بداية نهاية الإسلام السياسي

محمد رشدي شربجي

camera iconمحمد رشدي شربجي

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

كانت هزيمة 1967 ضربة قاصمة للقومية العربية. الفكرة التي كانت رافعة الشعوب العربية نحو الاستقلال من الاستعمار الأجنبي، سرعان ما انهارت على يد أنظمة الاستبداد في العالم العربي.

تمثلت القومية العربية في شخص الرئيس المصري جمال عبد الناصر حينها، وهو شخص عظيم باعتقادي ولكن أخطاءه أعظم منه، وجرّ بسياسته الويلات على العالم العربي بشكل عام، لم يكن عبد الناصر شخصًا عاديًا، لقد كان العرب يعبدونه تقريبًا، وخطاباته الممتدة كانت تخلي شوارع العواصم العربية من المحيط إلى الخليج، وبكل الأحوال فقد كانت هزيمته المدوية في حزيران خلال سويعات هزيمة هائلة لما حمله من أفكار، هناك كتبت إسرائيل تاريخ وفاة القومية العربية وأعلنت ميلاد الموجة الإسلامية.

ليست هزيمة حزيران هي العامل الوحيد بالتأكيد، ولكنها العامل الأساسي في هجران الشعوب العربية للعروبة لصالح الإسلام، وبعد عقود من خطاب، لم يتحقق يومًا، يتحدث عن دولة عربية من المحيط إلى الخليج، صار الآن الخطاب عن دولة إسلامية من طنجا إلى جاكرتا، تجمع المسلمين تحت دولة واحدة كما كانوا (هم لم يكونوا كذلك يومًا بالمناسبة أو على الأقل منذ نهاية القرن الأول الهجري تقريبًا)، وتعيد لهم عزهم ومجدهم الغابر أيام الخلافة.

والحقيقة أن السوريين، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على أي دولة عربية أخرى، إن لم يكونوا عربًا فهم مجموعات متفرقة من الطوائف كما يقول أحد قادة الاستقلال السوري، وعليه فقد فشلت الموجة الإسلامية، وموجات أخرى شبيهة كالهوية الفينيقية للبنان، والقبطية في مصر، ودعوات أخرى مشابهة في المغرب العربي، في تشكيل هوية وطنية جامعة، وارتد العرب بفعل من الاستبداد إلى هوياتهم الفرعية والجهوية.

لم يستطع الإسلاميون فعل شيء للأسف، وإن كان العدل والموضوعية تقول إنهم لم يحظوا بفرصة حكم كما حظي بها خصومهم القوميون، وكثيرًا، أو دائمًا بشكل أدق، ما انتهت فرصهم النادرة بالوصول إلى الحكم بحمامات دم بحقهم، في ظل عالم يستسيغ ذلك إن لم يكن يحبذه إذا صح القول.

واليوم بعد الربيع العربي، وسيطرة القوى السلفية الجهادية مع ما يشبهها من الشيعة على المشهد في سوريا والعراق وعدة بلدان أخرى في المشرق العربي، باتت أطروحات الإسلام السياسي الأساسية (الخلافة، الشريعة، الدولة الإسلامية، الإسلام هو الحل…) مثيرةً للرعب والذعر أو الشكوك بأقل تقدير، وتحتاج إلى كثير من الشروح، بعد أن كانت تثير كل المشاعر الإيجابية عند المسلمين دون الحاجة إلى أي توضيح.

سيتجه الإسلاميون باعتقادي بأحد اتجاهين وهو ما بدأ بالفعل، إما اللحاق بركب أردوغان باتجاه العلمانية وإنشاء أحزاب من طبيعة العدالة والتنمية التركي، أو الحزب الجمهوري الأمريكي وغيره من الأحزاب العلمانية التي ترى أن الدين يجب أن يلعب “دورًا ما” في المجتمع دون تدخله بالسياسة، وهو الاتجاه الذي يجب دعمه وتعزيزه.

أو اللحاق بركب الجولاني والبغدادي ومن شابههما، وهو مسار تتكفل بتعزيزه الحرب الحقيرة على الإرهاب، التي ترى أن الحل الأمثل للتطرف هو من أمثال السيسي وبشار الأسد ومن شابههما.

قد يكون ما يحصل من كوارث مفيدًا في المستقبل، فقد تكون أفكارنا التي لطالما عاملناها بقدسية لا تمس، بحاجة إلى صدمة من هذا النوع حتى يتضح خواؤها وضعفها، وهو مسار دخلت به أوروبا قبل عدة قرون، وقد نكون في طور الدخول به اليوم.

من يدري! قواعد الإسلام تنطبق على الإسلاميين أيضا “فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة