدني كلاهما يمكن أن يسقطا لأن مصالح الأعلين تتوافق مع ذلك، بل ربما تستوجبه! لأن الأمور يمكن أن تتجه إلى ما يخدم مصالح المعنيين من الفريقين، المتدخل الخارجي الملتِهم ومن الفريق المُلتَهم، أي الشعب السوري!

وإذا كان ذلك على المستوى المتقدم تاريخياً وثقافياً حضارياً، فالأمر نفسه يفصح عن نفسه كذلك على صعيد المستوى المتأخر تاريخياً وثقافياً حضارياً، على مستوى من كان يزعم الرغبة في التأسيس لمجتمع عربي ديموقراطي باسم مجتمع «البعث» وحزبه! وهنا صلب المسألة، بل لبُّ المشكلة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة