موسيقى مملكة ماري.. من أورنينا قبل الميلاد إلى أورنينا القرن العشرين

تمثال أورنينا (اكتشف سوريا)

camera iconتمثال أورنينا (اكتشف سوريا)

tag icon ع ع ع

شهد العالم تطور موسيقي لافت قبل ما يقارب ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، كان من نصيب السوريين الذين شيدوا مملكة ماري على ضفاف نهر الفرات، في المنطقة التي تدعى اليوم “تل الحريري”.

وانتظرت المعرفة البشرية المصادفة التي ستقود بدو الجزيرة السورية إلى الكشف عن واحدة من أهم حضارات الأرض عام 1933 في دير الزور، لتكشف الآثار بعدها عن أهم مرجع مكتوب يوثق النشاط الموسيقي في عصر البرونز.

وهو العصر الذي بدأ فيه الانسان بصهر عدة معادن وخلطها مع النحاس لصناعة أدوات يمكنها احتمال المهام الصعبة والطويلة كالأدوات المستخدمة في البناء مثلًا، وأقدم ظهور لهذا العصر في قارة آسيا، واستمر في مناطق مثل سوريا إلى حوالي 2000 – 1500 قبل الميلاد حتى دخلت المنطقة في عصر الحديد، وترافق عصر البرونز مع بداية التاريخ المكتوب في آسيا، بالإضافة لقيام عدة حضارات مؤثرة على مستوى العالم.

أقدم أثر للموسيقى

تحدثت الرقم والكتابات الجدارية في مملكة ماري عن طبيعة العلاقة القوية التي تربط قائد الفرقة الموسيقية بالعازفين، وتوجت المملكة التي يعود عمرها لآلاف السنين دهشة علماء القرن العشرين حين وجدوا آثار تؤكد أن ماري ضمت أقدم فرقة موسيقية جماعية في العالم، بلغ عددها 26 عازفًا.

وجود فرقة موسيقية بهذا الحجم أكد للباحثين أن العازفين يتقنون الدوزنة المشتركة، وهو ما أسهم لاحقًا بظهور النوتات الموسيقية التي تضبط عمل الفرقة.

وخلال هذه الفترة كانت ماري قد عرفت آلات موسيقية متنوعة، هوائية وإيقاعية ووترية، أشهرها كان القيثارة ذات التسع أوتار، وآلة الهارب.

حتى أن الأرشيف الملكي أتى على وصف الآلات الموسيقية ومواد صناعتها وأثر هذه المواد على جودة صوت الآلة.

يبدو أن للموسيقى شأن كبير في ماري، فالآثار لا تتوقف عن إخبارنا حول الأوضاع المعيشية للموسيقيين، وكيفية اختيار العازفين والمغنين للقصر الملكي، فضلًا عن وجود هيكل تنظيمي لكل العاملين في هذا المجال.

أورنينا بين زمنين

تمتد قيمة الموسيقى لتصل إلى الدين والمعابد في مملكة ماري، ويبدو أن الشعائر الدينية التي كانت تقتضي صناعات تماثيل وتقديمها كقرابين للآلهة، دليلنا الأكثر قوةً اليوم للتعرف على بعض المغنين في ذلك الزمن.

ففي معبد عشتار مثلًا عثر الباحثون على تمثال حجري غاية في الجمال، دلت النقوش المسمارية على ظهره أنه يجسد أقوى مغنية في مملكة ماري والمعروفة حتى يومنا هذا باسم “أورنينا”، وأن هذا التمثال موهب للمعبد تقربًا من الآلهة.

كانت أورنينا واحدة من الفتيات اللواتي يتفرغن منذ الصغر للغناء في المعبد، لكن ما تقترب الفتيات من سن البلوغ حتى يتم إخصاء بعضهن، حفاظًا على أصواتهن العذبة، وهذا ما حدث مع أورنينا، التي ما يزال تمثالها موضوعًا للعديد من الدراسات الفنية، وأحد أبرز المجالات التي تخوض فيها هذه الدراسات، هو تحديد جنس أورنينا على وجه الدقة.

وفي عام 1993 تم منح الاسم التاريخي لأقدم مغنية في العالم إلى فرقة رقص مسرحي في سوريا، قدمت العديد من الأعمال الفنية التي جذبت إليها أنظار المهتمين بالفن حول العالم.

إلا أن الدعم انقطع أو تم تخفيضه عن الفرقة منذ بداية الثورة السورية وهو ما أثار غضب عدد من الفنانين بما فيهم الموالون للنظام مثل حسام تحسين بيك.

لكن مع انحسار نشاط الفرقة داخل سوريا، توسع نشاط أعضاءها في دول اللجوء السوري، حيث أقاموا بعض الحفلات بهدف مد جسور تواصل ثقافي بين اللاجئين السوريين والمضيفين لهم حول العالم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة