الخطف بين درعا والسويداء.. ظاهرة منظّمة تهدد النسيج السوري

camera iconأحد مقاتلي المعارضة يمشي في حقل من الخشخاش في مدينة درعا (فرانس برس)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نينار خليفة

أنت من درعا إذن أنت مستهدف

“كنت أعمل على سيارة نقل بضائع من درعا إلى دمشق، وأسلك الطريق الذي يمر من السويداء بشكل يومي، في يوم من أيام كانون الثاني ولدى عودتي ليلًا من دمشق تم إيقافي من قبل مجموعة من المسلحين في بلدة المزرعة بريف السويداء، أرغموني تحت التهديد على الترجل من سيارتي ووضعوني في سيارة أخرى، تم اقتيادي إلى منزل علمت لاحقًا أنه في قرية ريمة اللحف التابعة لمحافظة السويداء، أخبروني بمجرد وصولي أنني مختطف إلى حين عودة أخيهم المخطوف في محافظة درعا، أخبرتهم مرارًا بأنه لا علاقة لي بالخاطفين، إلا أنهم كانوا يجيبونني في كل مرة: أنت من درعا إذن أنت مستهدف”.

أين هو هذا الدرزي الكافر؟

“أعمل في مجال تقسيط السيارات بين محافظتي درعا والسويداء، وفي إحدى المرات عندما كنت مستقلًا سيارتي باتجاه قرية بصمة بريف السويداء، أوقفني مسلحون ووضعوني في صندوق سيارتهم تحت تهديد السلاح، بعد حوالي ساعتين وصلنا إلى منطقة مجهولة تبين لاحقًا أنها تقع في منطقة اللجاة، وضعوني بغرفة أشبه بقبو، أخبروني أن شخصًا يلقب بـ (الشيخ) سيتولى التحقيق معي، لقد كان واضحًا أن الخاطفين على مستوى عالٍ من الحرفية، وأنها ليست المرة الأولى التي يقومون فيها بالخطف، وعندما دخل (الشيخ) سمعته ينادي: أين هو هذا الدرزي الكافر؟”.

عمليات قتل وتعذيب فضلًا عن الابتزاز المالي، تترافق مع عمليات “الخطف” و”الخطف المضاد” بين محافظتي درعا والسويداء.

وتعتبر ظاهرة خطف المدنيين واحدة من أخطر صور الانتهاكات المنتشرة في الجنوب السوري، ظاهرة يصفها الأهالي بالمنظمة والعلنية، باتت تداعياتها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية تهدد السلم الأهلي في المنطقة.

مع ازدياد حالة الفلتان الأمني في محافظة السويداء بداية شهر كانون الثاني 2017، ولا سيما في المناطق الحدودية والقريبة من محافظة درعا، بات الخطف والسرقة مصدر رزق للعديد من أفراد الجماعات المسلحة في كلتا المحافظتين، وتم تسجيل العشرات من حالات الخطف التي طالت سكان ريف السويداء الغربي، وعشرات حالات “الخطف المضاد” التي قام بها بعض أهالي المخطوفين بحق بعض أهالي درعا النازحين في محافظة السويداء.

وقد وصل عدد المخطوفين بين كلتا المحافظتين في كانون الثاني الماضي، إلى أكثر من 150 مخطوفًا في شهر واحد، وتم الإفراج عن معظمهم عقب دفع فدية مالية.

وقد انخفضت أعداد حالات الخطف في الأشهر التي تلت كانون الثاني، وعادت لترتفع مرة أخرى، فقد تم توثيق ما لا يقل عن 65 حالة خطف في آب 2017.

ومنذ كانون الثاني 2017 وحتى نهاية آب، حدث ما لا يقل عن 300 حادثة خطف، وذلك بحسب تقرير أصدرته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بعنوان: “الخطف كأداة لتفتيت النسيج المجتمعي” ومصادر مطلعة أخرى.

ووفقًا لشهادات جمعتها المنظمة فإن ظاهرة الخطف هذه، تتم بإشراف المنظومة الأمنية والميليشيات المرتبطة بها في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام السوري، وتحت إشراف مجموعات مسلحة منظمة في المناطق التي تخضع لسيطرة قوات المعارضة المسلحة.

بداية القصة

بدأت عمليات الخطف قبل عدة سنوات بخطف عناصر شرطة من السويداء ليتم تبديلهم بمعتقلين لدى النظام، ثم بدأت عمليات الخطف للحصول على الفدية، وكان أهالي السويداء يدفعون الفدية أو يدخلون بوساطات أهلية لفك المخطوف، ثم توسع نطاق الخطف وظهرت عمليات خطف مضادة، فعلى سبيل المثال يتم خطف شخص من السويداء بدرعا ويطلب الخاطفون من أهله فدية قد تصل إلى 50 مليون ليرة سورية، وبالمقابل تقوم عصابات من السويداء بخطف خمسة أشخاص من درعا ويطلبون من كل شخص فدية تصل إلى 10 ملايين لجمع المبلغ المطلوب.

هكذا وصف مراسل عنب بلدي في درعا بدايات نشوء عمليات الخطف بين درعا والسويداء، مضيفًا أن الحال وصل الآن لمرحلة الخطف مقابل الفدية من قبل عصابات من الطرفين، حتى إن عصابة واحدة قد تعمل من مكانين وبفديات مالية كبيرة.

أما عن أكثر الأماكن التي تتم فيها عمليات الخطف، فأشار المراسل إلى أنها تتمثل بشكل رئيسي بمناطق التماس بين ريف السويداء الغربي وريف درعا الشرقي، وغالبًا تقوم عصابات درعا بعمليات الخطف من ريف السويداء الغربي.

أما عصابات السويداء فترد بالخطف من كل مكان بالسويداء، وهي تستهدف بالأخص النازحين فيها من درعا الموجودين في المدينة والقرى المحيطة بها.

تكون وسائل الخطف متشابهة بين الطرفين إذ يتفاجأ المختطَف بحاجز طيار أثناء مروره على الطريق، وهو إما أن يكون مراقبًا من قبل الجهة الخاطفة ويتم اختطافه عند وصوله للحاجز، أو يُختطف عند الحاجز بعد الاطلاع على هويته الشخصية، ومن النادر جدًا أن يقتحم المختطفون بيت المختطَف.

تصنيف عصابات الخطف

وفقًا لتقرير “الخطف كأداة لتفتيت النسيج المجتمعي”، يمكن تقسيم الجهات التي تقف وراء حالات الخطف من حيث الغاية أو الهدف أو الطريقة لعدة أقسام:

1 – عصابات الخطف من أجل جمع المال “الفدية”:

وتكثر هذه العصابات في المنطقة الغربية الشمالية من محافظة السويداء، لأن بلدات هذه المنطقة على تماس مباشر مع بلدات ريف درعا الشرقي وبلدات منطقة “اللجاة”.

2- عصابات خطف من أجل تصفية الحسابات:

تقوم هذه العصابات بعمليات الخطف نتيجة وقوع خلافات مع عصابات أخرى كتجار السلاح والمخدرات والمحروقات بين المحافظتين.

3- عصابات مرتبطة بالأجهزة الأمنية:

تقوم بعمليات الخطف من أجل زعزعة العلاقات الاجتماعية بين سكان المحافظتين، واستغلال وجود تنوع ما بين مكوناتهما.

4- عصابات خطف الأشخاص من مدينة السويداء، من قبل جهات من مدينة درعا، وذلك بغية الضغط على الأفرع الأمنية والإفراج عن معتقلين.

5- عصابات عمليات الخطف الوهمية:

يقوم أحد الأشخاص بالاختباء بمساعدة آخرين، ويتم نشر خبر اختطاف هذا الشخص المختبئ كي يقوم أقاربه بعمليات خطف مضادة، وعلى إثرها يقوم أهالي الأشخاص المختطفين بشكل حقيقي بدفع فدية من أجل إطلاق سراح أبنائهم، وعندها تصل النقود إلى أقارب الشخص الذي قام بعملية الاختباء.

الإطار القانوني لظاهرة الخطفوالخطف المضاد

مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، وصف ظاهرة الخطف والخطف المضاد بأنها واحدة من أبشع الانتهاكات التي ظهرت بعد النزاع السوري، خاصة أننا نتحدث في كثير من الحالات عن انتهاكات مرافقة أخرى (تعذيب وإخفاء قسري وقتل وابتزاز مالي وغيرها).

وأضاف لعنب بلدي أنه من المهم الإشارة هنا إلى أننا لا نتحدث عن الخطف والخطف المضاد كتصرفات فردية، بل نتحدث عن عمليات منظمة يقوم بها أشخاص مرتبطون في معظم الحالات بمنظومة النظام الأمنية في محافظة السويداء، وآخرون مرتبطون بمجموعات مسلّحة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وأردف “البشاعة الأخرى في هذه الظاهرة هي أنّ معظم المخطوفين يكونون ضحية لأهداف وغايات إجرامية، ويتم زجّهم في هذه الدوامة، حتى إن بعض ذوي ضحايا المخطوفين أصبحوا منتهِكين آخرين، إذ قاموا بعمليات خطف مشابهة من أجل استعادة أحبائهم”.

وأوضح الأحمد أنه بالمعنى القانوني يندرج الخطف كممارسة تحت عدّة مسميات وممارسات محظورة بحسب القانون الدولي.

ومن الممكن إدراج الظاهرة تحت نطاق أخذ الرهائن أو الاختفاء القسري أو الحرمان من الحرية، ومن المعروف أنّ جميع هذه الممارسات محرمة، كما لا يجب أن ننسى أن هنالك مجموعة أخرى من الانتهاكات المرافقة مثل الخوف من تعرّض الضحية للتعذيب أو التشويه أو المعاملة اللاإنسانية أو حتى القتل، هذا عدا عن معاناة الأهل (الأب والأم والأخت والأخ)، أو الزوجة والأولاد.

وأشار الأحمد إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139 لعام 2014 الذي أدان بشدة الاحتجاز التعسفي للمدنيين في سوريا، فضلًا عن عمليات الاختطاف والخطف والاختفاء القسري وطالب القرار بالإنهاء الفوري لهذه الممارسات، وإطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين بصورة تعسفية.

وبموجب القانون الدولي قد تندرج عمليات الخطف ضمن نطاق حظر أخذ الرهائن وحظر الاختفاء القسري، وبصورة أعم فقد تشكل على الأقل حرمانًا تعسفيًا من الحرية، وهي بذلك تنتهك حق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه.

وبيّن الأحمد أن دفع الفدية من أجل إطلاق سراح فرد تم أخذه كرهينة من قبل جماعة إرهابية قد يكون منافيًا لالتزامات دولية معينة تلزم الدولة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة