الكرد في 95 عاماً

tag icon ع ع ع

إياد الجعفري – المدن

ما بين عشية استفتاء محتمل للاستقلال في إقليم “كردستان العراق”، الاثنين، وما بين تطورات تاريخية كبرى طالت القضية الكردية بين عامي 1918 و1923، نقاط تشابه لا يمكن أن تخطئها عين المدقق بالتاريخ. وكذلك، نقاط اختلاف لا يمكن إنكارها في الميدان الراهن، اليوم.

أما نقاط التشابه، فهي كثيرة. أبرزها، ذاك الإجماع الإقليمي المؤثر، الرافض لاستقلال الأكراد في المنطقة. فكما اتفق الإيرانيون والأتراك في مطلع عشرينات القرن الماضي، على رفض مساعي بريطانيا لتأسيس كيان مستقلٍ للأكراد. يتفق الطرفان اليوم على رفض ذلك، أيضاً. ويتعاونان في ذلك الاتجاه.

وكما أن معاهدة سيفر عام 1920، التي منحت الأكراد حق الحكم الذاتي، والتوطئة للاستقلال الكامل، دفعت الأتراك حينها إلى الارتماء في أحضان الروس “السوفيت”.. يدفع الدعم الأمريكي للأكراد، تركيا، إلى الذهاب بعيداً أكثر في تحالفها مع الروس.

وكما أن بريطانيا، التي رعت المساعي النظرية لتأسيس الكيان الكردي مطلع عشرينات القرن الماضي، لم تبذل جهداً كافياً لدعم هذا الكيان، على الأرض، واستخدمت القضية الكردية، أداةً لابتزاز الأتراك، ومن ثم تخلت عنهم بهدف جذب الأتراك من قبضة التحالف مع الروس.. يُبدي الأمريكيون اليوم، في لحظة الحقيقة المتعلقة بمستقبل القضية الكردية، تخاذلاً ملحوظاً حيال دعم الخيار النهائي للكيان الكردي في شمال العراق، الذي حظي بدعم الأمريكيين طيلة عقد ونصف العقد..

يبدو الأمريكيون اليوم، كأسلافهم البريطانيين في المنطقة قبل 95 عاماً، غير مستعدين لخسارة تركيا، كحليف إقليمي، لصالح روسيا، كما أنهم غير مستعدين لمواجهة رد الفعل الإيراني، الذي قد يتبدى بالمزيد من النفوذ داخل العراق، على حساب الرصيد الأمريكي هناك..

وكما كان الأكراد، مطلع عشرينات القرن الماضي، منقسمين بين حلفاء لبريطانيا، متحمسين لها، وبين متهيبين منها، وميالين للتفاهم مع الأتراك.. كذلك هم أكراد المنطقة.. بينهم من هو متحمسٌ لاغتنام ما يعتبرها الفرصة التاريخية، لتحقيق حلم الاستقلال.. وبينهم من يخشى تبعات ذلك، خاصة منهم، أكراد جنوب تركيا، الذين صوت الكثير منهم لصالح حزب العدالة والتنمية، أكثر من مرة، في الانتخابات المتتالية منذ مطلع القرن الحالي..

وكما كان الأكراد قبل 95 عاماً، منقسمين، كقوى وتيارات، هم اليوم كذلك، منقسمين، في عموم المنطقة التي يتركزون فيها، في ثلاثة تيارات رئيسية، قومي تقليدي تمثله قيادة إقليم كردستان العراق، ويساري، يمثله حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري، وتيار ثالث محافظ يصوت لحزب العدالة بتركيا..

بعد 95 عاماً، لا يختلف الكثير في مشهد القضية الكردية على صعيد المواقف.. فمواقف القوى الإقليمية هي ذاتها.. وربما، مواقف القوى الدولية أيضاً هي ذاتها، فتلك الأخيرة، تتعامل مع القضية الكردية بوصفها أداة لغايات أخرى.. ولا تُبدي جديّة في دعم خيارات الحلفاء الأكراد حتى النهاية.

لكن، هناك نقاط اختلاف دون شك، بين اليوم، وبين الوضع التاريخي قبل 95 عاماً.. فهناك اليوم كيانان كرديان قائمان على أرض الواقع، ويحظيان بوجود ميداني ومؤسساتي، جعلهما أمراً واقعاً، لا يمكن إغفاله.. لكن، هل يعني ذلك أن حلم الاستقلال بات قريباً؟ الجواب جاء من واشنطن التي وصف مسؤولوها الاستفتاء المزمع في كردستان العراق بأنه “مخاطرة، وتوقيته غير صحيح”..

إذاً، حلم الاستقلال ما يزال بعيداً.. وفي أحسن الأحوال، سيحصل قادة كردستان العراق على تنازلات من بغداد في قضايا متعلقة بالميزانية وتصدير النفط، سواء لتأجيل الاستفتاء، أو بعد تنفيذه، حيث سيُستخدم كورقة تفاوضية من جانب أربيل، لكنه لن يأخذ طريقه للتنفيذ في الأفق المنظور.

أمريكا اليوم، ليست أقوى من بريطانيا مطلع عشرينات القرن الماضي. وتركيا اليوم، وكذلك إيران، ليستا أضعف مما كانتا عليه قبل 95 عاماً، بل هما في وضع أقوى. لذا، فحكم التاريخ لم يتغير. لأن حقائق التوازنات الإقليمية والدولية، لم تتغير. فنحن فعلياً نعيش في حقبة توازن قوى، تشابه تلك التي عاشها العالم بين الحربين العالميتين.

لكن، هل يعني ما سبق أن الكرد سيتلقون صفعة قاسية، كتلك التي تلقوها من حلفائهم الغربيين، قبل 95 عاماً؟ الجواب يتعلق بمدى ما يستطيع تحقيقه الكرد. ففي الميدان، باتوا أمراً واقعاً لا يمكن تجاهله في أي تركيبة مستقبلية مرتقبة لسوريا، وكذلك للعراق. لكن طموح الاستقلال الناجز، لا يبدو أنه متاحٌ بعد.

في الحالة السورية، سيكونون جزءاً فاعلاً في تركيبة الدولة المرتقبة، لكنهم لن يستطيعوا الاستقلال عنها. ويبدو أن تصريحات مسؤوليهم تدرك هذا السقف، لذا يتحدثون عن الفيدرالية ضمن سوريا موحدة. وهو بالفعل، سقف ما يمكن أن يحصلوا عليه. فها هم أقرانهم في شمال العراق، بعد أكثر من 14 عاماً من الفيدرالية، لم يستطيعوا تجاوز هذا السقف. ولم يحظوا، حتى اللحظة، بضوء أخضر دولي، يسمح لهم بخرق هذا السقف. لأن ذلك الخرق يعني تداعيات إقليمية، لا تملك أي قوة دولية الإمكانيات الكافية لضبطها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة