tag icon ع ع ع

فريق التحقيقات – عنب بلدي

لم يكن عمر فكرة الفدرالية لدى الكرد في سوريا، حين تم إعلانها عام 2016 قد تجاوز خمسة أعوام، ولم تكن هذه الفكرة تعجب أيًا من الأطراف السورية أو الإقليمية، والأهم من ذلك أنها أُعلنت دون مرجع دستوري، ودون دولة مركزية.

تاريخيًا، اقتصر العمل السياسي الكردي في سوريا على محاولات متعثرة لتنظيم البيت الداخلي تفضي مرارًا إلى تعميق الخلافات بالانشقاقات، أما المطالب السياسية الكردية فكانت تدور حول الحصول على “الحقوق”، تلك الحقوق لم تعنِ لمرة واحدة الحصول على فدرالية، ولم تتحدث عن “استقلال”، أو انفصال “غرب كردستان” عن سوريا.

ورغم أن فكرة الحكم الذاتي لم تكن بعيدة عن حزب “الاتحاد الديمقراطي” قبل الثورة السورية، إذ دعا في البيان الختامي للمؤتمر الثاني الطارئ للحزب عام 2005 إلى ”حث الدولة على سلوك التغيير“ والانتقال إلى النظام “الكونفدرالي الديمقراطي”، إلا أن هذه المطالبة لم تكن واضحة المعالم، ولم تعدُ كونها نسخًا للفلسفة الأوجلانية في رؤيتها لـ “الأمة الديمقراطية“.

مع انطلاق الثورة السورية، بدأ الخطاب السياسي الكردي يتبدل بشكل كبير، وذلك بالنظر إلى الفرصة التاريخية للحصول على “حقوق” إضافية لم يكن ممكنًا أن يفكروا بها في عهد “حزب البعث”، ويتجلّى هذا التبدل في انتقال “المجلس الوطني الكردي” من المطالبة بالاستقلال الإداري في بيانه التأسيسي الأول، إلى التأكيد على ضرورة حصول الكرد على الفدرالية، في بيانه الثالث.

أما حزب “الاتحاد الديمقراطي” فوجد في انطلاق الثورة السورية فرصة لتنفيذ أهدافه السابقة، وبدأ مسيرته بإعلان مجلس ”غرب كردستان“ نهاية عام 2011، مشكلًا بذلك جسدًا سياسيًا منافسًا لـ “المجلس الوطني الكردي” الذي بدأ بتنظيم صفوفه وعقد مؤتمراته التأسيسية.

انضم ”مجلس غرب كردستان“ التابع لحزب الاتحاد إلى ”حركة المجتمع الديمقراطي” (TEV-DEM) ودخل في تفاوض مع المجلس الوطني الكردي، وتم بالفعل الاتفاق على تشكيل ”الهيئة الكردية العليا“ في تموز 2012، لكن الخلافات مع ”المجلس الوطني الكردي“ أدت إلى إعلان الحزب ”الإدارة الذاتية“ من طرف واحد، في 11 تشرين الثاني 2012، ما مهد لاحقًا لإعلان الفدرالية.

خلقت هذه الفدرالية “غير المدروسة” أزمات جديدة بين الكرد، حين عبّر المجلس الوطني الكردي عن رفضه لها، واعتبرها “خطوة غير دستورية وغير قانونية”، لكنه أصر على التمسك بالدعوة إلى الفدرالية، ولكن وفق الفلسفة الخاصة به.

وبين فدرالية معلنة يتبناها حزب “الاتحاد الديمقراطي”، وفدرالية غير واضحة المعالم ينشدها “المجلس الوطني الكردي”، لم ترحب المعارضة السورية، وكذلك النظام، بمثل هذه التحركات والطروحات.

لكن بعد أكثر من عام ونصف على أول إعلان للفدرالية، لم يعد القلق من الفدرالية الكردية لدى المعارضة أو النظام قائمًا بالدرجة ذاتها، مع انحسار إمكانية تطبيقها بالنظر إلى السياسات الدولية تجاه سوريا من جهة، ونتيجة الظرف الإقليمي ”المحبط“ للكرد من جهة أخرى.

رفض سوري ودولي وظرف داخليمحبط

عراقيل تعترض طريقالفدرالية

رغم جميع التحديات التي واجهها مشروع الفدرالية الكردية منذ بدء الثورة السورية، إلا أن الأحداث الأخيرة في “كردستان العراق”، وتراجع رئيس الإقليم، مسعود البرزاني، عن إعلان الانفصال، شكّلت حالة الإحباط الكبرى للمشروع الكردي السوري، إذ بدت تجليًا واضحًا لرفض إقليمي تجاه منح الكرد أي شكل من أشكال الاستقلال.

“ضربة كردستان العراق” تزامنت مع التقدم في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، والتي كان يعول عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في توسيع نفوذه، لكن ما حدث أن تحرك النظام السوري بدعم من الروس غرب الفرات قلّص إمكانية تمدد القوات الكردية في دير الزور، فضلًا عن التحركات التركية في محيط مدينة عفرين، والتي كانت بمثابة إعلان عن قطع أوصال “روج آفا”، وفصل مقاطعات “الإدارة الذاتية”.

أما الرقة، التي سيطرت عليها “قوات سوريا الديمقراطية” مؤخرًا بدعم كبير من قوات “التحالف الدولي”، فأغلب التوقعات تدور حول قرب تسليمها للنظام السوري بتوافق روسي- أمريكي، وهو ما سيكون “خذلانًا جديدًا” للكرد من الولايات المتحدة الأمريكية، حليفهم المقرب، الذي تركهم في منتصف الطريق مرارًا.

وفي حال إضافة العوامل السابقة إلى التأكيد الروسي المستمر على أهمية “وحدة الأراضي السورية”، والتوجه إلى تمرير حل سياسي في سوريا يقضي ببقاء الأسد في الحكم لمدة انتقالية، فإن مشروع الفدرالية يبدو اليوم ضربًا من “المقاومة” التي يتمسك بها الكرد في مواجهة الجميع.

مسنون يتحاورون في فناء دكان بالحسكة – 17 أيار 2017 (عنب بلدي)

“اللوم على السوريين”

يشير أغلب السياسيين والصحفيين الكرد إلى أن رفض النظام والمعارضة للفدرالية هو العائق الأساسي أمام تحقيق المشروع الكردي، دون النظر إلى العوامل والظروف الإقليمية والدولية، كما يعتبر أغلبهم أن فكرة الفدرالية ماتزال قابلة للتطبيق رغم المعوقات.

عمر كوجري، رئيس تحرير “صحيفة كوردستان”

الكاتب الكردي شورس درويش، يرى أن “النظام يريد البلد تحت سلطته المركزية، وما حربه ضد السوريين إلّا جزء من هذا الإصرار، فكيف سيسمح بأن تدير الأطراف نفسها بنفسها؟ في المقابل ثمة طيف واسع من المعارضة متأثر بخطاب النظام الرافض للتقسيم المزعوم، وثمة آخرون يرفضون المطلب الكردي في الفدرالية لأنها تتعارض مع مصالح بعض الدول الإقليميّة”.

ويبرر درويش، في لقاء مع عنب بلدي، ضرورة التمسك بالفدرالية على أنها “لا تعني تقسيم الدولة إلى دويلات، بل تخفف من سطوة الحكم المركزي وتوزع الصلاحيات على المناطق”، معتبرًا أن “نموذج اللامركزية بصوره المتعدّدة يشكل أحد المخارج لكافة المناطق السورية التي عانت من إسفاف وظلم النظام المركزي”.

ويتفق عمر كوجري، رئيس تحرير “صحيفة كوردستان” مع درويش في لوم النظام والمعارضة، لكنه يزيد في تحميل المعارضة السورية الذنب في الرؤية السلبية تجاه “المشكلة الكردية”، ويؤكد أنها “تعبر وبلا خجل عن مكنونات ربما النظام السوري في الوقت الحالي لا يظهرها بسبب الظرف الأمني الذي يمر به”.

إنهاك الأزمة الداخلية

في مقابل حالة الضغط من النظام والمعارضة، كان يمكن أن يبدي الكرد نوعًا من التماسك يساعدهم في ترتيب أولوياتهم وتحقيق التقاربات المناسبة “للحصول على حقوقهم”، وفي هذا الإطار يؤكد كوجري أن “الكرد فرطوا بإمكانياتهم الذاتية، بسبب التناحر الحزبي البغيض، لا ننسى أن جيلًا ساطعًا من الشباب الكردي قد غادروا وللأسف وطنهم إلى غير عودة، بسبب سياسات قسرية من سلطة الأمر الواقع في المناطق الكردية”.

ويضيف كوجري، في لقاء مع عنب بلدي، “المشكلة أن الكرد في حالة تناحر، فمثلًا أشكال الإدارة الذاتية عرضت في كردستان سوريا ولكن من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي وبقية الأحزاب من المكون الكردي والمكونات المجتمعية في المنطقة، ولكنها كانت أحزابًا أقرب للوهمية وليس لها أي تأثير أو أهمية في الواقع، وبقي طيف واسع غير مشارك في هذه العملية كأحزاب المجلس الوطني الكردي التي لا يمكن الاستهانة بدورها وتاريخها”.

عضو اللجنة المركزية لحزب “يكيتي” في سوريا، عبد الله كدو، يشير لعنب بلدي إلى أن “ما يصعب من احتمال نجاح مشروع الحل الفيدرالي في البلاد، هو وجود طرحين مختلفين له، وأرى من الصعوبة التقاء الإطارين، وفق رؤية كل من الاتحاد الديمقراطي والمجلس الكردي، حول الفدرالية في الأفق القريب“.

“الاتحاد الديمقراطي”.. أمل بقوة السلاح

مع غلبة الجو التشاؤمي والاتهامات الموزعة على الأفرقاء الكرد أو الأطراف السورية الأخرى بمحاولة إفشال فكرة الفدرالية، يبدو حزب الاتحاد الديمقراطي متمسكًا بمنجزاته التي حققها في هذا الإطار، وإن كانت القاعدة التي بنى عليها الفدرالية “غير سليمة”، إلا أنه يسعى من خلال فرض شروطه في التفاوض، وعبر القوة العسكرية، إلى “شرعنة فيدراليته”.

عبد السلام أحمد، القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي

الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، جوان مصطفى، يجد أن ما قدمه حزبه كان “مشروعًا ديمقراطيًا لإنقاذ سوريا من أزمتها والوقوف أمام شبح التقسيم الذي عملت عليه العديد من القوى ومن ضمنها النظام”.

ويضيف مصطفى، في لقاء مع عنب بلدي، “ما نمتلكه من قوى عسكرية وشعبية ستكون قادرة على حماية مشروعنا، فقد أصبحنا رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في حل الأزمة السورية”.

أما القيادي في حركة المجتمع الديمقراطي (TEV DEM، التي يعد PYD أحد الأحزاب المنضوية فيها)، عبد السلام أحمد، فيذهب إلى ربط مصير سوريا بالتفاهمات التي ستبديها أطراف النزاع تجاه الكرد “لن تجد الأزمة السورية طريقها للحل دون الوصول لتفاهمات مع ممثلي الفدرالية الديمقراطية لشمالي سوريا، ونحن نملك من القوة العسكرية التي تمكننا من الرد على أي اعتداء تتعرض لها مناطقنا أيًا كانت القوة المعتدية، واعتماد الخيار العسكري من قبل النظام سيؤدي إلى تقسيم سوريا”.

فدرالية واحدة ووجهتا نظر

منذ نشأة حزب الاتحاد الديمقراطي وسيطرة جناحه العسكري على مناطق ذات غالبية كردية في سوريا عام 2012، تراجع دور المجلس الوطني الذي كان أول جسم سياسي كردي جامع يتم تشكيله بعد انطلاق الثورة السورية، على أمل تمثيل الكرد في المحافل الدولية وتمرير مصالحهم.

الحالة التنافسية المستمرة بين القطبين الكرديين الأساسيين عبرت عن اختلاف كبير في الرؤى السياسية، ولم تكن المطالب القائمة على أساس قومي تفلح في تقريب وجهات النظر، حتى في الأمور الجوهرية كشكل الحكم المتوقع لسوريا.

يطرح المجلس فكرة الفدرالية كـ “حل” للأزمات السياسية في سوريا، يتيح للكرد الحصول على “حقوقهم” ضمن “الإقليم الذي يشكلون الأكثرية فيه”، لكن الفدرالية التي يتحدث عنها المجلس هي فدرالية “تجمع الجغرافيا مع القومية”، وهو ما يتناقض مع فكرة “الوحدة السياسية والجغرافية” التي يدعو إليها أيضًا، نتيجة وجود مناطق عربية صرفة بين محافظة الحسكة ومنطقتي عين العرب (كوباني) وتل أبيض في الشمال الشرقي من جهة، ومنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي من جهة أخرى، عدا عن وجود نسبة جيدة من العرب في الحسكة.

فؤاد عليكو، ممثل المجلس
الوطني الكردي

ممثل المجلس الوطني الكردي، وعضو اللجنة السياسية للائتلاف السوري المعارض، فؤاد عليكو، قال في لقاء سابق مع عنب بلدي إن فرصة تطبيق الفدرالية التي ينشدها المجلس في المستقبل ستسهم في جمع المكونات الموجودة في المناطق الكردية لإيجاد رؤية موحدة لإدارة الإقليم.

ويعني ذلك أن الرؤية التي يتبناها المجلس في رسم ملامح الفدرالية المنشودة لا يمكن أن تتحدد ما لم يتم تطبيقها على أرض الواقع، ففي الوقت الذي ينتقد فيه المجلس فدرالية ”PYD“، يحمل “فلسفة مبدئية” حول المشروع تقترب من الأسس التي يبني عليها التنظيم السياسي الخصم مشروعه القائم، بالنسبة إلى قبول جميع المكونات وتمثيلها في السلطة الحاكمة للإقليم.

تقوم فكرة الفدرالية التي طرحها حزب الاتحاد في مسودة “دستور غربي كردستان”، على اعتبار أن الشريط الحدودي السوري من المالكية (ديريك)، إلى عفرين، هي مناطق كردستانية، وستكون ضمن الفدرالية.

ومن خلال الإدارة الذاتية فإن الحزب يمارس “فيدراليته” القائمة على إدارة المناطق التي يسيطر عليها جناحه العسكري (قوات سوريا الديمقراطية)، ويتيح مشاركة في مؤسساته للمكونات غير الكردية وفق نسبها في المجتمع حسب قوله، مع الإشارة إلى التشكيك من قبل منظمات حقوقية وناشطين عرب في أعداد السكان المعلنة ونسب انتشار المكونات العرقية التي يتحدث عنها حزب الاتحاد الديمقراطي.

ورغم التقارب الكبير في تصور الفدرالية بالنسبة للحزب والمجلس، فإن الأخير مايزال يصر على عدم شرعية إعلان ”PYD” للفدرالية، ويتهمه بالبعد عن المشروع القومي، والارتباط بأجندة خارجية تجعل عمله “بعيدًا عن تطلعات الكرد“.

خريطة تظهر التصور الجغرافي لمنطقة “روجافا سوريا”

منفدراليةإلىحقوق دستورية

كيف انخفض سقف المطلب الكردي؟

مع تمسك حزب ”PYD“ بما أنجزه من مقومات لإقليم كردي وفق “فدرالية” في مستقبل سوريا، وإصرار المجلس الوطني الكردي على تثبيت مطالبته بالفدرالية كشكل حكم مستقبلي للبلاد، ينظر عدد من السياسيين والباحثين الكرد إلى القضية بشكل “أكثر واقعية” بالاستناد إلى الظرف الراهن، والمعطيات التي تفيد بصعوبة تحقيق هذا المطلب.

ومن هذا المنطلق، فإن التصور الكردي “اللا حزبي” حول شكل الحكم، تراجع من تعزيز أهمية فكرة الفدرالية كضامن للحقوق الكردية في سوريا، إلى تقديم بعض التنازلات مقابل تحقيق توافقات مع الأطراف السورية تبعد الكرد عن دائرة الاتهام بتفتيت البلاد، وتضمن لهم بعض المصالح في حال الوصول إلى حل سلمي للصراع.

يشير الباحث في الشأن الكردي بدر ملا رشيد إلى تغيّر في موقف النظام والموقف الروسي حيال الفدرالية، فالمعطيات في الأشهر الثمانية الأولى من 2017، أظهرت قبولًا أوليًا للتفاوض على نوعٍ من أنواع الإدارة الذاتية، لكن بعد استفتاء كردستان تبدل الأمر، إذ بدأ النظام يستخدم العبارات المحذرة من “خطط التقسيم”، وهدد المتجهين للانفصال بـ “المواجهة ومصير أسوأ من مصير إدارة إقليم كردستان العراق”.

ويتحدث ملا رشيد لعنب بلدي عن موقف روسيا التي دعت إلى عقد “مؤتمر الشعوب” في مدينة “سوتشي”، ليتم تغيير عنوانه لاحقًا إلى “المؤتمر الوطني”، كما خفت حماسة التصريحات الروسية لصالح دفع النظام لقبول “الإدارة الذاتية” والتفاوض معها.

“خطوة إلى الوراء لا عودة إلى الصفر”

يرى الباحث ملا رشيد أن “سوريا لن تعود إلى نظام الحكم المركزي السابق”، لكنه في الوقت ذاته يشير إلى أن ارتباط ”حزب الاتحاد الديمقراطي“ بحزب ”العمال الكردستاني“ في تركيا سيكون سببًا مهمًا لنقمة الدول الإقليمية التي “يمكنها الوصول لاتفاقية تقوض أي تهديداتٍ وجودية بالنسبة له”.

وبالتالي فإن فكرة الفدرالية ليست خيارًا مضمونًا، ويمكن أن يتم استبدالها باللامركزية، عبر إقناع المعارضة بضرورة القبول باللامركزية السياسية، أو قبول النظام بأحد أشكال الإدارة الذاتية وضمان “أصوات ممثلي الإدارة الذاتية الحالية“، ضمن “البرلمان أو مجلس الشعوب السوري المستقبلي”، وفق وجهة نظر ملا رشيد.

التعويل علىتوافق إقليمي

إلى جانب الإشارة للموقف الروسي المتغير حيال “حق الكرد في الحصول على إقليم ضمن سوريا”، فإن الولايات المتحدة التي تستمر في دعم الكرد عسكريًا لم ترحب بإعلان الفدرالية عام 2016، بل أكدت أنها “لن تعترف بأي مناطق للحكم الذاتي أو المناطق شبه المستقلة في سوريا”، وهو ما يمكن أن يوضع في إطار خذلان الولايات المتحدة المستمر للكرد.

لكن عضو اللجنة المركزية لحزب ”يكيتي“ الكردي في سوريا، عبدالله كدو، يرى أن “النجاح لمشروع النظام الفدرالي في سوريا يكون بممارسة القوى الرئيسية الفاعلة على الأرض، أمريكا وروسيا، تأثيرهما ودورهما المرجعي انطلاقًا من روح جنيف 1”.

ومن الحلول التي اقترحها كدو، في حديثه مع عنب بلدي، “عقد مؤتمر سوري يشمل جميع القوى الوطنية الفاعلة، لوضع دستور جديد يحقق المصالح المشتركة لكل السوريين بعيدًا عن نزعات الاستئثار والإقصاء القومية والدينية وغيرها”.

من جانبه، يدعو سليمان أوسو، عضو المكتب السياسي لحزب “يكيتي”، وعضو لجنة العلاقات الخارجية للمجلس الوطني الكردي، الكرد إلى حضور كل المحافل الدولية “لنطرح قضيتنا بقوة، ونطالب بضمانات دستورية تضمن مستقبلنا”، معتبرًا أن “وحدة الكلمة والموقف الكردي لها تأثير قوي على المواقف الدولية والإقليمية، وكذلك على أطراف المعارضة والنظام أيضًا“.

تطمينات: “لا نسعى للانفصال

شورش درويش
كاتب سوري

يرى الكاتب الكردي شورش درويش أن المخاوف من تقسيم سوريا في حال اعتماد الفدرالية غير واقعية، لأن “المناطق الكردية وذات الأغلبية الكردية، في حاجة ماسة للمناطق السورية كافة، وثمة علاقة متشابكة بين سكان تلك المناطق عربًا وكردًا وسريانًا آشوريين، وبالتالي فالمخاوف المتصلة بتقسيم سوريا لا أساس لها من الصحة”.

كما يربط درويش بين الفدرالية وتعزيز الروح الوطنية في سوريا، ذلك أن “الكرد يرغبون في طمأنة أنفسهم بعد عقود من الظلم المضاعف الذي تعرّضوا له، ولعلّ صيغة الحكم الذاتي تمثّل وسيلة اطمئنان فعّالة قد تعيد للكرد السوريين جزءًا من هويتهم الوطنية السوريّة، وتعيدهم إلى الوطن السوريّ بقدر معقول من المساواة والكرامة الإنسانيتين”.

ورغم “التحديات التي تواجه الكرد ليدافعوا عن مشروعهم في اللامركزية، يبقى هذا المشروع رهين علاقتهم ببقية السوريين، ورهين موافقة السوريين عليه”.

“كافة الأبواب مغلقة”

يستبعد رئيس تحرير صحيفة “كوردستان”، عمر كوجري، “أي انفراجة حقيقية على المستوى الكردي”، وذلك لأن “التحزب والمصالح الآنية والحساسيات قد فعلت فعلها الشنيع في الذاكرة الكردية، فقد وصل الأمر إلى حد العداوة الظاهرة لا المضمرة”، ويذهب إلى تحميل، وبصراحة، “سلطة الاتحاد الديمقراطي كامل الوزر، فلولا انفراده بالسلطة لكان الأمر مختلفًا”.

ويذكر كوجري في لقاء مع عنب بلدي مجموعة من الأسباب التي تعيق الكرد عن الحصول على إقليم في سوريا، ومنها معاداة ”PYD” للمعارضة ما يعيق التوصل إلى أي تفاهمات بين الجانبين، أما المجلس الوطني، ورغم تمثيله في المعارضة، إلا أنه لا يمكن أن يكون طرفًا مؤثرًا بسبب “الحصار الهائل من سلطة الأمر الواقع عليه”.

ويضيف “أنا لست متفائلًا بتحقيق أي مكسب للكرد وكذا للمعارضة في التوصيف الباهت للواقع حاليًا، والنظام للأسف يستفيد من هذا الاستعداء المشترك بين المعارضة السورية والتشكيل السياسي الكردي في كردستان سوريا”.

كيف ينظر سكان محافظة الحسكة إلى تجربة الإدارة الذاتية؟

في تشرين الثاني من عام 2013 أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي عن إخضاع ثلاث مناطق تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” للإدارة الذاتية، التي شكلت “نواة فدرالية” أعلن عنها بعد أقل من ثلاثة أعوام.

وأنشأت الإدارة الذاتية 22 هيئة تشمل قطاعات مختلفة من الدفاع إلى الشؤون الدينية، وترتبط بها ”قوات سوريا الديمقراطية“ (الذراع العسكرية لـ PYD)، و”قوات الأمن الداخلي“ (أسايش)، و“قوات حماية المرأة“ (YPJ).

هجار جزاع
مهندس سوري

حاول حزب الاتحاد الديمقراطي أن يثبت من خلال المؤسسات المرتبطة بالإدارة الذاتية قدرته على إدارة مناطق سيطرته، وتأمين الموارد المناسبة والخبرات والكفاءات لرفد جميع القطاعات الخدمية والعسكرية والمالية، لكن التجربة الناشئة تعثرت في مواطن عدة، وواجهت عراقيل كبيرة كان أهمها وجود مراكز للنظام في قلب مدينتي الحسكة والقامشلي، فرضت نفسها كصلة بالسلطة المركزية في قلب “إقليم مستقل”.

وكانت عنب بلدي ناقشت في ملف سابق، نشر في العدد 295، ظروف نشأة الإدارة الذاتية، والقوانين التي فرضتها وما تبعها من تغييرات مجتمعية، إلى جانب مواردها المالية وكيفية تأمين الخدمات لسكان مقاطعاتها.

ووفق وجهات النظر التي تعرفت عليها عنب بلدي خلال استطلاع للرأي في محافظة الحسكة، فإن هناك ارتياحًا عامًا من قبل الأهالي تجاه الحالة الخدمية التي توفرت في المحافظة بالمقارنة مع المحافظات السورية الأخرى خلال الحرب، فيما لم ير بعض المستطلعة آراؤهم أن استمرار ”الإدارة الذاتية“ وحصول الكرد على فدرالية أمر ممكن التحقق.

يعتبر المهندس الكردي هجار جزاع، من مدينة رأس العين، أن ”الإدارة الذاتية“ حققت بعض “الأهداف المعيشية للسكان كتوفير الماء والكهرباء والاستقرار”.

حسن العساف
محامي سوري

المحامي العربي حسن علي العساف، من مدينة القامشلي، يوافق جزاع، ويشير إلى أن ”الإدارة“ تمكنت من سد الفراغ نتيجة غياب الدولة ومؤسساتها الحيوية وحمت الشعب والأملاك.

أما الناشطة العربية تقى حسن، وهي من سكان القامشلي، فتملك رأيًا مخالفًا، إذ تشير إلى أن ”الإدارة الذاتية“ لم تفِ بتأمين مستلزمات الحياة الضرورية من كهرباء وماء ووقود، كما عمدت إلى توظيف أشخاص يفتقرون الى الخبرة والكفاءة، رغم بعض الإيجابيات المتمثلة “بالحفاظ على الأمان في المنطقة قدر المستطاع وطرح أفكار لمشاريع تنموية”.

وتبرر سولنار محمد، وهي ناشطة كردية من مدينة ديريك، عدم قدرة ”الإدارة الذاتية“ على توفير كافة متطلبات السكان بأن الظروف الحالية تمنع أي سلطة من الإيفاء بكافة المتطلبات، لكنها تشير في الوقت ذاته إلى أن محافظة الحسكة منطقة غنية بالثروات التي لا بد من استثمارها.

من الناحية الاجتماعية، يعتقد بهجت أحمد، وهو كاتب من مدينة ديريك، أن الإدارة الذاتية “استطاعت أن تجمع كل مكونات المنطقة وتمنحها حريتها في ممارسة دورها في بناء المنطقة، وأصبحت مناطقها مقصدًا للكثير من أبناء سوريا، في حين يعاني النسيج الاجتماعي السوري من التمزق بفعل الشحن الطائفي والعرقي”.

بينما يرى آرام سركيس، وهو مواطن مسيحي من القامشلي، أن الإدارة الذاتية خلقت “واقعًا جديدًا ومغايرًا للخريطة السورية، عبر النهوض الفكري وتوفير الأمن والأمان، ونشر الوعي من خلال السماح للمنظمات بالعمل، وهي خطوات لنقل المجتمع إلى أولى معالم الدولة المدنية، ولو كان بسياج حديدي، وهذا مبرر في وقتنا الحالي نظرًا لغياب الروادع”.

أما الناشط محمد مزهر، عربي من مدينة الحسكة، فلا يرى أي إيجابيات في تجربة ”الإدارة الذاتية“ التي “كان همها الوحيد هو جمع المال وإظهار نفسها بأنها ذات قوة وسلطة دون اعتبار للمواطنين”.

كما انتقد مزهر إصدار الإدارة “قوانين غريبة عن منطقتنا دون دراسة قانونية أو واقعية كتلك المتعلقة بالتعليم وفرض اللغة الكردية، واعتبار (روج آفا) منعزلة تمامًا عن الخارج”، مضيفًا “من أعظم مصائبهم أنهم اعتبروا أن أبناء سوريا النازحين من محافظات مجاورة غرباء عن المنطقة ويجب أن يدخلوا بكفالة، وبنوا لهم مخيمات في البراري وكأنهم ليسوا سوريين”.

وبينما يبدو المهندس الكردي نجدفان شاكر متفائلًا بحصول الكرد على فدرالية في مناطق ”الإدارة الذاتية“ الحالية وفق “المعطيات على الأرض”، يجزم مزهر أن حزب ”الاتحاد الديمقراطي” لن يتمكن من تحصيل الفدرالية، لعدم وجود حاضنة شعبية يمكن أن تتبنى مشروعه، مع الإشارة إلى الظرف الدولي الذي يعيق قيام الفدرالية.

الناشطة الكردية سولنا محمد، تستبعد أيضًا إمكانية حصول الكرد على فدرالية كونها “تحتاج إلى اعتراف دولي، وهذا ما لم يحصل إلى الآن”، وتضيف “من الناحية السياسية لم نرَ مواقف جدية من الدول الأوربية، ناهيك عن الخلافات الكردية- الكردية، والتي تشكل أيضًا عائقًا في إنجاح مشروع الفدرالية”.


تم إعداد هذا الملف من قبل عنب بلدي بالتعاون مع راديو آرتا إف إم

مقالات متعلقة