من يشتري في ساحة معركة؟

محلات درعا المحطة برسم البيع

camera iconسوق درعا المحطة جنوبي سوريا - أيلول 2017 (نبأ)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

شهد سوق درعا المحطة في الأسابيع الماضية نشاطًا ملحوظًا على الورق، فزادت عمليات البيع والشراء في مكاتب دائرة السجل العقاري، في تطور يعتبر الأكبر منذ سنوات، على يد شخصيات ظهروا بشكل مفاجئ دون أن يكون لهم أي نشاط في الشراء سابقًا.

ويفصل السوق الرئيسي في درعا المحطة، وهو الجزء التجاري للمدينة، بين حيي السحاري وشمال الخط الخاضعين لسيطرة قوات الأسد، وبين حيي طريق السد ومخيم درعا الخاضعين لسيطرة فصائل المعارضة.

واستطاعت الفصائل في عام 2013 السيطرة على أجزاء واسعة من السوق، قبل أن تستعيد قوات الأسد الجزء الأكبر منه، ليتحول إلى ساحة حرب واشتباكات ودمار واسع طوال السنوات الماضية، وُثقت خلالها عمليات سرقة واسعة ارتكبها الطرفان، جعلت من عودة الحياة إليه بعيدة المنال، وسط منع قوات الأسد للمدنيين من الدخول إليه منذ أكثر من أربع سنوات.

ماذا وراء عمليات الشراء؟

“في البداية ظننت أن الحديث عن بيع محلي هو أشبه بالنكتة”، يصف “أبو عبد الرحمن” صاحب أحد المحلات التجارية في السوق، قصة بيعه لمحله، قائلًا “تلقيت اتصالًا من صديق يخبرني أن هناك من يرغب بشراء محلي التجاري، فشعرت للحظات بالصدمة فمن سيشتري محلًا قد يكون مدمرًا والوصول إليه مستحيل”.

ويضيف لعنب بلدي “عندما بدأت البحث عن القصة تفاجأت بأكثر من شخص باع محله فعلًا، أو يعمل على ذلك”، معتبرًا أن “جميع الظروف المحيطة تدفع باتجاه بيع المحل كونه صفقة رابحة وفرصة يجب استغلالها”.

“لا أعرف شيئًا عن محلي منذ سنوات، والسوق مدمر بالكامل، ولا يوجد أي بصيص أمل لانتهاء المعارك وعودة الحياة الطبيعية، وحتى في حال العودة قد نحتاج لمبلغ كبير لإعادة الترميم وبدء العمل من جديد”، ويشير “أبو عبد الرحمن” إلى شكوك راودته حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء المشترين، والأعداد الكبيرة من المحلات التي يسعون لشرائها في المنطقة.

يعتقد التاجر أن الأمر ليس له علاقة بالتغيير الديموغرافي، خاصةً أن المشتري هو من أهالي درعا نفسها، “الأمر أقرب لرغبتهم باستغلال الهدنة الحالية، وشراء أملاك بأسعار رخيصة، وبيعها مستقبلًا بسعر مرتفع”.

ورغم ذلك، سارت إجراءات البيع لاحقًا بشكل سريع بعد اتفاق الطرفين على السعر الذي لم يخضع لأي مقاييس.

ويوضح التاجر أن “الظروف جميعها غريبة (…) أبيع محلًا قد يكون بوضع جيد وقد يكون متضررًا وقد يكون هو والبناء كاملًا قد تحول إلى ركام”.

لم تتجاوز قيمة العقد بين الجانبين سبعة ملايين ليرة سورية (أي ما يعادل 14 ألف دولار أمريكي)، في الوقت الذي لم يكن ضعف هذا المبلغ قادرًا على شراء أي محل في نفس المنطقة، قبل انطلاق الثورة السورية في عام 2011، بحسب “أبو عبد الرحمن”.

وجهة نظر القانون

للوقوف على الموقف القانوني من عمليات البيع والشراء، تحدثت عنب بلدي مع المحامي فيصل المحاميد، وأوضح أن “العملية من وجهة نظر القانون سليمة بالكامل”، مؤكدًا أنه لا توجد أي قوانين تمنع عمليات البيع والشراء، سواء في المناطق الخاضعة للنظام أو المعارضة، بوجود كلا الطرفين وموافقتهما.

وحول جهل البائع والمشتري بحال المحل التجاري، أوضح المحاميد أن “الموجود لدى السجل العقاري هو آخر توصيف للمحل، والبيع يتم على هذا الأساس”.

وأشار إلى أن “إلغاء عملية مثل هذه مستقبلًا صعب للغاية دون وجود أسباب حقيقية، وفي حال سيطرة المعارضة على المنطقة، وإثبات أن المالك الجديد متهم بجرائم حرب، أو عمليات فساد لصالح النظام وتشريع قوانين تجيز مصادرة أملاك مرتكبي هذه الجرائم، حينها فقط يمكن مصادرة هذه العقارات، ولا تعود لمالكها السابق أبدًا”.

وفي ظل التطورات الحالية للثورة السورية، سواء على الجانب العسكري أو السياسي، “لا يبدو أن هذا طرح وارد في المستقبل القريب”، بحسب المحاميد.

وبذلت المعارضة طوال السنوات الماضية جهدًا إعلاميًا للتحذير من سياسة “التغيير الديموغرافي” التي ينتهجها النظام في أكثر من مدينة، لا سيما في محيط العاصمة، وكثيرًا ما أثارت الحرائق المندلعة فجأة في محيط دمشق القديمة شكوك الناشطين وتحذيراتهم من ضغوط يتعرض لها الأهالي لبيع منازلهم ومحالهم التجارية.

إلا أن المشهد في مدينة درعا يبدو ضبابيًا أكثر، ليبقى السؤال كيف تحولت منطقة حيوية لساحة معارك وخراب، ثم داومت على الاشتباكات والقصف المتبادل لعدة سنوات، وصولًا إلى سوق للبيع والشراء؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة