tag icon ع ع ع

فريق التحقيقات في عنب بلدي

لا يمر يومٌ دون أن تعلن المنظمات الطبية والإسعافية العاملة في ريف حلب الشمالي والشرقي مقتل عدد من المدنيين، أو إصابتهم جراء انفجار الألغام المتوزعة في الأراضي الزراعية وعلى جوانب الطرقات العامة.

واعتمد تنظيم “الدولة الإسلامية” منذ بداية دخوله “الحرب” في الأراضي السورية على سلاحين عسكريين، الأول خططه وتكتيكاته التي أربكت حسابات خصومه، أما الثاني فهو الأكثر فتكًا وقتلًا، ولم تقتصر آثاره على العسكريين، بل تعدتهم لتشمل المدنيين، وبقيت تؤرّقهم حتى بعد خروجه من المناطق التي سيطر عليها.

تحاول عنب بلدي من خلال هذا التقرير تعريف أهالي شمال حلب بأنواع الألغام المنتشرة بشكل واسع في منطقتهم، ومدى خطورتها وكيفية الكشف عنها، والإجراءات التي يجب على المدنيين اتباعها لتجنب التعرض لها، والتقليل من نسبة الإصابات والضحايا.

كما يوفّر معلومات التواصل مع الجهات المسؤولة عن تفكيكها ونزعها في حال الاشتباه بوجودها، من خلال الحديث مع المسؤولين في مركز نزع الألغام (في أيد أمينة) الذي يتولى هذه العملية، إلى جانب قادة عسكريين وأشخاص في المنظمات الطبية والإسعافية الفورية.

لا توجد إحصائيات دقيقة لضحايا ومصابي الألغام ومخلفات الحروب في المنطقة، إلا أن عنب بلدي حصلت على معلومات خصّت مدينة الباب وريفها فقط، والتي كان لها النصيب الأكبر.

ووفقًا للإحصائية الصادرة عن منظمة “إسعاف بلا حدود” العاملة في المنطقة، بلغ عدد ضحايا الألغام في المدينة بعد خروج التنظيم 77 مدنيًا بينهم ست نساء وثمانية أطفال، إلى جانب أكثر من 100 جريح، وأكثر من 200 ألف شخصٍ معرضين للإصابات جراء الألغام المتبقية في أراضي المدينة.

هيثم.. ضحية “شباك” التنظيم

بنظرات يتخللها الخوف والخجل، رفض الطفل هيثم الحديث إلى عنب بلدي، فالإصابة التي تعرض لها أثناء وجوده مع أبيه في أرضهم الزراعية التي عادوا إليها عقب خروج تنظيم “الدولة” من بلدة صوران، ولّدت في شخصيته شيئًا من “انعدام الثقة”، إذ شلّت قدرته على المشي بشكل نهائي، وجعلته عاجزًا على كرسي يتبادل إخوته الأدوار في مساعدته على التنقل ضمن غرف المنزل وإلى دورة المياه.

لم يكن بحسبان هيثم أن “نزهته” مع والده ستكون الأخيرة على أقدامه، إلا أن حالته لم تكن الوحيدة، بل هي من ضمن عشرات الحالات من الأطفال في المنطقة الذين غدوا الضحية الأساسية والمستهدفة لهذا النوع من آلات القتل، فهم معرضون للموت أثناء اللعب، وعلى طريق المدرسة، وأثناء تنقلهم في محيط المنازل.

يروي محمود أبو أحمد، والد الطفل، الحادثة التي اعترضتهما في صوران بعد العودة إليها، حيث انفجر لغمٌ أرضيٌ أثناء حراثة الأرض، لم يكونا منتبهين له بعد “طمره” في التراب، ونقلا إثر ذلك إلى الأراضي التركية للعلاج.

“ابني هيثم بترت رجله، وأصيبت الأخرى بإصابة بالغة أوقفته عن المشي والحركة بشكل كلي”، يقول الوالد، متابعًا “لم نلاحظ اللغم عند حراثة الأرض، فقد زرعه تنظيم الدولة على عمق لا يمكن ملاحظته أو مشاهدته بالعين المجردة، لنتفاجأ بانفجاره دون سابق إنذار”.

لم تقتصر الإصابة على هيثم، بل تعرض والده لإصابة بالغة أيضًا في يده اليمنى شلّتها عن الحركة، فاللغم الذي تعرضا له يحتوي مواد متفجرة كبيرة، و”شظايا حديدية” انتشرت بشكل واسع أثناء انفجاره.

وطالب الوالد بدعم طفله من المنظمات المتخصصة، مرددًا “ابني مشلول الحركة ننقله إلى دورة المياه نقلًا، وقد حُرم من الذهاب إلى المدرسة واللعب مع أصدقائه في الحارة، ومن جميع حقوقه في الحياة”.

طريقكم إلى السلامة

حملت عنب بلدي عدة أسئلة واستفسارات إلى غياث أحمد، مدير الخدمات المجتمعية في مركز “في أيد أمينة” المتخصص بنزع الألغام، وركّزت على الإرشادات والنصائح التي يجب على المدنيين اتباعها لتجنب مخاطر الألغام، وما هو رد الفعل المثالي في حال ملاحظة أي جسم غريب يُشكّ بأنه لغم.

وأوضح المدير أن الخطوة الأولى التي يجب على المدني اتباعها هي “جمع المعلومات من الناس والأهالي قبل التوجه إلى أي منطقة، إلى جانب تحييد الأطفال عن المناطق المشبوهة، وتعليمهم السير عبر الممرات والطرق الموطوءة من قبل”.

ونبّه لـ “الابتعاد عن أي جسم غريب يشك في أمره، ووضع علامة في المنطقة المشبوهة ومحاولة إبعاد الأطفال عن موقع الشبهة كيلومترًا واحدًا على الأقل، والتواصل فورًا مع عناصر المركز”.

إضافةً إلى أنه “يجب التأكد من نظافة المنطقة من الألغام بشكل كامل قبل الذهاب إليها، والبحث بقدر المستطاع عن المعلومات الوافية بخصوص المنطقة عن طريق المجالس المحلية مثلًا أو الأصدقاء والجيران”.

وجالت ورشات المركز في عشرات المناطق شمال سوريا، ونظّفت بلدة أخترين بشكل كامل من الألغام، عقب انسحاب تنظيم “الدولة” منها، في تشرين الأول 2016، وأُعلنت بالتعاون مع المجلس المحلي في البلدة، منطقة آمنة ونظيفة، ليعود إليها الأهالي وتزرع أراضيها، بعد إزالة حوالي 400 لغم من البلدة.

وتشمل مناطق العمل حتى اليوم أماكن مختلفة من أرياف حلب وإدلب، ومنها تلالين ومارع وكفركلبين وأطراف جرابلس ومدينة الباب وريفها، وغيرها من القرى والبلدات الخارجة عن سيطرة التنظيم.

قائد الشرطة “الوطنية” في شمال حلب العميد، عبد الرزاق أصلان، شدد على ما ذكره المسؤول في المركز، وطلب، خلال الحديث مع عنب بلدي، من المدنيين “إخبار عناصر الشرطة الحرة بأي جسم غريب يلاحظونه في المنطقة، وتنبيه الأطفال بعدم العبث بالأجسام الغريبة”.

وأوضح أن الألغام تكون سطحية، ويمكن ملاحظتها بالعين المجردة، “الأمر الذي يستدعي إخبار مراكز الشرطة المنتشرة مراكزها في جميع البلدات بشكل فوري، والتي تقوم بدورها بإخبار فرقة انتزاع الألغام للكشف على المنطقة بشكل كامل”.

إلى ذلك حذّر المسؤول من “السير في المناطق المشبوهة، إذ يجب الابتعاد عن الطرق التي لم يتم اعتمادها وتطهيرها، والشك من أي شيء يتضمن أسلاكًا غير معتادة”.

وأكد على “جمع المعلومات كافة عن المنطقة المراد السفر إليها، مع الانتباه إلى علامات التحذير المنتشرة على الطرقات العامة”.

شهدت قرى وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي في الأشهر القليلة الماضية حركة عمرانية كبيرة، بعد تأمين المنطقة بشكل كامل، ترافقت بحركة زراعية في المناطق التي لم تستثمر أثناء وجود تنظيم “الدولة”، ليتبع هذا التحرك موسم الحصاد الحالي.

وتبعًا لذلك أوضح المدير المسؤول أنه “عند القيام بالحفر وعمليات الإنشاءات والقنوات يجب الانتباه بحذر، وفي حال اكتشاف أي شيء غريب يجب التوقف وإخلاء المنطقة وإبلاغ المؤسسات المحلية بشكل مباشر”.

منظمة “الدفاع المدني” كان لها رسالة مشابهة، إذ دعا هيثم جبر، أحد المسؤولين في فرق الدفاع المدني بريف حلب الشمالي، المدنيين إلى “عدم الاقتراب من الكتل أو الأشياء المشبوهة، حتى إبلاغ الدفاع المدني، والذي يقوم بالتأكد منها وتفكيكها، إن كانت لغمًا متفجرًا بالتعاون مع فرق نزع المواد  المتفجرة”.

وأشار إلى أن “التفخيخ طال جميع المناطق التي لا تخطر على البال، كالأواني المنزلية مثلًا”، لافتًا إلى “تعاون مشترك مع مركز إزالة الألغام والعسكريين في فصائل الجيش الحر”.

عبر “الواتساب” والقبضات..  تواصل مع فرق الألغام

عند الاشتباه بأي جسم غريب والتخوّف من كونه لغمًا، يمكن للمدنيين التواصل مع فرق العمل في مركز “نزع الألغام”، وهو ما أوضحه غياث أحمد بالقول إن “أي شكوى تتعلق بالألغام وملحقاتها المتفجرة يجب أن يقدمها الأهالي إلى المجلس المحلي الذي يتواصل بدوره فورًا مع المركز ، ويحدّد اسم الشخص والمكان الموجود فيه، ويرسل فريقًا مختصًا بذلك”.

وأضاف أحمد “القانون الذي نسير عليه هو خدمة المدنيين، لكن نظرًا لخطوة الألغام وخطورة المنطقة التي تحررت منها فمن الممكن أن يكون لتنظيم الدولة الإسلامية خلايا نائمة، لذلك لا نتلقىى الشكوى إلا من جهات رسمية، كالمجلس المحلي والشرطة الحرة، إضافةً إلى القضاء والمحكمة”.

الأرقام المخصصة للاتصال فور الاشتباه بأي جسم غريب هي 00905385649464، و00905356645350، وقد نُشرت هذه الأرقام بشكل واسع من خلال البروشورات والمصلقات في المدن التي استهدفتها حملات التوعية.

وتابع المسؤول “أما في حال انقطاع شبكة الاتصالات، فيتم التواصل عن طريق القبضات اللاسلكية المنتشرة بشكل واسع في المنطقة، وعبر مسؤولي المجالس المحلية التي تنتشر مكاتبهم في جميع قرى وبلدات ريف حلب الشمالي”.

 

تعمل فرق المركز على الحضور في تجمعات المدنيين، خاصة المظاهرات والاحتفالات، وبحسب المسؤول يحاولون أن يكونوا “جنودًا مجهولين يسهمون بخبرتهم في حماية المدنيين ومساعدتهم”.

استكمالًا لما تحدث عنه مدير الخدمات المجتمعية، أشار مسؤول نزع الألغام في مدينة الباب، يونس أمين، إلى أن “الفريق في حالة الجاهزية بشكل دائم”، مرحبًا بأي اتصال من المتضررين.

وحدد المناطق التي تنتشر فيها الألغام بشكل كبير شمال حلب، وتتركز في الخطوط الأمامية التي تمركز فيها مقاتلو التنظيم سابقًا والبيوت التي تمترسوا فيها، معتبرًا إياها من أخطر النقاط بالنسبة للمدنيين.

ولا يمكن الدخول إلى البيوت بشكل مفاجئ، بل يجب النظر إلى زوايا الأبواب جميعها، حيث اعتمد تنظيم “الدولة” على زرع الألغام خلف الأبواب، كما يجب الحذر من الأجسام الغريبة كالأسلاك أو الخيوط، والأسلاك التي تحتوي عقدًا كثيرة، أو أي شيء يثير الانتباه كأكياس القنب والبلاستيك الكبيرة الموضوعة في أي مكان داخل البيت أو خارجه، بحسب المسؤول.

خمسة أشكالٍ للألغام.. احذروها

وفق مصادر عنب بلدي، قتل أكثر من 50 شخصًا قرب مدينة الباب بسبب الألغام، قبل السيطرة عليها، وطرد التنظيم منها في 23 شباط الماضي.

ويستخدم التنظيم أنواعًا مختلفة من الألغام تعرض عنب بلدي أبرزها، بناءً على معلومات حصلت عليها من فرق الألغام:

المسطرة

لغم على شكل مسطرتين فوق بعضهما، توضعان عند نقطة إغلاق باب المنزل، وتوصلان بعبوة ناسفة، تنفجر بمجرد فتح الباب، وهي “المسؤولة عن القتل مباشرة”.

المسبحة

عبارة عن عقد لحبات، تنفجر بمجرد لمسها أو الوقوف عليها، ويمكن أن يضم اللغم “المسبحة” أكثر من عقدة، يصل مدى انفجارها 80 سنتمترًا وتستهدف الأطفال والنساء بشكل خاص.

اللغم الليزري

يكون اللغم الليزري على شكل عدسة ينفجر بمجرد المرور أمامه، وهو أخطر أنواع الألغام.

ويعمل من خلال حساس ضوئي يعطي الأمر بالتفجير، بمجرد المرور أمام العدسة الليزرية، أو تفجيره عن بعد، وتكمن خطورته في أنه صعب الكشف.

الحجر

يصنع التنظيم ألغامًا من الحجارة، والتي تنفجر بمجرد لمسها، أو بعد لمس شريط كهربائي موصول فيها.

الدوسة

ويعتمد بكثرة على لغم “الدوسة” المعروف، الذي ينفجر عند المشي فوقه، ويكون مغطىً بالتراب أو مخفيًا بشكل جيد في الأرض.

إضافةً إلى ألغام “مضحكة ومبكية” بنفس الوقت، كعلب ماء تحتوي على مواد سامة ومواد متفجرة، يتموضع الصاعق تحت غطائها وتنفجر فور فتحها. ليست قاتلة كالأنواع السابقة، إلا أنها سامة تحرق الوجه ويمكن أن تحوي مادتي الأسيد أو الكلور.

ماذا نفعل في ساعات الإصابة الأولى؟

تتفاوت الإصابات التي يتعرض لها المدنيون جراء انفجار مخلفات الحرب بحسب نوعية اللغم المنفجر أو المسافة التي طالها الانفجار، بدءًا من الشظايا التي تنتشر في جميع أنحاء الجسم، ووصولًا للحالات الخطيرة كالبتر والنزيف الدائم وغيرها.

وعلى الرغم من انتشار عدد من المراكز الطبية في قرى وبلدات ريف حلب الشمالي، إلا أنه نطاق عملها ضيق خاصةً في المجال الإسعافي الفوري، الأمر الذي يشكل تهديدًا كبيرًا على حياة المدنيين، في حال الإصابة بجروح عميقة.

مدير قسم التدريب والتأهيل في منظمة “إسعاف بلا حدود” العاملة في ريف حلب الشمالي، علاء حطاب، قدّم خلال الحديث لعنب بلدي عدة نصائح يجب الالتزام والعمل بها فور الإصابة بالانفجار، لافتًا إلى أنها يمكن أن تساعد في إنقاذ حياة مدني.

يقول حطاب “إذا تضرر السمع جراء صوت الانفجار، وخرجت دماء من الأذن، يجب توجيه الرأس إلى الأسفل فورًا لخروج الدم، ونقل المصاب بعدها إلى أقرب مركز لتلقي العلاج”، مشيرًا إلى أن “المصاب في هذه الحالة يحتاج للراحة بشكل أساسي”.

أما في حالة الإصابة بشظايا طفيفة، أوضح المسؤول الطبي أنه “لا يمكن إخراج أي جسم غريب من الجسم، بل يجب وضع ضماد بسيط ونقل المصاب إلى المركز الطبي القريب، بينما تتبع نفس الخطوات في حالة الإصابات العميقة وبمساحات كبيرة أيضًا، ويوضع الضماد حتى إيقاف النزف بشكل كامل”.

وتعتبر منظمة “إسعاف بلا حدود” إحدى المنظمات الطبية التي تأسست في أيار من عام 2013، على يد مجموعة من الشباب المتطوعين، وتتلقى دعمًا من قبل بعض التجار في منطقة ريف حلب الشمالي، إلى جانب بعض المنظمات الإغاثية العاملة في المنطقة.

ويتركز عملها بشكل أساسي في مدينة الباب وريفها، وتقدم الخدمات الإسعافية للمدنيين بشكل يومي عن طريق فريق من المسعفين ذوي الخبرة في المجال الطبي والإسعافي، وطبيب مختص استشاري، إضافةً إلى كادر طبي مختص لمتابعة أوضاع الجرحى في المنازل.

إسعافات أولية للإصابات العميقة

إلى ذلك، أوضح المسؤول الطبي الخطوات المتبعة في حالات البتر، فـ “الطرف المبتور يجب أن تقطع التروية عنه فورًا، عن طريق ربط أعلى منطقة البتر بقوة بأي شريط دون أن يكون مطاطيًا، ورفع الطرف للأعلى”، الأمر الذي يساعد في وقف النزيف حتى يتم نقله إلى أي مركز طبي.

في حين تُعامل الإصابة بالرأس أو الرقبة أو العمود الفقري بشكل مختلف، فيجب ألا يُحرَّك المصاب إلا للضرورة، وتوضع كمادات في مكان الإصابة، لينقل بحذر أو عن طريق مدرب مختص إلى النقطة الطبية القريبة.

إصابة البطن يجب تنظيفها بشكل مباشر، وفي حال خروج الأمعاء يجب وضع ضمادٍ طبيٍ رطب، وثني أرجل المصاب نحو بطنه.

وتحدث حطاب عن إصابات عديدة تتعلق بالكسور في كافة أطراف الجسم، والتي يجب التعامل معها بحذر من خلال عدم تحريك الطرف المكسور أو محاولة إعادته لوضعه الطبيعي في المقام الأول، وتثبيت الكسر كما هو في المقام الثاني.

نظرة الأهل وتفاعلهم علاج نفسي مهم

تعتبر الألغام ومخلفات الحرب من الأسلحة التي تمتد توابعها لسنوات عدة، ليتحول المدنيون أرقامًا تتزايد يومًا بعد يوم، في قوائم الضحايا أو ذوي الإعاقة الدائمة من أطراف مبتورة، أو تشوّهات تصل إلى فقدان إحدى الحواس الخمس.

وتقول الاختصاصية النفسية في منظمة “مستقبل سوريا الزاهر”، رميزة الشيخ، “خلال ستة أعوام من الأزمة السورية كان الأطفال هم الأكثر تضررًا، فإلى جانب خسارتهم الروتين الطبيعي لحياتهم (الأمان، الأسرة، المدرسة، الاصدقاء) الذي يسهم في استقرارهم النفسي، تعرضوا لأذية جسدية نتيجة القصف أو انفجار الألغام ومخلفات الحروب، وخسروا بذلك أحد الأطراف أو أصيبوا بالشلل، ليعانوا فيما بعد عجزًا مؤقتًا أو دائمًا، بحسب نوع وشدة الإصابة.

وتضيف الشيخ، الاختصاصية في تعزيز العافية النفسية الاجتماعية وتقديم خدمات الصحة النفسية، “مما لا يمكن تجاهله أن الأثر النفسي لهذه الخسارة كبير، يبدأ من شعور الطفل بالفقدان والعجز، فيظهر لنفسه أنه مختلف عن الأطفال الآخرين وغير قادر على ممارسة أبسط الأنشطة التي يمارسها أقرانه، فقد ينظر بعين الحسرة والحزن لأطفال يلعبون الكرة أو يتسابقون، والكثير من الأطفال المصابين يعيشون القلق والخوف من المستقبل ويشغلهم التفكير به”.

“قد يعيشون في فترة من المزاج السيئ والكآبة وشعور فقدان الأمل وانعدام القيمة، لعدم قدرتهم على أن يكونوا كالآخرين، كما أنهم قد يعانون من اضطرابات في النوم والكوابيس المتكررة”، تقول الشيخ موضحةً “يلاحظ أن الأطفال المصابين قد يرفضون الحديث عن الحادثة الصادمة التي مرو بها ويتجنبون تذكرها ومشاركة الآخرين مشاعرهم وأفكارهم حولها، نظرًا لأن هذه الذكرى تجلب لهم الخوف والقلق، وهي مؤشرات لأعراض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والكرب التالي للصدمة (PTSD) الذي يعايشها الاطفال الذين تعرضوا لصدمات عنيفة”.

وأشارت الاختصاصية النفسية إلى أن “استجابة الأطفال لمثل هذه الأحداث القاسية وتكيفهم معها مرتبط بعدة عوامل منها عمر الطفل وسماته الشخصية وشدة الحدث، والدعم الذي يتلقاه من المحيط ، خاصة من أهله”.

واعتبرت أن تكيّف الطفل الإيجابي مع هذه الأحداث الصعبة مرتبط بنظرة الطفل لنفسه والمستقبل والآخرين، وخاصة نظرة الأهل له بعد الحادثة، فالكثير من الأهل يعززون شعور الإحباط والعجز عند أطفالهم عندما ينظرون له على أنه عاجز، والعكس صحيح.

ويقع الأهل تحت كم هائل من الضغوط نتيجة لإصابة طفلهم، منها ما هو نفسي  (حزن على حالة طفلهم وقلق حول مستقبله)، ومنها ما هو مادي (تأمين العلاج للطفل من أطراف صناعية وغيرها)، والتي بدورها تؤثر سلبًا على نوع الدعم الذي يقدمونه لأطفالهم، حسب قول الاختصاصية، ومن أجل مساعدتهم على تكيف أفضل مع الحالة الجديدة  ينبغي أن يتم تقديم خدمات التأهيل على الصعيدين النفسي والطبي بشكل متكامل.

“في أيد أمينة” مركزٌ ناشئ يزيل الألغام ومخلفات الحرب

كأول ورشات عملٍ منظّمة، تسهم بإزالة الألغام من المدن والبلدات شمال سوريا، يعمل “المركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب (في أيد أمينة)، من خلال أكثر من 50 متطوعًا، على إزالة الألغام والتوعية من مخاطرها من خلال خمسة برامج أبرزها تدمير المخزون مستقبلًا.

نشأ المركز كمبادرة شبابية عام 2015، من مدينة اعزاز في محافظة حلب، وضم ناشطين من حلب وإدلب، عقب تراجع تنظيم “الدولة الإسلامية”، أمام فصائل “الجيش الحر” في مناطق مختلفة شمال سوريا، ومع ظهور مشكلة الألغام وسط “الفراغ الكبير” لحل المشكلة.

وتحولت المبادرة نهاية العام الماضي إلى “منظومة عمل” أطلق عليها “المركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب” (في أيد أمينة)، بعد أن وضع القائمون عليه سياسات ومعايير وبرامج منظمة، بما يتوافق مع برامج الأمم المتحدة للألغام (UNMAS).

يعمل المركز حاليًا بالتعاون مع هيئات مدنية في الشمال السوري، تشمل 50 مجلسًا محليًا في حلب وإدلب وحماة واللاذقية، والدفاع المدني ومنظومة الإسعاف ولجنة إعادة الاستقرار في محافظة حلب، إضافة إلى الشرطة “الوطنية”.

وطرح خمسة برامج للتعامل مع مخلفات الحرب في المناطق المحررة، وهي الاستجابة السريعة ومساعدة الأهالي، ونزع الألغام، والتوعية بمخاطر الألغام، ودعم ضحايا الألغام، إضافةً إلى تدمير المخزون، وهو البرنامج الوحيد الذي لم يدخل حيز التنفيذ حتى اليوم.

يعتمد مركز الألغام في كشف المتفجرات على نوع واحد من الأجهزة، مخصص لكشف المعادن فقط دون أن يكون مختصًا بالمواد المتفجرة، ما يعني صعوبة في كشف الألغام الحديثة التي زرعها التنظيم مؤخرًا داخل عبوات بلاستيكية.

كما يواجه عدة صعوبات يتجلى أبرزها في نقص التمويل، خاصة في الفترة الحالية التي يحاول القائمون على المركز تحويله إلى فريق يشبه هيكلية الدفاع المدني، لكنهم يصطدمون بأسعار بعض التجهيزات، إذ يبلغ سعر اللباس المخصص للشخص الذي يريد أن ينزع الألغام ثلاثة آلاف دولار أو أكثر في بعض الأحيان.

وبحسب المسؤول أحمد “يواجه المركز لوبي بقيادة بشار الجعفري (سفير سوريا في الأمم المتحدة) الذي يضغط في الأمم المتحدة، كي يوقفوا التمويل باللباس والأجهزة المخصصة لعمليات نزع الألغام”.

وانتقالًا إلى البرامج التي طرحها المركز ضمن خطته، أشار غياث أحمد، المسؤول في مركز “في أيد أمينة”، إلى جهود واتصالات تتم حاليًا مع عدة منظمات تتعامل بالأطراف الصناعية والعمليات الجراحية الدقيقة والصعبة، للحصول على الدعم المعنوي والنفسي لمصابي وضحايا مخلفات الحروب.

وأوضح أن المركز رفع 70 اسمًا من المصابين حتى الآن إلى المنظمات الدولية والحكومة التركية، تضمن الاسم الثلاثي للشخص المصاب ومكان إقامته، ودرجة الإصابة التي تعرض لها، كما استطاع أن يجري 11 عملية جراحية للمصابين في عيونهم.

جهود شخصية وتواصل على مستوى ضيق يقوم به مركز نزع الألغام بحسب أحمد، إذ يعمل القائمون حاليًا على مشروع  إحصاء جميع المتضريين من الألغام، كما يتم التنسيق مع منظمة “ريليف انترناشيونال”، لتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء برنامج للمتضررين.