الجولاني مساعدًا لبشار الأسد

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

قلنا سابقًا في أكثر من موضع، حلب ستكون آخر معارك الثورة السورية ضد نظام بشار الكيماوي. ومعارك إدلب بين جبهة النصرة وأحرار الشام في منتصف العام الماضي، والتي انتهت بتفكيك الأخيرة، ستكون آخر معارك الثورة السورية على الإطلاق، وقد كان للثورة حينها فرصة نادرة وهي تدخل تركي يتيح للمعارضة البقاء في بقعة ما من الجغرافيا السورية ويجنب إدلب مصائب الحرب التافهة على الإرهاب، التي رأينا كوارثها في الموصل والرقة وبقية حواضرنا ومدننا التي أصبحت بفعل العالم المتحضر دور خراب.

وقد كان يظن المرء أن صدمة هزيمة حلب الكبرى ستكون دافعًا للفصائل لتوحيد صفها وتغليب المشروع الوطني على أي مشروع آخر، وهو ما كان سيتيح لها بطبيعة الحال مواجهة القاعدة (التي كان يراهن البعض على تغيرها أساسًا) والنظام، وفرض نفسها كطرف مفاوض في مفاوضات لا شك أنها ستميل لصالح النظام.

بيد أن هذه الخيارات، وهي ليست خيارات مثالية بطبيعة الحال ولكن الرمد أفضل من العمى، لم تعد متاحة اليوم مع إصرار المجاهدين على القضاء على المسلمين أينما أرادوا أن يتحرروا، فقد رفض الجولاني السماح للقوات التركية بالتقدم وأصر على تهيئة الأوضاع لمعركة لن يصمد فيها أمام النظام السوري المدجج بطائرات روسيا وميليشيات إيران.

والمتتبع لمسار القاعدة سيرى أنها استطاعت بخسة لا يملكها إلا أخوة منهج السلفية الجهادية تفويت كل فرصة على الثورة السورية، وقد أسهمت من خلال خطابها في حشد جماهير الثورة بمعارك معروفة النتيجة، ولعل هذه ميزة عامة في السلفية وبقية الحركات المتأثرة بالمملكة العربية السعودية، بل لعلها السياسة السعودية نفسها أيضًا. باختصار، غباء في السياسة، وتصدير خطاب المعارك الكبرى وكسر العظام بأجسام الرخويات.

وقد رأينا هذا الغباء في معركة حلب على سبيل المثال، فقد -ونقول قد- كان بالإمكان تجنيب المدينة هذا المصير الكارثي أو تأخيره لو وافقت جبهة النصرة على الخروج من المدينة، وقد كان رفض النصرة للخروج محقًا بالمناسبة، فالنظام وداعموه أهل غدر وخيانة، ولكن هذا الرفض لم تتبعه النصرة بصمود، بل تسابقت مع غيرها من المنسحبين بأمر التركي إلى الباصات الخضراء كأنها لم ترعد وتزبد قبل يومين وتوجه التهديدات للشرق والغرب كمن هو قائم على جيش لا يعرف أوله من آخره.

واليوم يكرر الجولاني ذات السيناريو، فقد رفض دخول الأتراك إلى إدلب كما هو متفق عليه في اتفاقيات تخفيف التوتر، وهو محق في هذا من ناحية المبدأ، فليس صحيحًا ولا وطنيًا -لا يعترف الجولاني بالأوطان أساسًا- السماح بدخول أي قوة أجنبية إلى الأرض السورية، والمفروض والحالة هذه أنك إذن مستعد لدخول معركة طاحنة مع النظام السوري وحلفائه لن يكون لك سند فيها إلا نفسك وهذا أيضًا محق من ناحية المبدأ، أما أن تخوض كل هذا بدعم شعبي غير متوفر، وحرب شرسة على بقية الفصائل أصابت الجبهات بالخلل والضعف وبخطاب قاعدي في عالم مهووس بالحرب على الإرهاب، فهذا لا يعني إلا مساعدة بشار الأسد لإعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، وهذا ما يبدو أن الجولاني يفعله عن سابق إصرار وتعمد… وقلة ضمير.

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة