هل تحولت المخيمات إلى مجمعات استهلاكية؟

tag icon ع ع ع

تُركت وسط خيمتها المؤلفة من بلاستيك مبطّن بقماش مقوَّى، على أرضية اسمنتية تحددها بضع قوالب بناء (بلوكات) مغطاة بما لديها من بطانيات وحصر، إذ لا يوجد سجّاد هنا.

على موقد الكاز تحاول أم مصطفى تدفئة أطرافها وبث الدفء في خيمتها، فدرجات الحرارة في محيطها انخفضت حولها لأقل من أربع درجات تحت الصفر.

أم مصطفى ذات الـ (60 عامًا) لديها عشرة أبناء وتعيش في خيمتها منذ أربع سنوات، نزحت من بلدتها في ريف إدلب في بداية تحريرها بسبب القصف، ويعيشأبنائها في مناطق مختلفة داخل وخارج سوريا، وبقيت في المخيّم مع إثنين من أولادها وعوائلهم.

عالقون رهن الخيم الزرقاء

على الموقد ذاته أعدت أم مصطفى القهوة، وتحدث طويلًا عن واقعها، تقول أم مصطفى لعنب بلدي “في السنتين الأولى والثانية كان لدينا معونات وسلل إغاثيّة تشمل جميع متطلباتنا، لم تعد المعونات الحاليّة تتناسب مع احتياجاتنا..هذا إن وصلت”.

وتتابع “لا يصل منها حاليًا إلا القليل (رز، عدس، برغل)، وفي الشهر الماضي بعتهم جميعًا لأشتري كازًا للتدفئة، وحتى الموقد نفسه (البابور) الذي أطهي عليه اشتريته بنفسي”.

128 عائلة سكنت المخيم ذاته عند بناؤه منذ سنوات، عوائل كثيرة انسحبت منه بعد تأمين معيشتها وسكنت خارجه إما في سوريا أو خارجه، وبقيت 60 عائلة رهن الأغطية البلاستيكية الزرقاء بانتظار سيارات الإغاثة تحمل عنهم عبء الحياة اليوميّة.

ولم تستطع هذه العائلات العودة إلى منازلها بسبب الخوف من القصف على بلداتهم بين الحين والآخرى، عدا على أنها لم يعد بمقدورها مغادرة البلاد، كونها لا تملك أجور السفر.

أعباء الحياة اليومية تتفاقم بعدم الاكتراث

أبو عبد الله أحد سكّان المخيم نفسه، يعاني أكبر أبنائه من مرض منذ ولادته جعل نموه بطيئًا، ويعيش مع زوجته وأطفالهم الثلاثة في انتظار من يكفيها مؤونة عيشها وحياتها.

قالت إحدى جارات هذه العائلة لعنب بلدي أثناء جولتنا في المخيّم، “لا يوجد أي ووسيلة تدفئة لديهم رغم صغر أولادها، زوجها بالكاد نعرفه، يقضي معظم وقته لدى زوجته الثانية، لقد تزوج مرة أخرى منذ مدة قصيرة وسكن في خيمة أيضًا”.

لا تلبي المعونات الإغاثية الحاليّة متطلّبات أصحاب المخيّم بشكل كامل، إلا أنهم يعتمدون عليها في معيشتهم بشكل أساسي كون البديل غير موجود.

تعمل المنظمات الإغاثية على توفير الماء وتنظيف المصارف الصحيّة في المخيّم، أما الكهرباء فتتوقف على السكان أنفسهم، بعضهم يحتوي على مولدات أمبيرات استثمارية فقط.

فالمخيم الذي زرناه لم يحتوي سوى على مولدة كهرباء صغيرة يشترك بها عدد من الموجودين لا يتجاوزون 20 خيمة من بين أكثر من 60 موجودة.

مهن بسيطة بالكاد تكفي لتأمين الخبز

أحمد ذو الـ(18 عامًا) من سكان المخيّم يتقن صناعة الحلويّات وخاصة “الشعيبيات”، النوع الأكثر انتشارًا في إدلب وريفها.

يُعتبر أحمد من القلّة الشابة العاملة في المخيّم، ويعمل بين الفترة والأخرى حسب متطلبات المخيم وأجوائه العامة.

يقول الشاب في حديث لعنب بلدي، “لا أستطيع الذهاب إلى مدينتي بسبب القصف الكثيف عليها، وقلة عدد السكّان ما يجعل الحياة معدومة فيها”.

وفي العودة إلى أم مصطفى فقد ذكرتنا أن أحد أبنائها يعمل بعض الأحيان في قص الحطب بسعر زهيد، إذ يحتاج يوميًا لـ 1000 ليرة كي يشتري الخبز لأطفاله العشرة، حيث لا عمل ثابت لديه.

مشاريع تشغيلية “علمني كيف أصيد”

يعمل الشاب صهيب زكور (24 عامًا) في منظمة إغاثية حاليًا، وأشرف سابقًا على إدارة أحد المخيمات لمدة سنتين.

يقول زكور لعنب بلدي إن “العمل على المشروعات التنموية والتشغيلية أكثر تأثيرًا من العمل الإغاثي على مبدأ لا تعطني كلّ يوم سمكة لكن علّمني كيف أصيد”.

اعتاد الناس في المخيمات على البطالة، يضيف الشاب فـ”إغداق المعونات عليها كان له الأثر الكبير لظهورها، الأمر الذي يؤثر سلبًا عليهم فيما بعد، ولذلك قدمنا سابقًا مشاريع سبل معيشة، ولدينا مشاريع صغيرة قادمة (حلاقة، خياطة، نجارة وما إلى ذلك) كي يعتمد الناس على أنفسهم”.

صهيب أشرف على مشروعين تشغيليين في مخيّم عائدون، فقد “قدمنا رأس مال لأحد سكّان المخيم اشترى بها ملابس قطنية ليتاجر بها، وتابع عمله وحاول توسعته ليصبح أكبر بخمس أضعاف بعد سنة، إضافةً إلى مشروع مماثل لزوجتان لاثنان من الشهداء، قدمنا لهما راس المال ليشتروا إكسسوارات، لتصبح مصدر دخل لأسرتيهما”.

لا تعليم داخل المخيم

تتحدث أم مصطفى عن أحد حفيداتها التي تعثرت منذ فترة قريبة أثناء لعبها “تكفّلت أحد المنظمات بعمل حديقة الألعاب تلك، لو أن هناك مدرسة كان الوضع أفضل بكثير”.

“أبو يوسف” مدير المخيّم الذي يعمل على إدارته بشكل طوعي بغية تنظيم عمل المنظمات الداعمة وتوزيع المعونات الإغاثية الواصلة، أوضح لعنب بلدي “قدمت مشروع مدرسة لتعليم أطفال المخيّم، لكنّي لم ألقى أيّ استجابة، لم يعد في المخيم أي خرّيج جامعي، غادروا جميعهم وأصبح فتح مدرسة داخل المخيّم أكثر صعوبة، ليس مهمًا أن تكون مدرسة جيّدة البناء والتجهيزات، نريد أن يكون هناك تعليم وإن كانت داخل الخيم”.

أرض المخيم الصخرية تمنع من استقبال المزيد من اللاجئين بسبب صعوبة نصب الخيام فيها، يضيف أبو يوسف “سنستقبل النازحين القادمين من حلب وغيرها، وإن اضطررنا سنستقبلهم في خيمنا، بالأمس جاءت نازحة حلبية من السكّري وربما يأتينا المزيد أيضًا”.

و لا يمكن التنبّؤ بمستقبل المخيّمات في ظروف صعبة كهذه، يتابع أبو يوسف إن “مستقبلها مرهون بالجمعيّات الإغاثية ودعمها، ويقول آخرون إن الدّعم هذا يتوقف بعد مضي فترة من العيش فيها، إذ يحتاج الموجودون تطوير أنفسهم بدلًا من اللجوء للحلول الإسعافية التي تقدّمها المنظمات الإغاثية”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة