سوريا والتدخلات الكارثية

tag icon ع ع ع

فايز سارة – الشرق الأوسط

أعادت تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة حول سوريا، طرح الموقف في موضوع الرئاسة السورية على بساط البحث. وقال الرئيس ماكرون، إنه لا يرى بديلا شرعيا لبشار الأسد، وإن بلاده لا تعتبر أن رحيل الأسد شرط لحل الصراع في سوريا، وأضاف ماكرون إلى ما سبق قوله، إن «الأسد عدو للشعب السوري، لكن ليس عدوا لفرنسا».
موقف ماكرون في أحد جوانبه، يتقارب مع الموقف الروسي الداعم لبشار الأسد باعتباره «رئيساً شرعياً ومنتخباً»، وبالتالي وضعه خارج أي سياق للحل في سوريا، لكن الموقف الروسي يبدو أكثر تماسكا في أنه لا يرى أن الأسد «عدو للشعب السوري» كما يقول ماكرون.
وبغض النظر عن الاختلافات بين الموقفين، فإن فكرة شرعية أي رئيس تستند في الأساس إلى مسار وصوله إلى السلطة وإلى محتوى سياساته التي تحافظ على بلاده ومصالح شعبه، والأخيرة قضية لا تحتاج إلى نقاش بعد أكثر من ست سنوات من الصراع السوري، حيث كرست سياسة الأسد التوجه منذ البداية إلى حل عسكري أمني بدلا من الحل السياسي في الرد على مطالب السوريين السلمية والمدنية، ووسعت في سياق الحل العسكري الأمني، عمليات القتل والاعتقال والتهجير للسوريين في بلدهم وإلى خارجه، ثم زادت إليها فتح الأبواب أمام ولادة وتكاثر الجماعات الإرهابية المتطرفة، سواء من خلال إطلاق سراح معتقلين متطرفين ومجرمين من سجون النظام وتنظيمهم وتسليحهم، وفتح البوابات الحدودية للبلاد أمام المتطرفين وجماعاتهم للدخول إلى سوريا بعد انسحاب قواته وأجهزته من تلك البوابات، ثم أضاف إلى ما سبق خطا ثالثا في سياسته، وهو استدعاء قوى إقليمية ودولية في مواجهة السوريين الثائرين على النظام من ميليشيات طائفية متطرفة إلى إيران ذات المطامع المعلنة بسوريا إلى روسيا الباحثة عن موطئ قدم على شواطئ المتوسط، والراغبة في استعمال سوريا ورقة مساومة في صراعاتها الإقليمية والدولية، مما أدى إلى رهن مستقبل البلاد بيد من استدعاهم، وصار نظام الأسد الطرف الأضعف بينهم في أي قرار يتعلق بسوريا، وصار هؤلاء في عداد قوى الاحتلال في سوريا.
ولا يحتاج إلى تأكيد، أن مجمل تلك السياسات أفقدت الأسد أي شرعية حصل عليها لاحتلاله موقع الرئاسة السورية، رغم أن شرعيته قبل ثورة السوريين كانت محط اعتراض، ليس بسبب سياق التوريث الذي حمله إلى سدة الرئاسة فقط، إنما أيضا بسبب فشله عبر السنوات العشر الأولى من رئاسته في تحقيق أي خطوات إصلاحية،
فقدان شرعية الأسد في الرئاسة لا تحتاج إلى تأكيد من أي قوة خارجية، إذ هي مستمدة من إرادة السوريين، ومن المسار الذي مضى عليه بشار الأسد ونظامه، وفي الحالتين فإن الوقائع أثبتت أن الأسد ونظامه لا شرعية لهما، وأن أطروحات غير السوريين في هذا لا قيمة لها، وغالباً، ما يتم طرحها لتبرير سياسات ومواقف تتخذها هذه الدولة أو تلك، أو يطلقها رئيس أو زعيم لإحدى الدول المهتمة أو المتدخلة في سوريا.
البحث عن بديل للأسد في إطار مستقبل سوريا أمر يتعلق بالسوريين وطموحاتهم وأهدافهم، وهو لا يتعلق بشخص، ولو كان الأمر كذلك، فإن أي سوري يمكن أن يكون أحسن من الأسد، لأنه لم يذهب في مشوار الدم والدمار والتهجير بالقدر الذي ذهب فيه الأسد، بل الأمر أبسط من ذلك حتى، فقد مضى على تأسيس الكيان السوري الحديث نحو ثمانين عاماً، تولى فيها الرئاسة السورية عشرات الأشخاص، وكلهم كانوا أفضل من الأسد وأبيه في مسؤوليتهم الوطنية وفي مستويات الأداء السياسي والأخلاقي، ولم تصل أبشع أخطاء أحدهم إلى عتبة الحد الأدنى من جرائم ارتكبها الأب والابن في نحو أربعين عاما من رئاستهما المشكوك في شرعيتها، مما يعني أن السوريين قادرون على إيجاد كثير من الأشخاص ممن يستطيعون تولي منصب الرئاسة،
الأمر الثاني في موضوع الرئاسة السورية وبديل الأسد، هو برنامج الرئاسة القادم، والمفترض، أن يضمن انتقال السلطة من نظام رئاسي ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، ويعالج تداعيات ما صار إليه حال سوريا والسوريين في سنوات الحرب، والتدخلات الإقليمية والدولية، ومعالجة قضايا المعتقلين والمختفين قسرا والمحاصرين والمشردين والمهجرين واللاجئين، ومحاسبة المجرمين والمرتكبين، وإعادة تطبيع الحياة السورية، وتتطلب محتويات البرنامج وضع إعلان دستوري، وخلق هيئات ومؤسسات لها مهمات، ووضع آليات تنفيذية لعملها وطرق لمراقبة حسن الأداء، وعندها لن تكون هناك مشكلة في أي شخص يختاره السوريون رئيساً، لأنه سيكون قابلا للتغيير والاستبدال، ما لم يلتزم وينفذ محتويات برنامج السوريين.
إن تدخلات الأطراف الخارجية في القضية السورية تفرض على المتدخلين، ليس فقط وقف تدخلاتهم الكارثية، التي أطالت عمر نظام الاستبداد والإجرام، وعززت قوة جماعات التطرف والإرهاب، ووضعت السوريين في أتون أكبر كارثة إنسانية، وحملت العالم جزءا من تداعيات تلك الكارثة. إن واجبهم هو المساعدة على خروج سوريا من النفق المظلم، لا إصدار الفتاوى حول شرعية الأسد ونظامه، أو تجزئة الملف السوري، وغير ذلك من سياسات ثبت فشلها طوال السنوات الست الماضية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة