“زينون” اللاجئ الناجي من الغرق في إيجه.. أشهر فلاسفة العالم

رسم لزينون (إنترنت)

camera iconرسم لزينون (إنترنت)

tag icon ع ع ع

شهد ساحل “أتكا” في بحر “ايجه” تحطم سفينة تجارية في فترة زمنية تقدر بالعام 314 قبل الميلاد، وكان من بين الناجين شخص من أصول سورية يدعى “زينون” ويبلغ من العمر 22 عام، فقد تجارته أثر هذا الحادث.

العقود السبعة القادمة التي سيعيشها هذا الناجي في أثينا ستجعل منه أشهر الفلاسفة ليس في اليونان فقط، بل في العالم بأسره، وسيصف حادثته فيما بعد “لقد قمت برحلة ناجحة موفقة حين تحطمت سفينتي”.

وكان الشاب العشريني حينها ابنًا لتاجر أنجبه في جزيرة قبرص عام 334 قبل الميلاد، وفق بعض المصادر، وكانت قبرص قد بُنيت على يد التجار المهاجرين من أوغاريت وصيدا وصور.

واعتاد والد “زينون” أن يجلب معه لابنه من أسفاره كتب الفلاسفة الإغريق، ما أسهم بتنشئته على حب الحكمة، وهو ما تعنيه ترجمة كلمة فلسفة.

وخلال عشرين عام تالية من وصول “زينون” إلى أثينا سيكون وافر الحظ بدراسته للفلسفة على يد أشهر الحكماء في التاريخ، مثل أعلام المدرسة الكلبية، التي تطورت عبر الزمن حتى أصبحت تعني في القرن 19 ميلادي التشاؤم من السلطة، والارتياب بأخلاق المجتمع الفطرية.

تأسيس المدرسة الرواقية

استمر “زينون” بالدراسة على يد غيره من الفلاسفة، والعمل بالتجارة حتى بلغ سن 42 عامًا، وفي 301 قبل الميلاد، تفرّغ للفلسفة، وأسس مدرسته التي عُرفت بـ”الرواقية”.

ويعود سبب تسمية المدرسة إلى رواق كان يجتمع فيه الفلاسفة والشعراء في أثينا لاستعراض أفكارهم، ومن المحتمل أيضًا أنه يشير إلى رواق منزل “زينون” حيث كان يلتقي بطلابه.

إلا أن مصدرًا آخر يشير إلى أن معنى “الرواقية” في اللغة الإنكليزية يُشير إلى التزام الإنسان بمسؤولياته دون تذمر، بحسب “ديريك هيتر” في كتابه “تاريخ موجز للمواطنة”.

اهتمت الفلسفة الرواقية بأسلوب ممارسة الحياة أكثر من مجرد طرح الأفكار، بالرغم من تأكيدها على أهمية الحكمة، وقيمتها الحقيقية، إلا أنها كانت أكثر ميلًا للاعتقاد بأن المعرفة تأتي من خلال التجربة وليس التفكير والاستنتاج.

واعتبر الرواقيون أن أفضل طريق للوصول إلى السكينة يأتي عبر تجاهل المتعة والألم، وأن العواطف ناجمة عن أخطاء في الحكم، في محاولة لمساعدة الإنسان على الاستقرار والتوازن.

المواطنة العالمية

ولأن “زينون” حاول من خلال فلسفته أن يوازن بين رغبات الفرد الفطرية وبين مصلحة المجتمع، فقد شملت أفكاره جوانب سياسية تتعلق بإدارة الدولة، لاسيما بخصوص استجابة الناس لمؤسسات السلطة.

وأبرز ما دعا إليه “زينون” في هذا السياق هو المواطنة الكونية، إذ رأى أن البشر ما هم إلا تجليات لروح عالمية واحدة.

ونادت الفلسفة الرواقية بواجبات قاسية على الفرد أن يبذلها ضمن إطار تأديته للخدمة العامة من أجل الدولة، وليس الدولة بمعناها السياسي فقط، بل المدينة العامة التي يعيش فيها كل البشر، لذلك صنفت هذه الفلسفة الفضيلة المدينة في أعلى هرم الفضائل.

ولم تتعارض أفكار “زينون” الكونية مع شعوره بالانتماء الثقافي والجغرافي، إذ ردّ على شيوخ أثينا حين عرضوا عليه الجنسية بقوله “أنا فينيقي، وسأبقى”.

وحين ازدهرت فلسفته في العام 200 ميلادي، اعتنقها الإمبراطور الروماني الذي تعود أصوله إلى مدينة منبج السورية، مارك أوريل.

وانطلاقًا من عبارة “زينون” القائلة “كل البشر أخوة”، منح الإمبراطور جميع رعايا الدولة الرومانية بين إيطاليا والمشرق العربي حقوق المواطنة التي كان يتمتع بها مواطنو روما فقط.

زينون يغادر أثينا مكرّمًا

أشهر تلامذة “زينون” هو ملك مقدونيا “أنتيجون”، وهو شخص مختلف عن الشخصية الشهيرة في الأدب اليوناني القديم “أنتيجون” ابنة “أوديب”.

وكان “زينون” الذي انطلق بفلسفته من التشكك الشديد حتى وصل إلى الاعتدال، قد حصل على تكريم أثينا له بتاج ذهبي لأهمية أفكاره، فضلًا عن بناء قبر له في حي “الرمكس”.

يُعتقد أن “زينون” فارق الحياة بعمر التسعين حوالي العام 263 قبل الميلاد، حين وقع وهو خارج عن مدرسته وكسر أصبع من قدمه، فقال بيتًا من الشعر “لقد جئت، فلما تناديني على هذا النحو؟”. ثم خنق نفسه. بحسب رواية “ديوجينس ليرتيوس” مؤرخ الفلاسفة الإغريق، والذي وصلنا عن طريقه أكبر قدر من المعلومات عن “زينون” وأعماله، إذ أننا لا نملك اليوم شيء من أعمال الفيلسوف.

حضر جنازة “زينون” حشد غفير من سكّان أثينا وشيوخها ووجهائها، ونصبوا له عامودين تذكاريين بعد دفنه، كُتب عليهما “أثينا تقدس الأفكار، حتى لو لم يكن صانعوها من أهلها”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة