عيد بين قذائف الموت وفقد الأحبة

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 87 – الأحد 20-10-2013

لمى الداراني – عنب بلدي

أصوات القذائف تتساقط من بعيد، وحده الله يعلم أين سقطت وبيت أية عائلة هدم ومن جرح صباح يوم العيد، استيقظ وليد باكرًا، فأصوات القذائف باتت معهودةً لدرجة جعلت طفلًا بعمر السادسة يعتاد أصوات القصف وطائرات الميغ، ارتدى أجمل ثيابه المتبقية، واستلم عيديته من جده، وطلب من والدته أن تقطف له عنقود عنب من شجرة المزرعة التي نزح إليها للمرة الرابعة بعد أن ترك منزله في داريا منذ 11 شهرًا، ليأخذه عيدية لأحمد صديق النزوح الذي تعرف عليه من جديد1378341_253003548157490_1653361894_n.

في تلك المزرعة التي تفتقر لكل شيء، أرجوحة قديمة مهترئة، اعتادوا عليها كل يوم، ولكن لأن الدنيا «عيد»، أمسك والد وليد بيده ويد أخته وأخذهما للأرجوحة المركونة في آخر المزرعة. هذا هو العيد، لا جديد، لا حلوى كالمعتاد، لا زيارات للأقارب حتى، فالعائلة الواحدة تمزقت أوصالها ما بين داخل سوريا وخارجها، والحواجز التي تجعل من الخروج من مكانك جحيمًا لا يطاق منعت معظم السوريين من الخروج من منازلهم في ريف دمشق.

في داريا المحاصرة، كانت عيدية العيد غارة جوية بطائرات الميغ، جعلت من محمد ذو الأربعة أعوام يجفل من خوفه وصدمته، استيقظ صباح العيد وثيابه مملوءة بالدماء، ووالده ينزف بشدة، أتى «عمو» وأخذهم للمشفى الميداني، وبعد أن تم علاج محمد، نزل من سريره وتقدم لسرير والده الذي ضمه بقوة والدماء تملأ كليهما. هناك، حيث الموت رفيق الجميع، الموت من الجوع أو الحصار أو الصواريخ، فلا يهم، المهم أنه موت، قد تحول إلى فرحة عيد، حين قام من بقي في المدينة من عمل أراجيح من مخلفات الصواريخ للأطفال الذين بقوا في المدينة، فالحياة ستستمر جنبًا إلى جنب مع الموت القادم من السماء. وفي معضمية الشام، الموت جوعًا كان بانتظار أطفالها في العيد، فالطعام مفقود والموت موجود، هدية لهم في العيد.

في ريف معرة النعمان، الشوارع خالية، والبيوت خالية، فمعظم سكانها هجروها بسبب المعارك الدائرة والقصف العنيف ولجأوا للأحراش واتخذوا من الأشجار مأوى لهم، هكذا كان عيد أطفال ريف إدلب، الراجمات لم تهدأ، فمعارك وادي الضيف والحامدية مستمرة والموت كذلك، «حمودي» ذو التسعة أعوام، قدم إلى الريحانية قبل العيد بيومين حاملًا معه شيئين فقط، مرض السرطان و40 يومًا يعد دقائقها ليموت، ليبقى الموت صديق أطفال سوريا الحميم. وفي ريف المعرة، لم يجد الناس حتى بسكويت أو بعض الشوكولا في المحلات لإرضاء الأطفال، ففي ظل القصف والحصار وغلاء المعيشة، تعتبر «حلويات الأطفال» ترفًا لا ضرورة له حتى في العيد.

في كفرنبل، الشوارع فارغة تمامًا يوم العيد، لا ضحكة الأطفال ولا زحمة المعيدين، فالعيد مفقود منذ ثلاثة أعوام تقريبًا، خالد، ذو الأربعة أعوام، كانت فرحته أن رأى والده بعد غياب أسبوع كامل، بعد أن تركوا بيتهم «المهدود» ونزحوا إلى شبه بيت بعيد عن قلب المدينة، وعمل والدهم يقتضي خروجه من الصباح الباكر وعودته مساءً ليجد صغاره قد ناموا. هتاف الفرحة يطلقه وأخته الصغيرة كلما قدم أحد من العائلة «جدووووووووو» «عموووووووو»، فالنزوح منعهما من رؤية أقربائهم المقربين حتى.

وللنازحين في المخيمات قصص ألم أخرى، فسلطات المخيمات تمنع قاطنيها من الخروج من المدينة لأي مكان خارجها، والأطفال داخلها لهم الخيمة وذكريات البيت المهجور، تقول مريم، وهي أم لأربعة أطفال، سمحت لنا سلطات المخيم بالخروج خارج المدينة لمدة تسعة أيام، فأتيت إلى الريحانية لأرى أقربائي فيها، وعلى وجوه أطفالها ترتسم فرحة لقاء أطفال العائلة، بعد غياب، ليتعرفوا على أطفال جدد كانوا قد ولدوا إما داخل الخيمة أو خارج أسوارها.

في سراقب، قلّما تجد طفلًا في الشوارع أو حتى كبار، فسحة الأطفال الوحيدة للخروج للشارع تبدأ قبل المغرب، عند توقف الغارات الجوية تقريبًا، قليل جدًا من اشتروا ثياب العيد، معظم الأطفال نازحون خارج سراقب، تحولت ألعابهم إلى حجارة وتراب يعيدون إعمار بيوت لهم، علها تشفي غليل شوقهم لبيوتهم المهدمة، ولأن العيد أتى دون أن يزورهم، فقد نصبوا لأنفسهم المراجيح على أغصان الشجر، في المدينة المدمرة، عائلة لم تنزح عنها، أطفالها ينتظرون قدوم جارهم الطيب ليقدم لهم بعض الألعاب كما فعل العيد الماضي، ولكن ظروف العم الطيب هذه السنة لم تسمح له بشراء شيء لهم، وانتظروه عند الباب بانتظار ألعابهم، قدم لهم بعض العيديات ومضى.

في الغوطة الشرقية، حاول بعض الناشطون عمل بعض النشاطات للأطفال، نصبوا لهم بعض المراجيح والألعاب، قاموا بتزيين وجوههم بالألوان والرسومات، ليعيدوا شيئًا من بهجة الأطفال في العيد، التي سلبتها طائرات النظام، وفي معرة حرمة، عرض بعض الناشطون أفلامًا كرتونية للأطفال على جهاز بروجيكتور، لعل البسمة التي ارتسمت على شفاههم وأصوات ضحكاتهم تنسيهم صوت الطائرات التي تغير على المنطقة، وبعضهم قام بافتتاح محل متنقل لحلوى الأطفال وكان يجول على مناطق النزوح لتوزيع الحلوى وحصص الأضاحي على الأطفال والأهالي.

أما تل عرن في ريف حلب، فعيديتها، قصف أودى بحياة 13 شخصًا معظمهم من الأطفال، فالصواريخ الحرارية تستهدف كل شيء يمر في الطريق، حتى بهجة العيد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة