التعليم والصحة نموذجًا

المؤسسات الخاصة في سوريا.. أن تدفع أكثر

camera iconمشفى المواساة الحكومي في دمشق(vedeng)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حنين النقري

تراجعت ثقة المواطن السوري بالمؤسسات الحكومية بعد الثورة، تزامنًا مع تدهور مستوى الخدمات، وخروج عدد كبير من الكوادر العاملة فيها، وانعدام الرقابة على الفساد المتزايد، الأمر الذي كان لصالح القطاع الخاص وزاد الإقبال عليه في مختلف المجالات، وليست المدارس والمشافي باستثناء من ذلك، لكن إقبال السوريين على القطاع الخاص هو في مجمله اضطرار لا اختيار، ودليل على سوء حال القطاع الحكومي، لا على جودة القطاع الخاص، في وقت صار فيه تحصيل الخدمة الجيدة في سوريا حكرًا على أصحاب الثروات.

“في بداية العام الدراسي الماضي قررنا نقل عبيدة لواحدة من أفضل المدارس الخاصة في حماة، بعد ملاحظتي تراجع مستواه التعليمي كل سنة مقارنة بما سبقها، الأقساط غالية، ولسنا أغنياء، لكنني طلبت مساعدة من أخي في الخليج، اتفقنا أنا ووالده أننا سنقلص مصروف كل شيء إلا العلم”، تقول والدة عبيدة، عن تجربة ابنها في تلقي التعليم الخاص.

نصف المنهاج

 تحديد الأسعار في المؤسسات التعليمية الخاصة يتم وفق أحكام المادة 37 من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 والتي تنص على وجوب إعلام المؤسسة أولياء الأمور بتفاصيل الأجور قبل التسجيل، مع تحديد النسبة المئوية للزيادة السنوية المسموحة لكل فئة تبعًا للمحافظة التي تتبع لها المؤسسة وقيمة القسط السنوي.
فمثلًا في محافظة حمص وافقت مديرية التربية في حال كان القسط أقل من عشرة آلاف ليرة، على الزيادة بنسبة 100% وإذا تراوح بين عشرة آلاف ليرة إلى 30 ألفًا يسمح بالزيادة بنسبة 75%، وإذا كان القسط بين 30 إلى 60 ألفًا يسمح بنسبة 50% وإذا تراوح بين 60 إلى مئة ألف فيسمح بنسبة 25% وإذا تجاوز 100 ألف فالزيادة مسموحة بنسبة 15%.

تقول أم عبيدة إن خيار المدارس الخاصة لم يكن مطروحًا قبل الثورة، تتابع “لم نضطر لهذا الخيار مع إخوته سابقًا، فالالتزام في المدارس الحكومية كان أفضل، ومستوى إخوته الدراسي كان جيدًا، ولم يحتاجوا يومًا أي دورات أو دروس خصوصية، لكن حالة عبيدة مختلفة، فالمنهاج لا يعطى منه نصفه، والأساتذة غير مختصين بمعظمهم، ومن النادر أن تجد أستاذ مادة مختصًا فيها”.

تضيف أم عبيدة أن دخول اللغة الفرنسية كلغة أجنبية ثانية في منهاج صف السابع كان محفزًا لنقل ابنها لمدرسة خاصة، تشرح “لا أحد في منزلنا يتقن اللغة الفرنسية وهو ما يتطلب تعيين أستاذ خصوصي للمادة، بعد حساب تكلفة الأساتذة الخصوصي للغات طيلة عام، وجدنا أن المدرسة الخاصة حل جيد مقارنة بذلك، وكان حظه جيدًا لقبوله في المدرسة التي لا تقبل كل الطلبة”.

تعامل مادي

لم تكن تجربة ارتياد المدرسة الخاصة كما توقعت عائلة عبيدة، فمستواه التعليمي لم يتحسن بالدرجة المنشودة، لكن العائلة قررت المتابعة عامًا دراسيًا تاليًا، تقول والدته “رغم غلاء الأقساط، وعدم كون النتائج مبهرة، والإحساس بأن تعامل المدرسة معنا ماديّ بالدرجة الأولى، إلا أنني ووالده قررنا أن نتابع تسجيله في المدرسة الخاصة ليتأسس بشكل جيد للصف التاسع، ومن بعده المرحلة الثانوية”.

مع بدء العام الدراسي الثاني لعبيدة في مدرسته الخاصة، بدأت المشكلات تظهر أمام أهله، تقول والدته “عندما ذهب زوجي لإعطاء المدرسة ثاني أقساط التسجيل، فوجئ بأن التسجيل أغلى بـ 50 ألفًا عن العام الماضي، علمًا أن أحدًا لم يبلغه بذلك عند توقيع أوراق التسجيل ودفع العربون”.

كتب مدرسية بـ 20 ألفًا!

إضافة لقسط المدرسة المقارب لـ 200 ألف، تأتي التكاليف الأخرى، كتكلفة المواصلات، الكتب، الرحلات، واللباس المدرسي، تقول أم عبيدة “في العام الفائت لم يكن اللباس الموحد مفروضًا، لكن المدرسة قررت هذه السنة إجبار الطلاب على الالتزام بلباس خاص بها وغير متوفر في السوق، تكلفته قرابة 40 ألفًا، عدا عن رفعها الأقساط، وسعر الكتب 20 ألفًا، رغم أنها نفس الكتب التي تباع في مستودعات الدولة بخمسة آلاف”.

استاءت عائلة عبيدة من المعاملة المادية لمنشأة من المفترض أن تكون القيمة الأولى فيها العلم لا المادّة، تقول والدته “التعليم الحكومي سيئ، والتعليم الخاص ماديّ، وأحيانًا بجودة لا تتناسب مع التكاليف التي ندفعها، وما بين هذا وذاك، تضيع أجيال، لسنا متأكدين إن كنا سنتابع تسجيل عبيدة في المدرسة الخاصة العام القادم بسبب غلائها وعدم جودة التعليم فيها”.

احتكار

إضافة لعمله في أحد مراكز الحاسب، سعى رامي (اسم وهمي لمهندس من حمص) للعمل كمدرّس للرياضيات في إحدى المدارس الخاصة في مدينته، لكنه فوجئ بالشروط المجحفة للعمل فيها، يوضح “من شروط صاحب المدرسة ألا يعمل الأستاذ في أي مؤسسة تعليمية أخرى، وألا يعطي أي درس خصوصي أو أي دورة تعليمية في أي مكان آخر سوى مدرسته، وهو أمر إن تغاضينا عنه فلا يمكن التغاضي عن شرط ألا يعمل المدرّس أي عمل آخر حتى وإن كان غير تعليمي، إذ لا يمكن أن تكتفي براتب وظيفة واحدة لتأمين متطلبات المعيشة في هذه الأيام”.

ويشير رامي إلى أن توجه الناس المتزايد إلى المدارس الخاصة ليس مؤشرًا على مستواها التعليمي الجيد أو ثراء عائلة الطالب، يشرح “في غالب الأحيان يكون التسجيل في المدارس الخاصة هربًا من الحضيض الذي وصلت له المدارس الحكومية على كافة الصعد، التعليمية والتربوية، كما أن الكثير من الأمهات يصررن على تسجيل أبنائهنّ بالمدارس الخاصة بغرض المباهاة والغيرة من ابن فلان وابن علان لأنهم ليسوا أفضل من أبنائها في شيء”.

مشفى خاص

لم يكن خيار المشفى العام مطروحًا لدى سمير في الأساس عندما علم بالخبر الذي طال انتظاره، بحمل زوجته أواخر العام الفائت، يقول “في الأساس لم نطرح فكرة المشفى الحكومي، فسمعتها سيئة، الصحة والمرض لا مقامرة فيهما، وهكذا بحثنا عن أفضل مشفى في حمص والتزمنا بمراجعة طبيب مشهور فيها، والذي أخبرنا في الشهر التاسع أنه لا بد من إجراء ولادة قيصرية لتعذر الولادة الطبيعية”.

خضاب منخفض

أجرت منى التحاليل السابقة للولادة، وكانت نسب التحاليل جميعها ضمن الحدود الطبيعية، يتابع سمير “بعد تسعة أشهر من الترقب أنجبت منى طفلنا الأول، وعدنا للمنزل ثلاثة بعد أن خرجنا منه اثنين، لكن صحة منى أخذت بالتدهور، لونها استمر بالشحوب والاصفرار وهو أمر انتبهت له أختها الصيدلانية، فأشارت علينا بوجوب إجراء تحاليل للدم لكشف سبب اصفرارها”.

عاد سمير بزوجته إلى المشفى للتحليل، وكانت النتائج مفاجئة، يقول “خضاب الدم لدى منى كان منخفضًا بدرجة خطيرة، فبعد أن كان خضابها 12.5 قبل الولادة، صار 4.5 بعدها، وهو أمر استدعى احتياج منى الإسعافي لمحاليل مغذية وحديد”.

أين الطبيب؟

عندما راجع سمير الطبيب الذي أشرف على منى طيلة الحمل والولادة، رفض استقباله، يقول سمير “رغم أنني في مشفى خاص، وأن المعاملة يفترض أن تكون أفضل، إلا أن الطبيب تنصّل من مسؤوليته تمامًا ورفض مقابلتي عند سؤالي عن سبب تدهور صحة زوجتي بهذا الشكل، راجعته ثلاث مرات وفي كل مرة كانت السكرتيرة تخبرني أنه غير موجود، حتى (السيروم) رفضت الممرضة تعليقه قبل أن أذهب للمحاسب وأدفع مقدّمًا، رغم كون زوجتي (زبونة) عندهم طيلة حملها”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة