من سيعيد إعمار سوريا؟

tag icon ع ع ع

حذام زهور عدي

تكاد مهرجانات الانتصار الأسدي تعم سوريا المفيدة ولبنان الإيراني وما يسيطرعليه من عشرات القنوات الإعلامية الصانعة لهذه المهرجانات، لكن السوريين، كما يبدو، لم يقتنعوا بعد بتلك الانتصارات، ما جعل الشبيحة تندفع لتوقف سياراتها في الساحات الرئيسية للمدن السورية تحمل مكبرات الصوت وتجلجل بأغاني الأفراح والليالي الملاح وتوزع الهدايا والمكافآت المالية لمن يعرف الأخبار التفصيلية لآخر انتصار.

وبما أن كل شيء في سوريا بخير، فلم يبق سوى إشغال الإعلام العالمي بإعادة إعمار سوريا وفتح شهية شركات المقاولة الضخمة ومن يمثلها بالأنظمة الإقليمية والدولية للتنافس حول التقرب من النظام المنتصر ليحصلوا على جزء من مشاريع إعادة الإعمار، وخاصة بعد نشر الأرقام الخيالية لميزانيات تلك المشاريع، والتلويح بالعروض المغرية التي بدأت أنظمة المال العالمية تشم رائحتها.

لكن، كما يبدو، كانت الاستجابة لتلك “الهوبرات الأسدية” أبطأ مما أمل به أصحابها، فبعد دراسة المؤسسات المالية العالمية للوضع السوري، وجدت معظمها أن ظروف إعادة البناء ماتزال غير واضحة المعالم، وأن وقوعها في شرك الدعاية الأسدية لا يحقق مصالحها، فالحروب ماتزال قائمة على قدم وساق، والفساد ازداد انتشاره، وفقدان الأمن سيد الموقف، ثم الأهم من سيمول إعادة الإعمار من الشركاء الذين تقاسموا سوريا؟

الروس في أزمة اقتصادية خانقة تبحث شركاتهم عمن يمولها لتنقذ نفسها من الإفلاس، والصينيون العمالقة الجدد أحجموا بعد الإقدام لأنهم وجدوا أن لا مصلحة لهم في الدخول بهذا المستنقع، والأمريكيون ينتظرون تمويل أهل الخليج ليدرسوا حصصهم منه، والخليجيون على أبواب الإفلاس بعد أن استنزفتهم ملالي إيران بحروبها الجنونية، وملالي إيران لا يحاصرهم الفساد والاضطرابات الداخلية فقط وإنما تخنق الأزمات الاقتصادية أنفاسهم وهم ينتظرون الممولين العالميين لإعادة إعمار سوريا ليكون لهم نصيب يحلون به مشاكلهم التي وعدوا شعبهم بحلها بعد “الانتصار الإلهي” الذي حققوه على من سبى زينب وهدم المقامات الشيعية، التي كلفهم المهدي الغائب بحمايتها وتدمير العباد والبلاد من أجل تنفيذ تلك المهمة.

أما الأوربيون، فعلى الرغم من معاناة معظم دولهم ومجتمعاتهم من الضيق الاقتصادي لكنهم غير مستعدين للدخول في مشاريع، نهَبَ من تقاسم سوريا مسبقًا تمويلها، وعاثت الفوضى فيها وعدم الأمان، وأصبحت في مهب الرياح.

إذن من سيعيد إعمار سوريا، أو بالأحرى من سيضمن تمويل مشاريع إعادة الإعمار المقترحة؟

العقل ومنطق العدالة يفترض أن من دمّر سوريا ونهب خيراتها عليه وحده عبء إعادة بنائها وتعويض السوريين عما أصابهم من خسائر، وعليه أن يدفع التعويضات التي يوجبها القانون الدولي في مثل هذه الأحوال، وعلى من استجلب الاحتلالات لتدمير البلد من أجل أن يبقى على كرسي الرئاسة أن يعيد ما نهبه وملأ بنوك تبييض الأموال منها، مشاركًا كبريات المافيات العالمية وواجهاتها “القانونية”. ومن يدري فلربما أمعن في التدمير طامعًا في صفقات إعادة الإعمار القادمة، ظانًا أن برنامجًا كبرنامج مارشال الذي أعاد إعمار ألمانيا سيمول ما دمرته يداه.

ولن ينفع إلقاء التهم جزافًا على أهل الخليج وابتزازهم، ليس فقط لأنهم لم يعودوا يملكون ما يروي أطماع آل الأسد وعملائهم، ولكن لأن العالم يعرف جيدًا من كان سببًا في التدمير، فالطائرات ماتزال تحوم مستمرة في تدمير بقية البقية، تقذف بالبشر الذين يُعاد الإعمار بهم ومن أجلهم، في غياهب المجهول، والميليشيات البربرية ماتزال تُعفش المنازل التي هُجّر أصحابها، والإرهاب الذي صنعوه وجعلوه حجة التدمير مايزال يؤدي المهمة بنجاح منقطع النظير.

والحقيقة إن كانت بقية من عدل ماتزال في ضمير العالم الحر، فعليه أن يُلزم المحتلين بتمويل إعادة إعمار سوريا وتوظيف أموال الشعب السوري من أجلها، تلك الأموال تبلغ مئات المليارات نهبها النظام الأسدي من جيوب الأسر السورية وأفواه أطفالها، تلك الأموال كافية لجعل سوريا جنة الله في أرضه بعد إزالة نظام الظلم والفساد والقمع الهمجي، والمجتمع العالمي ومؤسساته المالية تعرف أين يخفي النظام كل فلس ولن تعجزعن إيجاد طرق تحصيله إن كانت جادة في تحقيق العدالة.

وعلى هيئة المفاوضات أن تضع شرط التعويضات العادلة في أي تسوية سياسية يمكن أن تتحقق مستقبلًا، وبمصادرة أموال أهل السلطة الذين نهبوا سوريا، فهذا الشرط لا بد منه لضمان حقوق الشعب السوري. وبالرغم من أن الوصول إلى حل شامل ونهائي مايزال بعيدًا، لكن مثل هذا الشرط قد يُعزز موقف المفاوضين ويدفع المؤسسات المالية العالمية لتنشيط المفاوضات، وربما للتوصل العاجل إلى حل عادل يُحقق أهداف الثورة السورية، هذا من جهة.

أما الجهة الأخرى فهي العمل على تحقيق العدالة للسوريين، بإعادة المهجرين والإفراج عن المعتقلين وحل المشكلات الإنسانية التي سببها النظام وداعموه، فالبشر، اليد العاملة، هي الجانب الأهم في إعادة الإعمار، والعمران ليس حجرًا وعمارات وأبراجًا بقدر ما هو عمارة للنفس الإنسانية التي لن تعاد إلى طبيعتها ما لم تتوفر لها إلى جانب الشروط المادية الشروط الإنسانية. والشعب السوري يملك من الكوادر الهندسية ومن خبرة عمال البناء ومن القدرة بإدارة الشركات الاختصاصية الكبرى ما يجعله من أقدر الشعوب على النهوض وإعادة إعمار وطنه بشرًا وحجرًا واقتصادًا واجتماعًا وتنمية وحضارة.

لن يعاد بناء سوريا إلا بأيدي السوريين الذين ساهموا ببناء الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ، إنهم أحرص على سوريتهم من أي دخيل طامع، وهم جديرون بوطنهم ووطنهم جدير بهم.

فهل سيدخل ذلك كله في أي مفاوضات مقبلة، وهل سينصف أصحاب القرار السوريين بعد المآسي والكوارث التي سببوها لهم؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة