كولومبيا.. نصف قرن من الصراع وثورة تعليمية

نموذج "المدرسة الجديدة" للتعليم في كولومبيا (NRC)

camera iconنموذج "المدرسة الجديدة" للتعليم في كولومبيا (NRC)

tag icon ع ع ع

عام 1964 بدأ نزاع مسلح في جمهورية كولومبيا الواقعة في أمريكا اللاتينية، ولم ينتهِ إلا العام الماضي بعد 52 عامًا من القتل المتبادل بين المتمردين والقوات الحكومية، راح ضحيته مئات الآلاف من المدنيين، وعشرات الآلاف من المفقودين، فضلًا عمّا يقارب سبعة ملايين نازح.

وقد أثّرت هذه الأوضاع بطبيعة الحال على وضع التعليم في البلاد، حيث نشطت عمليات الخطف للحصول على فدية، كما عمد المتصارعون إلى تلغيم الطرقات لحصار بعضهم البعض، وغالبًا ما كانت تنفجر هذه الألغام بالمزارعين، أو بالأطفال أثناء ذهابهم إلى المدرسة.

وكانت الأضرار التي لحقت بأطفال الأرياف أكبر بكثير من تلك التي تعرض لها أطفال المناطق الحضرية، ويعود ذلك إلى كون المتمردين اعتمدوا في تمويلهم على تجارة الكوكايين، الذي كانوا يزرعونه بأنفسهم ويحصدونه ثم يبيعونه، وهكذا تمترس المقاتلون في المناطق الريفية الزراعية، ودافعوا بشراسة عن أماكن سيطرتهم، كونها الضامن الاقتصادي الوحيد لاستمرارهم، إلى جانب الخطف.

ومع تراجع السوية الاقتصادية للبلاد عمومًا، وإنهاك السكان في تأمين مستلزمات حياتهم، فضلًا عن خوف الأطفال من ارتياد المدارس التي قُتِلَ على طرقاتها العديد من زملائهم نتيجة الألغام، تراجعت نسبة التعليم بشكل رهيب، وبدأ الأهالي بتوجيه أطفالهم للعمل بحثًا عن لقمة العيش، لا سيما وأن المدارس الرسمية لم تعد مكانًا متاحًا لهم مع كل المتطلبات التي تلزم الطلاب بها، ولا يستطيعون تأمينها.

واستمر الوضع على ما هو عليه، حتى عام 1975، أي بعد 11 عامًا من بداية الصراع في البلاد، حين أقدمت ناشطة مهتمة بتحسين جودة التعليم على اقتراح نموذج تدريس فريد من نوعه، وتم تسميته بـ “المدرسة الجديدة”.

يعتمد هذا النموذج على وضع الأطفال في صلب العملية التعليمية، ودفع المعلم إلى أن يكون مجرد مشرف، بينما يتولى الطلاب تعليم بعضهم البعض.

بدءًا من تصميم الصفوف، وصولًا إلى الحياة اليومية للطلاب، شملت ثورة المدرسة الجديدة كل شيء في حياة الريفيين الفقراء.

ففي البداية تم إلغاء الأسلوب المعمول به من حيث جلوس الطلاب في مقاعد متوازية خلف بعضهم البعض، وبمواجهة المعلم. وتم الاستعاضة عنه بنظام المجموعات التي تجلس في مواجهة بعضها البعض بشكل دائري، وتتحرك بحرية.

وفي حين يكتفي المعلم بالمرور من أمام الطلاب والتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام، يجلس الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمس إلى 13 سنة، كل طالب مقابل طالب مواز له في المستوى، ويشرعون بالنقاش والكلام حول وظائفهم، وإذا ما واجه أحد الطلاب مشكلة في الفهم، يتعاون جميع الطلاب للشرح له.

ومنذ المستوى الثاني من هذا النموذج، يبدأ الأطفال بممارسة نشاطات مميزة، مثل الكتابة الإبداعية، أو اختبار النظريات العلمية.

أسهم نموذج “المدرسة الجديدة” بالاستفادة من الحياة اليومية للأطفال من أجل التعلم، كما أشرك الأهالي في هذه العملية، ما أدى إلى تراجع نسبة استخدام العقوبات البدنية من قبل أولياء الأمور.

وعزز النموذج دور النقاش والشعور بالمواطنة بين ثلاث وحدات رئيسية، الطلاب والمعلمين والأهل، حيث يعتمد أي قرار أو تصرف على النقاش فيما بينهم، كما ينتخب الطلاب مجموعة من زملائهم توكل إليهم مهمة الإدارة والتنظيم، ما ساعد بترسيخ مبادئ الديمقراطية في مجتمع الريف الكولومبي.

النموذج هذا أصبح منذ منتصف الثمانينيات جزءًا من سياسة البلاد الوطنية في التعليم، وفي عام 1992، توصل البنك الدولي إلى نتيجة مفادها أن الطلاب الفقراء في كولومبيا، الذين يتعلمون ضمن نموذج “المدرسة الجديدة”، يحققون نتائج أفضل من نظرائهم في المدارس التقليدية.

وفي عام 2000 كشفت درسة أعدتها منظمة اليونسكو، أن كولومبيا هي البلد الوحيد الذي يتفوق فيه التعليم الريفي على التعليم الحضري، في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وأوضحت المنظمة أن النموذج وصل إلى 20 ألف مدرسة في كولومبيا، واستفاد منه الأطفال الفقراء والمشردون في المدن، ووصل عموم المستفيدين منه في البلاد إلى 700 ألف طفل.

وفي عام 2013 حصلت مؤسسة المشروع على جائزة “وايز” للتعليم، واليوم وصل نموذجها إلى 17 دولة حول العالم، ويستفيد منه نحو خمسة ملايين طفل، فهل يستفاد منه في سوريا؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة