سينما الأسد.. سوريا التي لا نعرفها

camera iconلقطة من برومو فيلم "مطر حمص" على يوتيوب - 22 أيلول 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي بهلول

خلال الأعوام الثلاثة من الثورة، لم يتوقف الخوري فرانس فان در لوغيت الملقب بـ “أبو ميشال”، عن تخصيص جزء من المساعدات التي تصل إلى كنيسة السلام بحي الحميدية الحمصي، ليرسلها إلى مناطق المعارضة الثائرة على النظام السوري، والتي كانت تشهد بشكل شبه يومي مظاهرات حاشدة.

لكن ربما كان الاسم الصعب للخوري المولود لأب هولندي عائقًا أمام جود سعيد، مخرج فيلم “مطر حمص”، حتى يذكره بفيلمه، فاستبدله بآخر يحمي المدنيين من شرّ قوات المعارضة “الإرهابية”.

“مطر حمص” يحاول غسل الذاكرة

سينما الحرب التي يخوض بها جود سعيد اليوم تحتاج بعض تلك الحالات، كالإعدام الميداني وما شابه، وربما يكون جهدًا ضائعًا أن يختلق مشهد مقتل الخوري على يد “الإرهابيين” في مقبرة ما من حمص، لو أنه فقط لم يتجاهل مقتل “أبو ميشال” على يد مسيحي جنده النظام السوري لتنفيذ المهمة، وألقى بجثته أمام كنيسة أم الزنار في حي الحميدية في نيسان 2014، كما روى حماصنة لعنب بلدي، نافين ما أشاعه النظام حول مقتله قنصًا من قبل قوات المعارضة.

“رائحة حمص اليوم تعيدني إلى بيروت الطفولة”، يقول سعيد لجريدة “الأخبار” اللبنانية، المقربة من النظام السوري، ويتجاهل الاثنان مجازر الأسدين في لبنان، من تل الزعتر حتى السيارات المفخخة التي ثبت تورطه بتجهيزها عبر وكلائه في بيروت، أمثال ميشال سماحة.

يركز سعيد على ساعة حمص التي مات في سبيل الوصول إليها والاعتصام أمامها مئات الثائرين ضد النظام السوري، تتجرأ “الأخبار” التي تجاهلت دماء اللبنانيين وتشير إلى هذه الأحداث، فيقول المخرج “لنشترك في هوية الساعة على الأقل”، أما المشاركة بدماء الضحايا والأبرياء فهذا شيء آخر، مجرد وجهة نظر. أن يموت المدنيون بيد جيش النظام وميليشياته مجرد وجهة نظر بالنسبة لجود سعيد.

لم يورّط “مطر حمص” نفسه مع ذاكرة السوريين فقط، إنما دخل في مزاودات مع وسائل إعلام النظام، إذ نفت جريدة “تشرين” الحكومية في مقال لها أن يكون جيش النظام قد حُوصِرَ في حمص، مؤكدةً أن قوات الأسد هي من حاصرت المعارضة، مقوضة فرضية جود سعيد برمتها حول عذابات المدنيين على يد محاصريهم من “الإرهابيين”.

يبدو أن “تشرين” أبت من باب “عزّة النفس” أن يكون جيش نظامها مظلومًا، فالقوة أن يكون ظالمًا حتى ولو للشعب الذي يدعي حمايته، وبانتظار اكتمال ثلاثية جود سعيد عن حصار مدنيين آخرين في ريف اللاذقية وحلب، نحتار في الورطة التي وضعته بها جريدة النظام، فما الذي سيقوله هذه المرة: كان المدنيون ينتحرون شوقًا لحواجز النظام التي قطعت عنهم الماء والغذاء وحاصرتهم في مدنهم وقراهم؟

“ردّ القضاء” من داريا إلى سجن حلب المركزي

لم تقل جريدة “تشرين” كل الحقيقة، فعتبها على إساءة استخدام حمص كمكان للأحداث التي أخطأ بها المخرج كثيرًا، لم ينسحب على فيلم “رد القضاء” لمخرجه نجدت أنزور، رئيس مجلس الشعب، المكلف اليوم.

أنزور الذي تحدث عن حصار سجن حلب المركزي صوّر مشاهد فيلمه في داريا التي حاصرها النظام لسنوات بالاشتراك مع ميليشيا “حزب الله” اللبناني، حتى انتشرت صور المجاعة والبراميل التي تمطرها في كل أرجاء الأرض.

لم يكتف رئيس مجلس الشعب بتشويه الحقيقة، بل استخدم أرض الجريمة ورتّب الجثث والجناة بحيث يبدو القاتل مظلومًا رقيق القلب أمام بشاعة دماء ضحاياه.

هل نسي أنزور أيضًا أن يتحدث عن معاناة المسيحيين على يد “الإرهابيين” المسلمين حكمًا بحسب النمط الشائع عالميًا؟

غالبًا لم ينسَ، لكن مقاطع الفيديو التي وثّقت الأشهر الأولى من الثورة في مدينة داريا، تكشف بشكل قاطع مشاركة الكنائس والمسيحيين بتشييع شهداء المدينة المسلمين، واستقبالهم للجرحى ومجالس العزاء كنظيراتها في حمص التي لا يعرفها جود سعيد.

واليوم ننتظر فيلمًا جديدًا من سينما الأسد، لنرى من سيتكلم عن نهب جيش النظام لكنيسة أم الزنار في حي الحميدية بحمص، ومن سيتحدث عن مقتل باسل شحادة، أشهر رموز الثورة في المدينة العديّة أيضًا، ومن سينقل للعالم مشاهد صغيرة عن الاستنفار الأمني في دمشق ومحاصرة منزله ومنع المعزين من التوجه لبطركية الروم الكاثوليك في القصاع للصلاة على روحه رمزيًا، في حين تكفّل رفاق ثورته في حمص بدفنه مع أصدقائه الذين قتلوا بغارة جوية للنظام على باب السباع عام 2012.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة