“معركة العَلَمين” بالوكالة في دير الزور

tag icon ع ع ع

براء الطه

بيّنت مجريات المعارك في الشرق السوري والتصريحات المرافقة لها أن “التسابق” بين الروس والأمريكيين وحلفائهما كان ومايزال هو الاتفاق السائد والسمة المميزة لعلاقاتهما في سوريا، لذلك ربما مايزال من المبكر الحديث عن رسم خطوط تماس ثابتة للقوى على الأرض في الشرق السوري.

فقد تزامن إطلاق “قوات سوريا الديمقراطية” عملية “عاصفة الجزيرة”، للسيطرة على الريف الشرقي لدير الزور وما تبقى من أراضي الجزيرة السورية وشرق الفرات، مع دخول قوات النظام السوري والقوات الرديفة إلى مدينة دير الزور وفك الحصار عن الأحياء الواقعة تحت سيطرتها، وبمجرد وصولها إلى دير الزور، عبرت نهر الفرات إلى الضفة المقابلة وسيطرت على قريتي مظلوم ومراط، لتصبح على بعد كيلومترات عن حقل غاز كونيكو وحقل الجفرة اللذين يتمتعان بأهمية خاصة، سواء من جهة الثروة الباطنية الموجودة فيهما أو من جهة الموقع الاستراتيجي، لكن “قوات سوريا الديمقراطية” سبقت النظام إلى هذه الحقول.

هذا يدل على وجود سباق حقيقي هدفه فوز كل فريق بمشروعه الخاص على حساب مشروع الطرف الآخر.

حلم الحكم الذاتي الذي تسعى إليه “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة بغطاء دولي ودعم أمريكي مباشر، يقابله سعي النظام السوري لإعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية وإنهاء أي وجود أمريكي فيها، مدعومًا بالغطاء الصيني الروسي الإيراني، ليحتدم الصراع في دير الزور على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط بين محور “التحالف الدولي” ومحور “حلفاء سوريا”، وربما هذا يعيدنا بالذاكرة إلى “معركة العَلَمين” الشهيرة في الحرب العالمية الثانية، حيث تواجهت قوات دول الحلفاء بقيادة بريطانيا وقوات دول المحور بقيادة ألمانيا في محيط بلدة العَلَمين (غرب الإسكندرية) بمصر خريف 1942، وانتهت بأول نصر للحلفاء في الحرب، وشكلت نقطة تحول فيها لصالحهم. وذلك رغم اختلاف قواعد اللعبة الدولية واستخدام أدوات محلية بدل الاصطدام المباشر بين جيوش الدول العظمى.

وربما أبرز ما يدلل على هذا الواقع هو الاستعراضات التي تقوم بها الأطراف المتنازعة، فمن الصواريخ الإيرانية “شهاب 3″، التي أطلقت منتصف حزيران الماضي على دير الزور، مستهدفة قواعد لتنظيم “الدولة” قريبة من المناطق التي توجد فيها القوات الأمريكية، إلى الظهور الإعلامي الأول لأحد قيادات “حزب الله” في الميدان السوري، الحاج أبو علي مصطفى، بأمر من قيادة الحزب، كما صرح، بعد فك الحصار عن مطار دير الزور العسكري.

ثم تصريحات المستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري بثينة شعبان، بالقول “سواء كانت قوات سوريا الديمقراطية أو داعش أو أي قوة أجنبية غير شرعية موجودة في البلاد تدعم هؤلاء، فنحن سوف نناضل ونعمل ضد هؤلاء إلى أن تتحرر أرضنا كاملة من أي معتد”.

إضافة إلى بيان قائد غرفة عمليات قوات حلفاء الجيش السوري الذي أعلن عن انطلاق عملية “الفجر 3” للسيطرة على مناطق البوكمال والوصول إلى الحدود السورية العراقية، والأسماء الصريحة التي سماها البيان لأول مرة لـ “حلفاء الجيش السوري” (القوات الإيرانية وحزب الله والحيدريون والفاطميون والزينبيون والقوات الشعبية السورية والجيش الروسي)، في إشارات واضحة إلى أهمية المعركة ومصيريتها بالنسبة لهذه الأطراف، فقطع هذا الخط الاستراتيجي يسبب فصل دول “محور المقاومة” وإضعافها وتشكيل نقاط لمراقبتها ويمكن استخدامها لزعزعة هذه الدول فيما بعد، وبالمقابل فإن اتصاله سيشكل نقطة وصل وقوة للدول الأربع: إيران والعراق وسوريا ولبنان، ومن خلفها روسيا والصين .

نتائج هذه المعارك ستنعكس واقعًا محسوسًا على الأرض، ومنها إقامة إقليم كردي جديد في المنطقة، وهذا ما يقلق الجار التركي، في وقت تتهيأ المنطقة لمعرفة نتائج استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق.

بالمقابل، يعمل التحالف الدولي على توسيع مناطق سيطرة “قسد” بأسرع وقت ممكن وعلى أكبر رقعة جغرافية تمتلك موارد ذاتية تمكن “الإقليم الجديد” من الحياة، وتسعى الولايات المتحدة جاهدة للسيطرة على أكبر معاقل التنظيم في المحافظة وهي مدن الميادين والبوكمال.

وهذا ما صرح به الكولونيل ريان ديلون، المتحدث باسم الجيش الأمريكي في بغداد، بقوله “هذه المدن هي الهدف القادم للتحالف”.

بينما ذهب المجلس العسكري لدير الزور، الذي يقاتل تحت راية “سوريا الديمقراطية” إلى أبعد من ذلك حيث حذر قوات النظام من عبور النهر.

لكن بين التصريحات والتصريحات المضادة يبقى للتاريخ والجغرافيا الكلمة الفصل، فمن ينجح في السيطرة أولًا على منطقة تبقى تحت نفوذه دون أي منافس ولو في الأمد المنظور، والجانب التركي خير مثال، فبعد سيطرة تركيا على مدينة الباب لم نشهد أي حالة تنازع مع القوات الروسية، مع اعتراف الروس بالأتراك كطرف مقرر للحل السياسي في أستانة. فإذا كانت روسيا تظهر هذه الضوابط في التعامل مع الأتراك فكيف سيكون التعامل والضوابط مع الأمريكي؟

حتى الآن، تمت تسوية المواجهات بين الجانبين (إحداها في محافظة الرقة، والأخرى في التنف من خلال اتفاقات عدم الاشتباك التي ترسم خطوطًا تحدد فيها مواقع الجيوش المتنافسة)، ولذلك فإن أسوأ سيناريو قابل للحدوث هو حرب بالوكالة بين الطرفين، وتبقى قابلية تطوره على مدى عناد الأطراف لتحقيق مشاريعها.

أخيرًا إننا أمام أحد التأثيرات الجانبية لتدويل أي صراع، فدخول طرف دولي بشكل مباشر في الصراع يقحم الأطراف الأخرى المعادية، لتبقى هي سيرة كل صراعات القرون الماضية، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن كل هذا لا يمنع أن نشهد تحولات درامية في مسار الأحداث، وحيث توجد حالات كثيرة تم فيها سحب القوات الأمريكية من مناطق مهمة، كان آخرها لبنان في أواخر القرن الماضي، والوضع السوري لن يكون أقل خطورة من الوضع اللبناني المجاور.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة