“حانات وبكيني”.. سوريا “العلمانية” في عيون الصحافة الغربية

camera iconحانة في دمشق - 2016 (سبوتنيك)

tag icon ع ع ع

نور عبد النور

لم يسعفها أرشيفها في العثور على لقطة تمهيدية عن الحرب في سوريا، ولم تجد شبكة “سي إن إن” ما يمكن أن يبرز نقيضًا للواقع الذي اطلعت عليه في سوريا، فكان أن استعاضت بتسجيل أرشيفي للمكتب الإعلامي في “فيلق الشام” وآخر يحمل شعار “مكتب حلب الإعلامي”، لتستهل بهما تقريرها المصور عن “جانب آخر من الحياة في سوريا”.

شواطئ نظيفة، نساء يرتدين “البكيني”، رجال يشربون الكحوليات، وشبان يتحدّثون الإنكليزية بطلاقة، صور “مدهشة” سعى معدّ تقرير قناة “سي إن إن”، المنشور منتصف آب الماضي، إلى التعبير عنها بلغة “حماسية”، إلى جانب صور أخرى عن روّاد النوادي الليلية وحفلات الرقص في مدينة اللاذقية.

عن “سوريا العلمانية” في مناطقة سيطرة النظام مقابل “سوريا الإسلامية المتشددة” حيث توجد فصائل المعارضة تتحدّث شبكات الإعلام العالمية، في توجّه يسعى النظام السوري إلى تعزيزه عبر استقطاب موفدي هذه المؤسسات والسماح لهم بالتصوير في سوريا، بعد إرفاقهم بـ “مرشدين سياحيين” على شكل رجال أمن وعناصر من “حزب الله” اللبناني.

“بي بي سي عربية” التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية الشهيرة، استطاعت خلال الأعوام الستة الماضية، أن تحافظ على وجودها في دمشق، من خلال مراسلها (عساف عبود) الذي بدا مقربًا من قوات الأسد وجهات حكومية عدّة، لتبقى بذلك القناة والموقع المرتبط بها في موقف رمادي من سياسات النظام تجاه مناطق سيطرة المعارضة.

ولم تلبث “الرمادية” أن انصاعت “بكل سرور” لـ “حياة السهر الدمشقيّة”، ووجدت نفسها توثّق صناعة جديدة لم تدخل في السابق ضمن الخطط الإنتاجية لسوريا، ولم تكن جزءًا يعوّل عليه كثيرًا في واردات بلد تسيطر عليه عادات اجتماعية محافظة.

“صناعة السهر والترفيه” هي ما لفت نظر عمر عبد الرزاق، مراسل “بي بي سي” في دمشق، حين بحث عن جانب اجتماعي يستطيع أن يوثّقه في المدينة التي تطحنها الظروف الاقتصادية المتردّية وتراجع مستويات الخدمات، إذ استطاع أن يكتشف مدى الأرباح التي يمكن أن تدرّها هذه الصناعة على منتجيها، ومقدار الرضا الذي توفّره للزبائن.

وعلى الرغم من أنّ غالبية أحياء دمشق لم تتعرّض للدمار، عكس ما حدث في الأحياء القريبة من الغوطة الشرقية أو الأحياء الجنوبية، إلّا أنّ الواقع المعاش في مدينة دمشق ليس أفضل بكثير من واقع المدن السورية الأخرى من ناحية التضييق الأمني وتراجع مستويات المعيشة.

“وسّعت البارات الجديدة نطاق عملها، إذ تُخرج الطاولات إلى الشوارع، وعليها المشروبات الكحولية، ويغص الشارع والبارات بنساء ورجال يرقصون على إيقاعات غربية”، بحسب معدّ التقرير، الذي يتحدّث عن دمشق ذاتها الداخلة في الإحصائيات المتداولة حول نسب البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية، إذ لا يزيد متوسّط دخل الفرد في سوريا عن 100 دولار أمريكي (50 ألف ليرة سورية تقريبًا)، ما يجعل 80% من السكان يعيشون دون خطّ الفقر.

مدينتا حلب وحمص أيضًا وفّرتا للصحافة الغربيّة مجالًا مهمًا للبحث عن ملامح علمانية مشرقة في “الصورة القاتمة لسوريا”، كما هيأتا منصّة إعلانية جيدة استطاع النظام أن يعرض من خلالها “الصناعات المحدثة في سوريا”.

إذ لفتت أجواء السهر في مدينة حلب انتباه الصحافة الغربية التي سارعت إلى الإشادة “بروح الحياة في مواجهة الحرب”، على الرغم من أنّ توثيق هذا الجانب يعود إلى ما قبل سيطرة قوات الأسد على كامل أحياء المدينة، أي حين كانت ترمى أحياء بالبراميل، وترمى أخرى بورود الصحافة الغربية لفرط “حضاريتها”.

مدينة حلب التي تعدّ من أكثر المدن السورية دمارًا خلال الحرب، والتي خسرت عشرات الآلاف من سكانها، استطاعت بعد خروج فصائل المعارضة نهاية العام الماضي أن تثبت نظرية الصحافة الغربية التي بثّت الاحتفالات الراقصة في شوارع المدينة، ونقلت طرق التعبير “المنفتح” عن الفرح في المدينة.

وبينما يُحظر على مئات المؤسسات الإعلامية أن تدخل سوريا، يسعى النظام إلى استقطاب مراسلي الصحف والقنوات الغربية المشهورة، والسماح لهم بالتجوّل في سوريا لتوثيق الحياة في المناطق التي يسيطر عليها، ومنهم مراسل صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إيريكا سولومون، التي قطعت رحلتها من دمشق إلى حلب مرورًا بحمص برفقة عناصر من قوات الأسد، ثم كتبت “رواية المدن الثلاث” كما تيسر لها أن تعاين تلك المدن.

قد لا تكون الجوانب التي غطّتها مراسلة “فايننشال تايمز” ومراسلا “بي بي سي” و”سي إن إن” غريبة عن الواقع، إلّا أنها ليست واقعًا بأكمله، وقد تبلغ هذه التغطية نذير خطر كونها تركّز على خلق صورة أخرى في مخيلة المتلقين الغربيين تغطّي على صورة المجازر السابقة وحملات القصف بالأسلحة الكيماوية، ما يعني انخفاض درجة الحماس في التعاطف والرغبة في محاسبة المتورّطين.

“لا حرائق هنا.. فقط دخان النرجيلة”، أما عن حجم الدمار في سوريا والذي يصل إلى حدود “لا مثيل لها”، بحسب وصف الأمم المتحدة، فهو غير مرئي، وقد يكون مختبئًا خلف الدخان، في حين يمكن أن يستغل صحفي “بي بي سي” صوت قذائف النظام للاستمتاع “بإيقاع الحياة الطبيعية في سوريا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة