ثلاث دقائق.. رحلة الانتظار إلى سجن صيدنايا

tag icon ع ع ع

أماني رياض

يعاني حامل ورقة الزيارة لسجن صيدنايا الأمرين للحصول عليها موقعة ومختومة، لتؤهله رؤية معتقل انقطعت أخباره منذ شهور.

تبدأ المعاناة في القضاء العسكري، حيث تمر هذه الورقة على مساعد النائب العام، ومنه إلى أحد القضاة لتختم وتوقع بحال توافرت الشروط المفروضة في حاملها الذي يجب أن يكون أحد أقرباء المعتقل (أب، أم، أخ، أخت، زوجة، أولاد) حصرًا، كما يشترط ألا يزيد عدد الزوار عن أربعة أشخاص.

تستغرق تلك العملية بضع ساعات، وتتزايد بعدها المعاناة في الشرطة العسكرية، حيث يمنع وصول أي وسيلة نقل إلى هناك. تقول أم عبدو البالغة من العمر خمسين عامًا أن زيارة زوجها المعتقل منذ ما يزيد عن عام ونصف تتطلب أن «أمشي كيلومترًا تقريبًا لأصل إلى الشرطة العسكرية، يأخذ المساعد الورقة مني حسب مزاحه، عند الثامنة والنصف، أو عند التاسعة، ولربما عند العاشرة ليوقعها من الضابط المسؤول الذي يحدد وقت زيارتي».

ينتظر حاملو الأوراق بعدها في الشارع متحدين الظروف المناخية باختلافها، يمضون ساعات الانتظار متوجسين من القصف المحيط والاشتباكات حول المكان، والشظايا التي تتطاير لتطالهم أحيانًا. يتوسل بعضهم للعساكر بالإسراع بإحضار الموافقة، فكلما طال انتظارهم كلما طال احتمال تعرضهم للخطر، فقد شهد هذا المكان قبلهم سقوط عدة جرحى وقتلى، ولكن لا حياة لمن تنادي، فلا مسؤولو القضاء العسكري يؤمنون مكانًا أأمن ولا يسرّعون الموافقات، ولا يتراجع المتقدمون لأخذها، فرؤية الأحبة تستحق التضحيات.

تمر ساعات الانتظار الخمس أو الست ليأتي المساعد بالطلبات، رافضًا نصفها وموافقًا على بعضها، وتخفق محاولات البعض في الحصول على الموافقة بحجة أن السجين ليس موجودًا في هذا السجن.

يلي ذلك انتظار أطول يدوم أيامًا أو شهورًا حتى يحين موعد الزيارة الذي يتطلب عودة مرة أخرى إلى الشرطة العسكرية للحصول على توقيع أخير يستغرق قرابة الساعة، يليه التوجه إلى صيدنايا. طريق طويل يمر الوقت خلاله بطيئًا ثقيلًا على حواجز النظام، فتكاد تنقطع الأنفاس خوفًا من فوات موعد الزيارة، وخاصة بالنسبة للقادمين من محافظات أخرى.

تقول منى التي تذهب لزيارة زوجها هناك، أنها تنزل من الحافلة التي تستقلها قبل باب السجن الرئيسي ببضعة أمتار حتى لا تكون عرضة للموت رشقًا بالرصاص من قبل حراس السجن، «يأخذ الحراس الهوية الشخصية وبطاقة الزيارة ثم نذهب إلى غرفة التفتيش مع كل ما نحمله من ثياب».

بعد التفتيش تنتظر منى نصف ساعة لوصول الباص الذي سينقلها إلى قاعة الانتظار، حيث ينادى للزائر باسم السجين. ويؤتى بالسجين مطأطئًا ويرافقه سجانان، واحد عن يمينه والآخر عن شماله، لا يكاد يرفع رأسه حتى يضربانه ضربًا مبرحًا.

يقول زياد ذو الـ 18 عامًا أن شبكتين من القضبان الحديدية تفصل بينه وبين أخيه، لتختفي ملامحه وراءهما، وبين الشبكتين ممر عرضه متر تقريبًا يقطعه السجانان جيئة وذهابًا، لتقاطع نظراتهم أحاديث الأخوين.

بعد كل هذا الانتظار على أبواب عديدة، تحدد الزيارة بثلاث دقائق، تتضمن سؤالًا عن صحة السجين جوابه دومًا أنه بخير ومرتاح، فهنا «الغلطة بكفرة» وأي جواب غير هذا يعرض السجين للضرب أمام أهله وبعد رحيلهم، كما قد يحرم السجين من الزيارات لأشهر إن تخلل الدقائق الثلاث تلميحات أو تمتمات غير واضحة.

ولسوء الوضع الذي يعانيه السجناء هناك، طلب أحدهم من أخيه، محمد الحمصي، أن لا يسمح لبقية أفراد العائلة بزيارته كي لا يروه في وضع صحي متدهور.

تنتهي الدقائق الثلاث ويعود الجميع إلى قاعة الانتظار التي تكاد تغرقها الدموع، وعلامات الدهشة تبدو جلية على وجوه الجميع، فمعظم السجناء باتوا من شدة سوء الأوضاع داخل السجن «جلدة وعظمة» حسب وصف أم عبدو.

يغادر الزوار القاعة تاركين ما سمح بإدخاله من أمتعة لمعتقليهم، ومبلغ من المال لا يتجاوز الخمسة آلاف ليرة سورية، وفقًا لقوانين السجن والتي تسمح للسجناء باستخدام هذا المبلغ لشراء المنظفات فقط.

تنتهي رحلة انتظار الزيارة مع الخروج من باب سجن صيدنايا، ويعود الأهل لانتظار الفرج والافراج عن معتقليهم، وقد تضاعفت في قلوبهم اللوعة بعد ما رأوا من أحوال أحبتهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة