شباب بعمر الصبا… فكيف بك تقتلهم؟..

tag icon ع ع ع

جريدة عنب بلدي – العدد 17 – الأحد – 27-5-2012

   

      انتشرت صبيحة يوم السبت (19 أيار 2012م) في داريا إشاعات أن سلسلة الاقتحامات التي بدأتها قوى الأمن والمخابرات الجوية في داريا من الأربعاء السابق، ستستمر اليوم، وقام أصحاب المحال التجارية بإغلاق محالهم، ممتثلين المثل الشعبي «ابعد عن الشر وغني له»، وما أن أصبحت الساعة الثامنة مساءً، حتى يُخيّل للمارّة أن المدينة قد تحوّلت كما كل مساء إلى مدينة أشباح، لا يمر فيها إلا طيف معتقليها الذين تجاوز عددهم الأربعمائة، لنغفو ليلتها على أصوات إطلاق النار من شارع الشهيد طالب السمرة، إذ قاموا بمداهمة الفرن الآلي، وأطلقوا النار على العمال ووقع منهم أناس ما بين شهيد وجريح، كما يروي لي من شهد الحادثة بأم عينه.

 ثم تلعثمت حروفه، واختنقت الكلمات في حنجرته، كل كلمة تختفي وراء الأخرى، تحاول أن تدفعها لتخرج وتنطق حقًا، ولكن صوت الرصاص الذي لم يغب عن مخيلته، كان أقوى من صوتي وأنا أطلب منه أن يكمل لي الرواية، أو ربما وحشية عناصر الأمن والطريقة التي باتوا يقتلون أبناءنا بها، إنها شر طريقة، إذ تخالهم يفرّغون جام غضبهم، ونيران حقدهم بمن يقع بين أيديهم، مُبعدين أنفسهم عن كل معاني الإنسانية، وكأنهم وحوش يطاردون فريسة، ما أن تقع بين أنيابهم حتى ينقضوا عليها، ويسلبوها حياتها، وينهشوا جسدها، ثم يتركوا عظامها لتنخرها ظلمة الليل الحالك، أو ربما لتذروها الريح إلى مكان بعيد.

 سامر المؤذن ابن السادسة عشر ربيعًا كان بطل هذا المشهد، الذي اصطنعته قوى الأمن لنفسها، لتُرهب الأهالي، فبدل أن يُحتضن هذا الشاب وتُقدّم له الرعاية في مدارس تُعلّم الخير، وتلهم الحكمة، إذا بجلاد يحكم عليه برصاصات تودي به أرضًا، فتختلط رائحة دمه الطاهر، مع صوت رصاص الطاغية وهو يُكشّر عن أنيابه، ويمشي مختالًا، إذ تمكّن من قتل أحد عناصر العصابة المسلّحة، فمن يُنكر أن ابن السادسة عشر لا يمكنه أن يُزلزل أمن دولة تحكمها عنجهية الطاغية وأفرعه الأمنيّة؟!.

 ويكمل الشاهد على الجريمة ما رأى بأم عينه -والذي بات يتوسل إلى الله أن يُلقي بقميص الحق على عينيه، علّه يرتد بصيرًا، فتبتعد عن ناظريه تلكم المشاهد- إذ رآهم وهم يطلقون النار على سامر، صبي بعمر الورد، ربما جرحت براءته كرامتهم التي أضاعوها عبر الطرقات، وهم يدوسون عليها بأقدامهم، فأرادوا أن ينتقموا لرجولتهم الضائعة، من كل بريء يمر أمام ناظرهم، ولو كان يعبر الطريق فقط، كما سامر.

 ثم يمشي قاتل سامر باتجاه الجثة التي ارتمت أرضًا، ليتوّج نصره برؤية سامر يطفو فوق بركة دمه الطاهر، فينهار جبروته إذ وجد أن رصاصته لم تكفي لتنهي حياة سامر، ليستمر في إطلاق النار عليه، ثم وبكل وحشية، وبحربة سلاحه يمرره مرات ومرات على رقبة الشهيد، ويمسكه من أطرافه، ويسحبه على الطريق، لتبقى أجزاء من الجثمان الطاهر، شاهدة على جرائم النظام، ومسجّلة وبكل قطرة دم طاهر، أو قطعة لحم متناثر بطولة بني أمي، وصبرهم وعزمهم على المضي قُدمًا.

 سامر المؤذّن، أذن الله أن يختاره لجواره، فاستعاد المولى أمانة ما قدرنا أن نحافظ عليها، فبدل أن نهيّئ له ولبني جيله مدارس وملاعب، ليُكمل أيام صباه بسلام، إذا به يُقدّم أضحية لكرامتنا المهدورة، علّها تعود لنا يومًا، فطريقة قتله تُحرّك حتى من تبلّدت مشاعره، بعد أن طمس عينيه عن رؤية الحقيقة، ولكن نعدك يا سامر أننا لن نبقى مكتوفي الأيدي، أمام آلة تستل أرواح بني البشر، سنُكمل درب حريتنا، ولن نحيد عن طريق ثورتنا، فلك الجنة بإذن المولى، ولنا في الدنيا النصر وسوريا الحرّة.

 روحك ما يهمها اعتقال

رسالة أم إلى ولدها المُغيّب منذ عام


 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة