سوريو الجولان المحتل في مواجهة انتخابات “الأسرلة”

أهالي الجولان السوري في مواجهة مع جنود إسرائيليين (JameJam)

camera iconأهالي الجولان السوري في مواجهة مع جنود إسرائيليين (JameJam)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- رهام الأسعد

من منطلق الدولة “الديمقراطية القائمة على حرية الاختيار”، أعادت الحكومة الإسرائيلية فتح ملف تجنيس السوريين في الجولان المحتل، الملف الذي كان يغلق دائمًا في وجهها بمجلس الأمن الدولي، مستغلة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها سوريا، مخاطبة عقول السوريين بأن “بقاءكم في ظل الحكومة الإسرائيلية أفضل من بقائكم تحت ظل حكومة تستجدي السيادة الوطنية”.

وبناء على ذلك قررت وزارة الداخلية الإسرائيلية إجراء انتخابات محلية في قرى الجولان المحتلة، يكون للمواطنين هناك الخيار في حيازة هوية وجواز سفر إسرائيلي، على أن تُجرى هذه الانتخابات في تشرين الأول 2018.

وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، قال إن الانتخابات تهدف لـ “تمكين المواطنيين في الجولان من اختيار ممثليهم بحرية وديمقراطية”، عبر انتخاب سلطات محلية تجعلها تابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية، وفق ما نقلت صحيفة “إسرائيل اليوم”، الثلاثاء 9 كانون الثاني الجاري.

وتحاول إسرائيل منذ عام 1967 التمهيد لإقامة سلطات محلية منتخبة تابعة للداخلية الإسرائيلية، ما يعني فرض سيادتها المدنية والجغرافية على تلك الرقعة من الأراضي السورية عبر تهويدها وإجبار المجتمع الدولي على الاعتراف بذلك.

وعمدت الداخلية الإسرائيلية، بعد أن فقدت الأمل، إلى تعيين مجالس محلية مؤقتة من أجل إدارة شؤون السكان، إلا أن السوريين هناك يقاطعون هذه المجالس خشية اعتمادها بشكل رسمي من قبل السلطات الإسرائيلية، ولأن رؤساء هذه المجالس غالبًا يتعاونون مع السلطات الإسرائيلية.

وطبقًا لما قالته صحيفة “إسرائيل اليوم”، فإن وزير الداخلية الإسرائيلي أرسل، في تموز الماضي، رسالة إلى رؤساء تلك المجالس أبلغهم فيها أن وزارته تقوم حاليًا ببحث وضع المجالس المؤقتة لحين موعد الانتخابات الرسمية.

 سوريو الجولان:
هم سوريون تسعى إسرائيل منذ عقود إلى منحهم هويات وجوازات سفر خاصة بأبناء الدولة العبرية، في محاولة منها إلى “شرعنة” وجودها على الأراضي التي تحصلت عليها بعد حرب الأيام الستة عام 1967، في الجولان السوري ومرتفعاته.

تبحث الحكومة الإسرائيلية باستمرار عن ظروف مواتية تُحكم من خلالها قبضتها على قرى الجولان التي قررت إسرائيل “منفردة” اعتبارها ضمن حدودها الشمالية، وبعد فشلها في انتزاع اعترافات دولية بضم هضبة الجولان إلى أراضيها، ركزت جهودها على ضبط حياة المدنيين في تلك القرى، على أمل أن تنتزع الاعتراف من الأهالي أنفسهم، ضامنة عدم الصدام العسكري على الحدود.

هل أصبح الجولان “أصغر” قضايا السوريين؟

دائمًا كانت مساعي “أسرلة” الجولان تواجَه برفض من السوريين القلة الذين بقوا تحت الوصاية الإسرائيلية، وغالبيتهم من أبناء الطائفة الدرزية ومشايخها، الذين يستنكرون فرض المواطنة الإسرائيلية على قراهم المحتلة، وهي مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قنيا.

الصحفية والكاتبة السورية ليلى الصفدي قالت إنه من المعلوم أن سكان الجولان رفضوا هذا القرار وقاوموه في مختلف مجالات حياتهم منذ اللحظة الأولى وعلى مدى العقود الماضية.

وأضافت، في حديث إلى عنب بلدي، أن الجديد في الموضوع الآن أنه يأتي في سياق النتائج “الكارثية” للثورة السورية، والتي حولها النظام وداعموه إلى حرب شاملة دمرت أركان الدولة والمجتمع وأثارت النعرات الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، أصبح معها الجولان المحتل اليوم “أصغر قضايا السوريين”.

من هنا، وجدت السلطات الإسرائيلية فرصة سانحة لتمرير مشاريعها المبيتة باتجاه “أسرلة” الجولان، مستشعرة انهيار الارتباط المكاني مع الوطن لدى الجولانيين وابتعاد آمال الرجوع والتحرير، خاصة عند الأجيال الشابة، وفق ما قالت الصفدي.

وتابعت “بالطبع تأتي الانتخابات للسلطات المحلية كخطوة مهمة للإسرائيليين على هذا الطريق، طريق دمج الجولانيين ومصالحهم بعجلة النظام الإسرائيلي أكثر فأكثر”.

وبالحديث عن دور المرجعيات والزعامات السورية في الجولان المحتل، اعتبرت الصفدي أن العديد من بين المتحمسين لرفض الانتخابات ومواجهتها ينطلقون من مصالح “ضيقة”.

وتابعت “يمكن الحديث هنا عن زعامات تقليدية وشخصيات اجتماعية مرتاحة لمبدأ التعيين، لأنه كان ومايزال يتم بالتشاور معها، وبالتالي فإنه يحقق لهم النفوذ والسلطة والمصالح من وراء الكواليس”.

نظام “سلمي” يشتكي للأمم المتحدة

رغم الاعترافات الدولية والأممية بقيام دولة لليهود بغض النظر عن حدودها، مازال المجتمع الدولي يرفض، وإن كان رفضًا شكليًا، قرار ضم الجولان للسيادة الإسرائيلية واعتبارها جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل، القرار الذي سنه الكنيست الإسرائيلي عام 1981، في عهد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغن.

في العام ذاته، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا رقمه 497، أجمعت فيه الدول الأعضاء على رفض ضم قرى الجولان للأراضي الإسرائيلية بحكم الأمر الواقع.

وجاء في إحدى فقرات هذا القرار “قرار إسرائيل فرض قوانينها وولايتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السوري المحتلة لاغٍ وباطل وليس له أثر قانوني دولي”.

وتفاديًا للصدام العسكري مع إسرائيل وتحفظًا منه على مبدأ “حق الرد” على الانتهاكات الإسرائيلية بحق السيادة السورية، يشتكي النظام السوري مرارًا للأمم المتحدة من قرارات تتخذها إسرائيل لإحكام السيطرة على الحياة المدنية في الجولان السوري، مطالبًا إياها بمغادرة هذه الرقعة.

إذ فضّل النظام اتباع أسلوب “دبلوماسي سلمي” عبر إرسال رسائل للأمم المتحدة، باسم الخارجية السورية، يدعو فيها مجلس الأمن إلى وقف الانتهاكات الإسرائيلية في الجولان السوري والانسحاب من أراض هي بالأساس ضمن “السيادة السورية”.

وكانت آخر شكوى تقدم بها النظام السوري للأمم المتحدة، في تموز الماضي، حين قال “لم تكتف إسرائيل بدعمها الفاضح والمعلن للمجموعات الإرهابية المسلحة، خلافًا لكل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأزمة في سوريا”، وتابع، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية (سانا)، “بل عمدت (إسرائيل) مؤخرًا إلى إصدار قرارات جديدة تتعلق بنية تل أبيب إجراء انتخابات لما تسمى المجالس المحلية في قرى الجولان السوري المحتل وفق القانون الإسرائيلي”.

الرد الأممي كان مكررًا وواضحًا في هذا السياق، إذ أصدر المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، مسودة ورقة، عام 2016، جاء في نصها الأول تشديدًا على “احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، وأضاف “الشعب السوري مازال ملتزمًا باستعادة مرتفعات الجولان المحتلة بالوسائل السلمية”.

ومع ذلك فإن الجيش الإسرائيلي كثف، في السنوات الأخيرة، استخدامه لتلك الأراضي في هجمات يشنها على مواقع تابعة لجيش النظام وحلفائه، في إشعار منه إلى التنبه لمصالح إسرائيل في المنطقة.

رفض إسرائيلي في صف الشعب والمجتمع الدولي

يرفض أهالي الجولان الولاية الإسرائيلية عليهم تحت مبدأ التمسك بالهوية السورية، رغم أنهم خاضعون بشكل أو بآخر للقوانين الإسرائيلية، التي تحكم حرية تنقلاتهم، وتمنعهم من دخول الطرف السوري إلا لأسباب تتعلق بالدراسة والحج وضمن شروط معينة.

ورغم الصورة العامة التي تعكس تعايش أبناء الجولان مع الوضع الراهن، لم تستطع حكومة إسرائيل انتزاع أي اعتراف بشرعيتها منهم، خاصة بعد بيان رسمي صدر باسم “أبناء الجولان”، في تموز الماضي، أكدوا خلاله رفضهم المطلق للقرار الإسرائيلي بإجراء انتخابات محلية.

وجاء في البيان أن الرفض يأتي “استنادًا إلى إرثنا الوطني الناصع، آخذين بعين الاعتبار سلمنا الأهلي وثوابتنا الوطنية، وتمسكًا منا بالهوية السورية للجولان أرضًا وشعبًا، ووعيًا منا لأبعاد هذا القرار الذي يرمي الى إضفاء الشرعية على مؤسسات غير شرعية أصلًا تمثل سلطة الاحتلال”.

ومع ذلك حمَل رفض الانتخابات، إلى جانب الطابع الشعبي والدولي، طابعًا إسرائيليًا، وفق ما ترجمت عنب بلدي عن صحيفة “إسراييل هيوم” (إسرائيل اليوم)، قولها إن قرار الداخلية بإجراء انتخابات في الجولان المحتل قوبل بضغوط عديدة مارستها جهات عدة.

من بين تلك الجهات التي ذكرتها الصحيفة كان جهاز “شاباك” أو “شين بيت”، أي جهاز الأمن العام الإسرائيلي، الذي فضل الإبقاء على الوضع المدني في الجولان على حاله، أي قبل عام 1967، خاصة أن هذا الجهاز يزعم أن مهمته في الجولان هي “منع العمليات التخريبية المعادية لسكان المنطقة”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة