سوريون “طفشوا” من السعودية.. وتركيا “أفضل الموجود”

حجاج سوريون في غازي عنتاب التركية - 22 آب 2017 (عنب بلدي)

camera iconحجاج سوريون في غازي عنتاب التركية - 22 آب 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام الأسعد

اعتمد الكثير من اللاجئين والنازحين السوريين على أقاربهم المقيمين في السعودية لدعمهم وتخفيف وطأة الحرب عنهم، لكن اليوم انقلبت الحكاية.. فأصبح مقيمون قدامى في المملكة يبحثون عن مساعدة أقاربهم اللاجئين في تركيا لإيجاد منزل ودراسة المصاريف بأقل الخسائر للانتقال إلى البلد الجديد.

نحو مجتمع قانوني “بلا مخالفات” و”بلا تجاوزات” أطلقت الحكومة السعودية سلسلة من الحملات والقرارات التي قلبت حياة الوافدين رأسًا على عقب، وقيدت إمكانية العيش في ظروف أقل ما يقال عنها “مناسبة”، لأشخاص تركوا بلادهم إما لتأمين “عيشة كريمة” أو هربًا من الحروب والنزاعات الدائرة في بلادهم.

غرامات مالية وتضييق في سوق العمل واستحالة الحصول على إقامة كان كفيلًا بالقيام بواجب “التطفيش” من بلد ظل على مدار عقود من الزمن محط أنظار الباحثين عن صنع ثروة، فكانت المملكة وجهة المغتربين الأولى من مختلف أنحاء العالم نظرًا لرواتب، كانوا يرونها مغرية، وقلة تكاليف العيش فيها، ما يعني إمكانية ادخار أموال من الراتب.

“وطن بلا مخالف” نحو مجتمع “قانوني”

مسلسل التضييقات على الوافدين في السعودية، تحت دعوى المجتمع القانوني، كان له وقع أكبر على السوريين المقيمين على الأراضي السعودية، بعد تجاوز عددهم 2.5 مليون سوري، معظمهم مقيمون قدامى، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية السعودية عام 2015، رغم تشكيكات حقوقية بصحة تلك الأرقام.

بدأت السعودية قراراتها بحق الوافدين حين أطلقت وزارة داخلية البلاد حملة “وطن بلا مخالف”، في آذار 2017، والتي تشمل إعفاء مخالفي الإقامة من الوافدين من غرامات المخالفة مقابل خروجهم من البلد.

واستهدفت الحملة، التي انتهت في تموز 2017، المتأخرين عن المغادرة والذين لا يملكون إقامة، ممن دخلوا المملكة بموجب تأشيرة حج وعمرة أو زيارة أو عبور، إضافة إلى من عليه تبليغ “هروب”، قبل الإعلان عن الحملة.

ولم يُستثنَ السوريون من الحملة، كما جرت العادة في السنوات الماضية، وفق ما أكد مقيمون في المملكة لعنب بلدي.

القانون الأصلي لمخالفي الإقامة كان ينص على معاقبة المخالفين والمتسللين عبر الحدود، بالترحيل ودفع غرامة 15 ألف ريال، وتتضاعف الغرامة مع تأخر تسليم الشخص نفسه، لتصل إلى 50 ألف ريال للمخالف و100 ألف للمتسلل، إضافة إلى السجن لستة أشهر.

إلا أن تلك الحملة جعلت الخيارات محدودة أمام السوريين المخالفين لنظام الإقامة، ما يعني أنه يتعين عليهم إما أن يغادروا الأراضي السعودية إلى بلدان محدودة تسمح للسوريين بالدخول دون فيزا، أو العودة إلى سوريا، أو أن يبقوا مخالفين ويتجنبوا الملاحقات الأمنية قدر المستطاع.

ومع انتهاء الحملة، أعلنت الحكومة السعودية عن استفادة ما يزيد عن 750 ألف وافد مخالف من هذه الحملة، دون وجود أرقام عن عدد السوريين منهم.

أطفال المخالفين بلا مدارس

طالت التشديدات الأمنية أروقة المدارس في المملكة مع انتشار قرارات تمنع على الأطفال المخالفين لنظام الإقامة الالتحاق بالمدارس سواء كانت حكومية أو خاصة أو حتى الدولية منها، ما اضطرهم إلى تسجيل أطفالهم في مدارس غير نظامية وغير مرخصة تجنبًا للملاحقات.

إلا أن المدارس المخالفة لم تطمئن أهالي الأطفال أيضًا، وطالتها الملاحقات الأمنية عبر حملات تفتيش عدة تشنها الوزارة باستمرار، وفق ما قالت السيدة السورية نهال المقيمة في المدينة المنورة.

نهال، وهي أم لطفلين، قالت لعنب بلدي إنها اضطرت لإخراج طفليها من مدرسة مصرية غير نظامية خوفًا عليهم من تلك الحملات التي يقودها رجال أمن سعوديون.

وأضافت “كل يوم أرسل طفلي إلى المدرسة وأشعر بتوتر كبير لحين عودتهم، أخاف عليهما من أي مداهمة، ما اضطرني إلى إخراجهم من المدرسة المهددة بالإغلاق بأي لحظة”.

ولدى سؤالنا عن إمكانية تسجيلهم في مدارس أخرى، قالت نهال إن الأمر مستحيل تمامًا بغض النظر عن تكلفة المدارس الخاصة والدولية، والتي تصل إلى آلاف الدولارات، فحتى المدارس التي تتقاضى مبالغ كبيرة ترفض استقبال أي طفل دون أن يكون حاملًا وذويه للإقامة.

رسوم “المرافقين” تثقل كاهل الوافدين

فرضت المملكة العربية السعودية، مطلع تموز 2017، رسومًا شهرية على مرافقي المقيمين من مختلف الجنسيات على أراضيها، ما يوجب على الوافدين الذين يعملون بموجب “إقامة عمل” دفع مبالغ مالية عن كل شخص يرافقهم حتى وإن كان يحمل إقامة.

الحكومة السعودية ارتأت فرض رسوم “بسيطة” يدفعها المقيمون على مرافقيهم بحدود 100 ريال (26 دولارًا تقريبًا) عن كل شخص في بداية تطبيقه، إلا أنها ستزيد كل عام باطراد حتى تصل عام 2020 إلى 400 ريال شهريًا عن الشخص الواحد.

وأبدى مقيمون سوريون تخوفهم من القرار، كما أكدت عوائل لعنب بلدي نيتها مغادرة المملكة خلال الفترة المقبلة، إذ يترتب عليهم دفع مبالغ مالية إضافية، في ظل وجود آلاف السوريين حاملي تأشيرة الزيارة.

لذلك يتوجه بعض السوريين وآخرون من جنسيات مختلفة للعمل على حسابهم الخاص، في ظل فرض المملكة رسومًا شهرية على المرافقين للوافدين إلى أراضيها، وتصف السعودية من يعمل لحسابه الخاص بـ ”العمالة السائبة”.

علياء، سورية مقيمة بمدينة الرياض، قالت إن التضييق على الوافدين، كان وقعه أكبر على السوريين لقلة الخيارات المتاحة أمامهم في بلاد اللجوء.

واعتبرت أن الرسوم المفروضة على المقيمين ما هي إلا غيض من فيض من سلسلة تضييقات، شملت سوق العمل عبر “سعودة” مجالات مهنية عدة أصبحت حكرًا على المواطنين السعوديين، بالإضافة إلى غلاء الأسعار وفرض ضريبة “القيمة المضافة”، حتى أصبح المصروف أكبر بكثير من الدخل، على حد قول علياء.

من السعودية إلى تركيا.. “بلدان أحلاهما مر”

بحثًا عن أقل الأضرار الممكنة اتجه تفكير السوريين المقيمين في السعودية، حتى القدامى منهم، نحو السفر إلى تركيا والاستقرار فيها، باحثين عن مغريات لم تتوفر لهم في بلاد الحرمين.

ورغم يقينهم بأن الحياة في تركيا ليست بالمستوى المطلوب، وسط صعوبات معيشية وقانونية، إلا أنهم رأوا أن العيش فيها سيخرجهم نهاية المطاف بأقل الخسائر الممكنة.

هذا التحول نحو بلد نقيض تمامًا للبلد الذي كانوا يعيشون فيه، يحتاج منهم إلى دراسة طويلة، وفق ما قالت نهال لعنب بلدي، كون تكلفة الفيزا من السعودية إلى تركيا مرتفعة جدًا وقد تكلفهم كل ما يملكون، ما يعني أنهم سيبدأون من الصفر في البلد البديل.

نهال قالت إن تكلفة الفيز إلى تركيا ستصل مع زوجها وطفليها ما يقارب 50 ألف ريال سعودي، ومع ذلك أكدت لعنب بلدي أنها ستغادر السعودية، خلال الشهرين المقبلين، بحثًا عن فرص تعليمية جيدة لأطفالها، وبحثًا عن “راحة البال”.

وأضافت “اقترح علي زوجي أن يبقى هو في السعودية وأستقر أنا وأولادي في سوريا، إلا أنني رفضت ذلك، وأرى في تركيا أفضل بكثير من هذا الخيار، رغم صعوبات العيش فيها”.

أما علياء التي تنوي أيضًا السفر إلى تركيا، رغم تحذيرات أقاربها هناك، قالت “مهما صعب الأمر في تركيا فإنه لا يقارن بالسعودية”، وتابعت “بالوقت الحالي العيش في السعودية أسوأ بكثير من تركيا، وحتى من سوريا”.

وأشارت إلى أن المقيمين السوريين في السعودية الذي استقروا على أراضيها منذ عشرات السنين بدأوا يفكرون بالخروج منها أيضًا، إلى دول قليلة مازالت تستقبل سوريين.

وختمت حديثها “الوافدون في السعودية يدفعون الرسوم والضرائب من مدخراتهم وليس من دخلهم الشهري، وبعد فترة سوف يقترضون المال لدفع ما عليهم، لذا علينا أن نتدارك الأمر عبر السفر إلى تركيا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة