“كي لا أبقى معلقة"

زوجات سوريات يتسلحن بـ “العصمة” لمواجهة الحرب

camera iconقاض يحل قضية طلاق في المحكمة الشرعية في دمشق - 6 آذار 2016( AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صبا الحسن

لم يمض على زواج هبة أشهرًا قليلة حتى طُلب زوجها للخدمة العسكرية، فاضطرت للسفر إلى تركيا معه، ومنها رحل الزوج وحيدًا إلى السويد حيث أقام هناك، متناسيًا، على حد قولها، زوجة تحمل في أحشائها جنينًا سيحمل لقب عائلته التي لم تعد تريدها، بعد تخلي زوجها عنها.

هبة واحدة من عشرات النساء ممن أصبح مصيرهن مجهولًا بعد اعتقال أو سفر أو اختفاء الزوج، فسبع سنوات من الحرب في سوريا كانت كفيلة بتغيير أنماط وركائز المجتمع السوري من الداخل، بل وإفراز إجراءات جديدة عليه لم تكن شائعةً من قبل، أحد هذه الإجراءات هو التفويض بالطلاق، أو وضع “العصمة بيد الزوجة” كما يسميها البعض، والتي أصبحت رائجة في المحاكم السورية وأحد أهم الشروط التي تفرضها الفتيات على خاطبيهن عند تثبيت عقد الزواج في المحاكم الرسمية.

أظهرت بحة صوت هبة أثناء حديثنا معها حجم الأسى والحزن الذي عايشته، فآخر اتصال من زوجها كان منذ قرابة السنة، بعد أن وعدها بالعمل على إجراءات لم الشمل فور ملامسة قدمه أرض أوروبا، إلا أن القدم زلت والوعود أُخلفت، بعد انقطاع أخباره وتوقف اتصالاته.

“وضعت لغياب اتصالاته أسبابًا عديدة، قلة أمواله، انشغاله بالعمل المتواصل (…) حتى وصلني من أحد معارفي خبر زواجه من أخرى”، نزل هذا الخبر مثل الصاعقة على هبة، قررت بعدها العودة إلى سوريا والبدء بإجراءات الطلاق كون العصمة بيدها.

تنتظرهبة الآن انتهاء إجراءات الطلاق لتبدأ بعدها حياةً جديدة، وتنصح كل فتاة مقبلة على الزواج بأن تحذو حذوها وتضع شرط العصمة بيدها أساس عقد الزواج.

العصمة في القانون السوري.. إضافات لا معنى لها

اطلعت عنب بلدي على قانون الأحوال الشخصية السوري، ورأت فيه أن الأصل في الطلاق أن يكون بيد الزوج، إلا أن المادة 87 من القانون تطرقت إلى أنه يجوز للزوجة تطليق نفسها في حالتين: الأولى تفويض كامل في حال اشترطت هي ذلك في عقد الزواج، ولا يحق للزوج إرجاعها لعصمته في هذه الحالة، والثانية هي توكيل الزوج لزوجته بتطليق نفسها، ويجوز له أن يرجع عن توكيله بالطلاق متى شاء وفي أي وقت، وهي الحالة الأكثر شيوعًا في سوريا.

المحامية أحلام، كانت تعمل في قضاء دمشق وفضلت عدم ذكر اسمها الكامل، قالت إن القانون لم يذكر صراحةً عبارة “العصمة بيد الزوجة”، بل أعطاها الحق بوضع أي شرط ترغب به عند كتابة عقد الزواج على ألا يكون مخالفًا للقانون، وغير ملزم للزوج، بمعنى أنها إذا اشترطت مثلًا أن تكون “العصمة بيدها” في عقد الزواج، وتم فسخ العقد لا يحق لها الرجوع لزوجها بنفسها بل تحتاج لعقد جديد ومهر جديد، مثل العقد الأول تمامًا.

كما أنها لا تستطيع، كما هو شائع في المجتمع، أن “تطلقه” شفهيًا، كحقه في ذلك بقوله “أنت طالق”، بل تحتاج إلى رفع دعوى تفريق، وبعلم الزوج باعتباره سيستلم هذه الدعوى ورقيًا، أما في حال قام الزوج بتفويض الزوجة بتطليق نفسها شفهيًا أو توكيلها بذلك كتابيًا فإنها بكل الأحوال لا تستطيع ذلك إلا عن طريق رفع دعوى التفريق آنفة الذكر.

وبذلك، ووفقًا لرأي المحامية، تختلف الطرق والنتيجة واحدة، فإن وضعت الزوجة شرط “العصمة بيدها” في عقد الزواج أو دفع الزوج لتفويضها أو توكيلها بتطليق نفسها، تحتاج لرفع دعوى تفريق أو مخالعة، أي من الناحية العملية لا يحكم القاضي بالتفريق بينهما إلا بعد مضي 30 يومًا من دعوتها المرفوعة، أما الزوج فله الحق وفقًا للقانون بـ “الطلاق الإداري” من دون علم الزوجة، أو بـ “دعوى التفريق”.

الفقد يعزز مطالب العصمة بيد الزوجة

التقت عنب بلدي في وقت سابق بأم عبد الله، التي بادرت بالقول “اعتقلت قوات الأمن السورية زوجي على الحدود السورية- اللبنانية عام 2014 أمام عيني”.

وتتحدث أم عبد الله عن اللحظة التي شكلت نقطة تحول في حياتها، إذ كانت في أول شهر من حملها الأول، ولم يمض على زواجها أكثر من ثلاثة أشهر، غير أنها أعيدت وحيدة إلى دمشق مع قرار “حظر من السفر”، وفي صيف العام ذاته، اضطرت إلى السفر إلى تركيا بطريقة غير شرعية، لضغوط أمنية مرتبطة بكونها زوجة معتقل، لتقضي أعوامها التالية متنقلة بين منازل الأقارب، ومنازل السكن الجماعي للفتيات.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان 117 ألف معتقل سوري بالأسماء، إلا أن التقديرات تشير إلى أن العدد يفوق حاجز 215 ألف معتقل، غالبيتهم موجودون في معتقلات النظام السوري، ولا وجود لإحصائيات ولو تقريبية عن أعداد المتزوجين من المعتقلين أو المفقودين.

وشهدت المحاكم السورية الحالية طلبات كثيرة لإنهاء عقود زواج من زوجات مفقودين لأسباب مختلفة، كحاجة الزوجة للسفر مع أبنائها خارج الوطن أو الحاجة المادية للزواج مجددًا، فما هو طريق النجاة في هذه الحالة؟

وفقًا للمحامية فإن طلب التفريق من قبل الزوجة باعتبار الزوج مفقودًا لا يجوز بالقانون السوري، لأنه يشترط تبليغ الزوج بالمعاملة وتسلمه أوراقها في مكان معروف، لكن زوجات المفقودين يلجؤون في هذه الأيام إلى إحدى طريقتين: إحداهما رفع دعوى تفريق باعتباره مفقودًا، وبشرط مضي سنة كاملة على هذا الغياب. أما الطريقة الثانية، فهي الانتظار أربع سنوات على فقده، ويعتبر بهذه الحالة وفقًا للقانون متوفيًا، وبالتالي عقد الزواج منتهيًا.

إلا أن بعض الزوجات يلجأن وبشكل مخالف للقانون إلى التكتم على فقد الزوج ورفع دعوى تفريق، وفي حال عدم حضوره جلستين متتاليتين يتم الحكم لصالح الزوجة والوصول إلى حكم التفريق.

أما أم عبد الله، فتؤكد أن طفلها، الذي يبلغ من العمر عامين ونصف العام، هو ما يدفعها بشكل أساسي للحصول على التفريق، والزواج مجددًا، بعد أن واجهت مصاعب كبيرة في الغربة، وأدركت أنه لا يمكنها تأمين حياة كريمة لطفلها، “ما لم تحصل على الاستقرار وتحظى بالأمان”.

70% نسبة الطلاق في زيجات “العصمة بيد الزوجة”

أكدت مصادر قضائية ارتفاع نسبة الطلاق في سوريا بشكل ملحوظ مسجلة في بداية العام الحالي 40 ألف حالة معظمهم في دمشق وريفها، وفق ما نشرت صحيفة “الوطن”، في 31 تشرين الأول الماضي.

وأشارت المصادر إلى أن ربع هذه الحالات حدث بسبب غياب الزوج فترة طويلة عن زوجته “لأسباب أمنية”، بينما 75%منها كانت بسبب خلافات عائلية بين الزوجين.

وبحسب تصريح القاضي الشرعي الأول بدمشق، محمود المعراوي، فقد بلغت نسبة الطلاق في الزيجات التي تكون فيها العصمة بيد الزوجة حوالي 70%، لذلك دعا القاضي الشرعي الأول النساء إلى جعل العصمة بأيديهن، في حالات محدودة، منها تسجيل الزواج عرفيًا تفاديًا لصعوبة تسجيله في المحكمة نتيجة ظروف الحرب، ما يتيح للزوجة تثبيته فيما بعد، أو حالة “لم الشمل” مثلًا، أو حتى طلاق نفسها فيما بعد، على حد قوله.

ودرءًا للمشاكل التي ظهرت في المجتمع بالآونة الأخيرة، وجه المعراوي نصيحة للنساء باشتراط أن تكون العصمة بيد الزوجة في حال زواجه بأخرى، كي تستطيع تطليق نفسها متى شاءت.

خيارات العصمة “شرعًا” وأوجه الفرق بينها

لم تكن هنادي فضل (اسم مستعار) تعرف خاطبها من قبل، فاختارت أن تكون العصمة بيدها عند كتابة عقد الشيخ، وقالت “اشترطت أن تكون العصمة بيدي في عقد الشيخ، إلى أن يثبت العقد في المحكمة”.

ورغم عدم اشتراطها الحصول على العصمة لاحقًا في عقد المحكمة، لم تندم على هذه الخطوة، بل أسرّت لنا بأنها ستفعل ذات الشيء عند تزويج ابنتها، ففيه “حفظ لحقوق المرأة وتسهيل لمعاملة تفريق المرأة عن خطيبها، في حال رغبتها بذلك ورفض الرجل له”.

للعصمة في الشرع ثلاثة وجوه، وضحها المحامي الشيخ والدكتور في القانون الدولي، أبو الخير شكري، عندما فرق لعنب بلدي بين “التوكيل” الذي يجوز فيه للزوج أن يوكل المرأة بتطليق نفسها، ويمكن له في هذه الحالة أن يسحب الوكالة ويعزل المرأة عن التوكيل إن أراد. وبين “التمليك”، إذ يمكن للزوج أن يملك المرأة أمر نفسها، كأن يقول لها “جعلت أمرك أو طلاقك بيدك”، ولها في هذه الحالة أن تطلق نفسها طلقة أو أكثر متى تريد، إلا أن الزوج لا يستطيع في هذه الحالة أن يعزلها عن التمليك.

وينبثق عن التمليك “التفويض”، وهو اسم من أسماء التمليك، إلا أن الفارق الوحيد بينهما عند علماء الشافعية أن الزوجة ينبغي لها أن تفوض نفسها في مجلس العقد، فإن لم تمتلك تفويض نفسها في ذلك المجلس بطل التفويض.

أما الوجه الأخير للعصمة فهو “التخيير”، الذي يضع المرأة في خيار البقاء مع الزوج أو الفراق، بأن يقول لها “اختاريني أو اختاري نفسك” فلها أن تفعل من الأمرين ما أحبت، فإن اختارت الفراق كان طلاقها ثلاثًا، وحالُ التخيير كالتمليك ليس للرجل أن يسحبه من الزوجة.

ويحق للمرأة شرعًا طلب العصمة شرط أن يتم ذلك بعد انتهاء كتابة العقد، لأن الرجل لا يجوز له أن يوكل المرأة أو يملكها أو يخيرها إلا بعد أن يمتلك هو ذلك، وهو لا يمتلك هذا الحق قبل العقد، فتطلب بعدها المرأة من الزوج أن يفوضها أو يخيرها أو يملكها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة