قصب.. من “سيّد العود” إلى “عوّاد” خلف الست

عازف العود محمد قصبجي

camera iconعازف العود محمد قصبجي

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور عبد النور

“قصب” هو صاحب النظارة الطبية الذي يدقّ العود خلف أم كلثوم، وقبل ذلك تاريخ فنّي يصل إلى ألف لحن وعشرات القصائد و”الطقاطيق” وأغاني “المونولوج” التي جعلت من محمد القصبجي يومًا أحد أهم ملحني القرن العشرين، ورائدًا في الجمع بين المدارس الشرقية والشعبية من جهة، والمدارس الكلاسيكية الغربية من جهة أخرى.

ولد محمد القصبجي في القاهرة عام 1892 على إيقاع أوتار والده الذي كان حينذاك ملحنًا ومنشدًا دينيًا، فنشأ بين خشب العود ونوتات الموشحات، وحديث لا ينتهي عن “الفن الأصيل”.

ميله إلى التغريب في الموسيقى نقله بضغط من والده إلى دار المعلمين، منعًا لأي انحراف في تاريخ العائلة الموسيقي، ودرءًا لفتنة “الفالس” وحدّة “الساكسوفون” مقابل جودة الموشحات ورقّة العود.

ورغم أنّ القصبجي قضى ثلاثة أعوام في التدريس، إلّا أن وترًا في العود الذي كان قد صنعه وهو في التاسعة من عمره بقي مشدودًا إلى قلبه، وأعاده إلى الفن من جديد.

عشرينيات القون الماضي، كانت بداية الانطلاق للشاب الذي كان مندفعًا آنذاك بطاقة الموهبة، وما إن انتشر لحنه الأوّل “ما ليش مليك في الهوى غيرك”، حتى أدرك أنّ عالمًا من النجاح يقف على رأس ريشته.

في الفترة ذاتها، كان صيت المغنية الشابة أم كلثوم قد اقتحم المجامع الموسيقية، وآذان عشّاق الطرب، وكانت قد غنّت لحنًا للقصبجي دون أن تعرفه، ودون أن تعلم أنه سيصبح معلّمها في وقت قريب، إذ كان يبيع ألحانه لشركات الأسطوانات، وتشتريها “ثومة”.

فيما بعد، تحوّل التعارف بين القصبجي وأم كلثوم إلى عقد تبنٍّ شفهي، ثم إلى ما يشبه عقد “الاحتكار بالتراضي”، وخلال أعوام من تلحين الأغاني لها حقق القصبجي تطورًا كبيرًا على المستوى المهني لكليهما، وعلى مستوى التجديد في الأغنية العربية.

ويُحسب للقصبجي أنّه أدخل “الهارمونيا” والبوليفونيا” و”المونولوج” الغربي في الغناء العربي، بل وطوّر أيضًا في أغاني “الطقاطيق” الشعبية.

وإن يبدو مثل هذا الإبداع الذي بلغ عند القصبجي ذروته في الفترة بين عامي 1920 و1944 بحاجة إلى “حبّ ملهم” يبرر تلحين قصائد العشق، و”المونولوجات الرومانسية”، فقد كان حبّه لأمّ كلثوم، الذي تحدّث عنه مؤرّخو الفن، أبرز أسباب إبداعه، وإن كان من طرف واحد ودون أن “يرقّ الحبيب”.

كما باءت محاولاته للزواج بالفشل، إذ كان “عقيمًا إلّا من ألحانه”، التي كان يعاملها كأنها صغار أنجبهم من محبوبته.

ولم تكن أم كلثوم الوحيدة التي نهلت من منابع القصبجي، بل حظيت أسمهان وليلى مراد وغيرهن من مطربات تلك الفترة بسرّ عوده، فكانت “يا طيور” و”إمتى هتعرف” من نصيب أسمهان، و”قلبي دليلي” من نصيب ليلى مراد، أمّا “الست” فكانت تغني عصارة أحاسيسه في “مادام تحب بتنكر ليه”.

العام 1944 شهد انكسار “قصب” كما كان يلقّبه زملاء الفن، وكان ذلك بفأس أم كلثوم، تلميذته، وحبه الخفيّ، ورديفة شهرته، حين حكمت عليه بالعودة خطوة إلى الوراء، متهمةً إياه بـ “الفشل”، بعد أن كانت ألحانه الـ 220 لها “خلاصة دمه وحياته وشبابه”.

وبينما كانت أم كلثوم تنفي للصحافة المولعة بأخبارهما رفضها الغناء من ألحانه مجددًا، كان القصبجي يؤكّد أنها تخلّت عنه، وجعلته عوّادًا صغيرًا يعزف خلفها.

استمرّ “قصب” في “دقّ” العود 43 عامًا ضمن فرقة أم كلثوم، ولم تسعفه الحياة في الوقوف على “الأطلال” إذ توفّي عام 1966، قبل أيام من العرض الأول لأغنية أم كلثوم الأشهر، حينها قالت للمرة الأولى، ودون عود القصبجي، “فتعلّم كيف تنسى وتعلّم كيف تمحو”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة