تعا تفرج

خطابات الصمود في ساحات جنيف

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أتذكر، في معمعة “جنيف 8″، أستاذَنا الكبير محمد الماغوط الذي كانت السخرية من “الخطابة” تحتل مكانًا مركزيًا في مسرحياته الكوميدية.

فمع بداية المؤتمر انفتحت شهية المعارضين المشاركين في المؤتمر على خطابات قوية، طنانة، رنانة، “لها في أُذُنِ الجوزاء زمازمُ”، على حد تعبير المتنبي، الهدف منها إقناعنا بأن ذهابهم إلى العاصمة السويسرية، و”صمودهم” فيها، رغم انسحاب وفد الجعفري، يفقأ حصرمةً في عين نظام البراميل، ويؤرق روسيا، ويوجه صفعة لإيران، وللميليشيات الإرهابية التي تقاتل بإمرتها.

هؤلاء المعارضون الأكارم يخطبون علينا بطريقة القوقأة التي تترافق مع تخلُّص دجاجة فتية من بيضة كبيرة! على الرغم من أنهم يعرفون أن النظام السوري يستطيع الآن أن يختار أي منطقة في سوريا، ويضربها بالكيماوي، في عز الظهيرة، ولا يستطيع مجلس الأمن “أبو الفيتو” أن يشكل لجنة للتحقيق، حتى ولو كانت تحقيقاتها ستثبت في وقت لاحق أن الأسطول الجوي الذي تمتلكه العصابات الإرهابية المسلحة هو الذي ضرب هاتيك المنطقة بالكيماوي لأجل أن يوقع النظام السوري الوديع في مأزق دبلوماسي، وليخدش حياء المجتمعات الأوروبية الساكتة عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، وليجعل دونالد ترامب يستشيط غضبًا ويوجه ضربة صاروخية أخرى لمطار الشعيرات، قبل أن يذهب إلى الخليج العربي ليتابع عملية جباية الغلة، ويأمر بفتح السفارة في القدس باعتبار أن الجباية والسفارة هما اللتان تحافظان على الـ 10% المتبقية من شعبيته.

لفيف من المعارضين الذين لم تُوجّه إليهم دعوات للحضور شغّلوا ماكينات الخطابة الخاصة بهم في اتجاه التأكيد على أنهم مغضوب عليهم، لكونهم شرفاء، وطنيون أكثر من حد المرونة الخاص بالوطنية العادية، لا يقبلون بالعمل في ظل أجندات الدول التي لها مصالح في سوريا، ويرفضون المال السياسي ومال الإغاثة الذي يأتي من جهات أجنبية مشبوهة، ويعلنون مقاطعتهم لقرارات الأمم المتحدة، ومسارات جنيف، ومفاوضات الأستانة، وخفض التصعيد، وسوتشي، واسطنبول، والقاهرة، وموسكو، وحميميم، والرميلان… ويعلنون، من أماكن إقامتهم المختلفة في دول اللجوء، أنهم ماضون في الثورة، مستعدون للتضحية في سبيلها بآخر إنسان يتنفس الهواء في سوريا البطلة.

ولكن، إلى أين أنتم ذاهبون في هذه الوَحلة الخطابية أيها السادة؟ إنكم تواجهون نظامًا لا يستطيع ابن امرأة في الكون أن يفتّ معه خبزًا في مجال الخطابة، فهو الذي ورث الخطابات عابرة القارات عن منهزمي الـ 67 الذين كانوا ينسحبون من القنيطرة والجولان، كيفيًا، وفي الإذاعة يجبرون جيش الاحتلال الصهيوني على تجرع مرارة الهزيمة مرددين أغاني العز والفخار: ميراج طيارك هرب، مهزوم من نسر العرب… وبفيتنام راحت نص أمريكا ونحنا راح نكمل على الباقي.. ولم يكتفِ بوراثتها، بل طورها إلى حد أن الأمناء العامين لأكثر من عشرة أحزاب شيوعية وقومية وقومية سورية أمسوا يجتمعون في قاعة كبيرة، ويحيون مهرجانًا خطابيًا، ليكيلوا المدائح للرجل الذي أصدر أمر الانسحاب الكيفي من القنيطرة والجولان، حافظ الأسد، ولوريثه من بعده!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة