أسلوب نمطي وغياب للتطور والإبداع

عندما يقتبس مخرج “هوليودي” من إعلانات التلفزيون السوري

إعلان لعلكة منطاد على التلفزيون السوري (يوتيوب)

camera iconإعلان لعلكة منطاد على التلفزيون السوري (يوتيوب)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نور عبد النور

أثبت السوريون خلال تاريخ عملهم الإعلامي فشلًا ذريعًا في فنون التسويق، إلى الحد الذي أصبحت معه إعلانات التلفزيون السوري مضرب مثل في السذاجة والانتقاص من أذواق الآخرين ووسيلة تنفر المتلقي من أي منتَج، وإن كان جيدًا.

الغريب في الأمر أن السوريين الذين واظبوا على انتقاد إعلانات التلفزيون السوري منذ تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، لم يكن نقدهم بناءً، بمعنى أنهم لم يبذلوا جهدًا في تطوير هذا الفن رغم إدراكهم أهميته على مستويات عدة، تنشيط الاقتصاد على سبيل المثال، وفي وضع أفضل، التعبير عن حالة من التطور يمكن ترجمتها بصريًا.

في مرحلة زمنية أخرى، وعلى مشارف انتهاء عهد التلفزيون، قررت فئة من المعارضين السوريين أن تأخذ ”فنون التسويق الإعلامي التقليدية“ إلى وسائل الاتصال الحديثة، بهدف توظيفها في الترويج، لكن للذات هذه المرة، ومن باب حب الظهور والحظوة بشهرة لم تكن متاحة في السابق، فما كان إلا أن تمت مواجهتها من المتلقين بنفس الآليات السابقة، وربما كان رد الفعل أعنف، وربما كان مجحفًا أيضًا، لكنه في النهاية عكس رفضًا لتكرار سيناريوهات التلفزيون السوري.

مرت أحداث محاولة قتل المخرج السوري محمد بيازيد في تركيا خلال الأسبوع الماضي بتساؤلات كثيرة، وأحدثت جدلًا واسعًا بين السوريين، واستدعت فصل مستخدمي ”فيس بوك“ إلى حزبين، أحدهما يشكك بصحة رواية بيازيد وزوجته للحادثة، وآخر يواصل تغذية الحادثة وتوقع أسباب بوليسية لها تدعم موقف الحزب الأول.

ولعل أكثر ما زاد احتقان الناس ضد المخرج، بدلًا من التعاطف على اعتباره ابن جلدتهم، هو كلمة ”اغتيال“ كحكم أسقطه بيازيد على واقعة الاعتداء عليه، والمسارعة إلى ربطه بالفيلم الذي مايزال يبحث له عن منتج، ما أدرج القضية تلقائيًا في خانة ”التسويق الإعلامي“.

تسلسل الأحداث الذي أعقب محاولة قتل بيازيد لم يأت كسبب للتشكيك في الحادثة، بل كان تأكيدًا للشكوك التي بدأ يعبر عنها المتفاعلون مع القضيّة في وقت مبكر، أي حين كان بيازيد مايزال في غرفة المشفى. ذلك، وإن دل على شيء، فإنه يدل على الإرث النقدي الذي يحمله السوريون تجاه تاريخ بيازيد وزوجته في ”الترويج المكثف“ لأعمالهما وشخصيتيهما من ناحية، وإحساس المتلقين بمحاولة تسويق لظاهرة ”الاغتيال“ الذي تم التمهيد لها في التفاعل مع قضية قتل عروبة وحلا بركات في اسطنبول قبل أقل من شهر.

في كلتا القضيتين تم توجيه الاتهامات إلى النظام السوري على أنه ”بدأ مسلسل اغتيالات وتصفية معارضيه“، مع العلم أن أعلام المعارضة السياسية وقادة الفصائل العسكريين يسرحون ويمرحون في شوارع تركيا، إلى جانب عدد كبير من الكتاب والفنانين والصحفيين المعارضين للنظام دون أن يتعرض أحدهم للاغتيال أو لمحاولة على الأقل.

والاغتيال هو مصطلح ”يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية مهمة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي“، بحسب التعريف الأكثر انتشارًا، وبناء على ذلك تصبح فكرة الاغتيال مرتبطة تلقائيًا بالأهمية والتأثير والقيادة، ما يعني أنها فرصة تسويقية جيدة، لكن لمن لا يملك تاريخًا جديرًا بالأوصاف الثلاثة السابقة تصبح فرصة تسويقية غير موفقة، تقلل من شأن صاحبها حتى وإن كان جيدًا، تمامًا كإعلانات التلفزيون السوري التي تخلق نفورًا للمشاهدين من المنتجات المروج لها مع العلم أن هذه المنتجات قد لا تكون سيئة للغاية.

يمكن أن يتحمل النظام السوري مسؤولية حقيقية فيما يجري، وإن لم تكن عن ”محاولة اغتيال“، لكنها مسؤولية عن فشل أساليب التسويق الإعلامي عند السوريين، إذ احتكرت الشركة الحكومية ”المؤسسة العربية للإعلان“ سوق الترويج الإعلاني، مع العلم أنها لم تكن مؤسسة إبداعية بقدر ما كانت رقابية.

ورغم أن ”العربية للإعلان“ كانت مؤسسة رابحة تصل إيراداتها إلى 1.6 مليار ليرة سورية سنويًا قبل الثورة السورية، وتساهم في ميزانية الدولة، لكنها لم تكن ذات قيمة إعلامية يومًا ما، بل كانت عبارة عن إطار ضيق كإطارات عدة حدد فيها النظام المدى الفكري والإبداعي للسوريين.

بحسب دراسة منشورة عام 2011 على مدونة لسوري يدعى محمد إدلبي، فإن ”المؤسسة العربية“ لا تبني إعلاناتها على دراسات دقيقة، ولديها ضعف في تقدير الاحتياجات، وبالعودة إلى بيازيد، الذي يشكّل مثال المقاربة الأكثر ملاءمة زمنيًا، فإنه ليس وحيدًا في قائمة ضحايا سوء الترويج، إذ يمكن الإشارة إلى وجوه كثيرة في المعارضة السورية، حامت حول أضواء الشهرة، فاحترقت أجنحتها، لضعف في تقدير الاحتياجات أيضًا، أو ربما لمبالغة في تقدير الذات.

وتشهد أداة البث المباشر في ”فيس بوك“ على كثرة مريدي الأضواء من المعارضين السوريين، كما تحكي تعليقات المتابعين عن مدى التململ العام لدى المتلقين من الإلحاح في طلب المتابعة وسماع الآراء، وتمويلات المنشورات غير ذات القيمة.

على الجانب الآخر، قد تبدو مهاجمة أساليب التسويق هذه مبررة وضرورية إلى حد ما، لكنها لا تعدو كونها نقدًا سلبيًا، يعيد السوريين إلى خانة الاستمتاع بإعلانات التلفزيون السوري ”لفرط سخافتها“ وتداولها كوسيلة للضحك، بدلًا من اتخاذ خطوات حقيقية لم يكن من الممكن اتخاذها في زمن ”المؤسسة العربية للإعلان“.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة