tag icon ع ع ع

شكّل “الكرت الأبيض” المرتبط بوكالة “أونروا” وثيقة لإثبات الهوية بالنسبة لمئات الآلاف من الفلسطينيين في دول الشتات، وحلقة اتصال أممية بالوطن الأم، وحاملًا مهمًا لقضيتهم بعد مرور 70 عامًا على هجرة الأجداد.

فإلى جانب دورها في دعم اللاجئين الفلسطينيين ماديًا وعلميًا، استطاعت “الوكالة” أن تشغل جزءًا مهمًا من حياة الفلسطيني اليومية، وترتبط بمختلف مراحل حياته على مدى 67 عامًا.

فضلًا عن ذلك، كان لخصوصية مفهوم “اللاجئ الفلسطيني” التي رسختها “أونروا” دورًا عمليًا في استمرار الحديث عن “حق العودة” إلى فلسطين، حتى بالنسبة لأبناء الجيلين الثالث والرابع بعد النكبة، والذين سمعوا عن بلدهم الأصلي من الآباء والأجداد، وحملوا هوية بلدهم المضيف إلى جانب “الكرت الأبيض”.

ولعل هذه الدلالات المعنوية لأونروا لم تأخذ شكلها الحالي إلا بعد الضغوط المالية التي عانتها الوكالة، إلى جانب الحديث عن إمكانية إغلاقها وإحالة أعمالها إلى “مفوضية اللاجئين” (UNHCR).

وعلى الرغم من دخول “أونروا” سابقًا على خط المعارك السياسية خلال فترات عدة من عملها، إضافة إلى صدور عدد من التقارير التي شككت في سياستها المالية، إلا أنّ تهديد وجودها أثار حفيظة الفلسطينيين حول العالم.

أونروا و”المفوضية” ضمن صفقة القرن

تأسست “وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين” عام 1950، وهو العام ذاته الذي شهد انطلاقة “مفوضية اللاجئين”، لتعنى الأولى بشؤون الفلسطينيين المهجرين من بلدانهم، والأخرى بقضايا باقي لاجئي العالم.

وتركز “اونروا” أعمالها في قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان والأردن وتحظى بدعم مالي كبير من دول عدة أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية.

لكن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وعقب اعترافها بالقدس كعاصمة لإسرائيل، قررت اتخاذ مجموعة من الخطوات العقابية تجاه السلطة الفلسطينية التي رفضت القرار وحاولت حشد أصوات دولية في مجلس الأمن ضده، فأعلنت عن تجميد 125 مليون دولار، من مساهمتها في ميزانية الوكالة المخصصة لشؤون السلطة الفلسطينية.

ويرى مسؤولون في منظمة “فتح” أن الخطوة الأمريكية لا ترتبط بموقف الحكومة الفلسطينية من إعلان ترامب وحسب، بل تأتي في سياق الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ودول إقليمية على رأسها السعودية من أجل تحقيق “صفقة القرن” القائمة على إنشاء وطن بديل للفلسطينيين وتحقيق السلام الكامل مع إسرائيل.

وحركت التطورات الأخيرة توترًا في العلاقات بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، على خلفية الضغوط السعودية على عباس للقبول بالصفقة الجديدة.

ويشير مسؤولون فلسطينيون إلى أن السعودية تسير على خطى الولايات الأمريكية نحو قطع الدعم عن “أونروا”، إذ نقلت صحيفة “الخليج أون لاين” عن قيادي في حركة فتح قوله “وصلتنا بعض المعلومات الرسمية أن ثالث أكبر ممول لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وهي السعودية، ستجمد تمويلها بشكل تدريجي، حتى يتوقف بشكل كامل خلال الشهور القليلة المقبلة”.

وفي حال استمر الضغط على وكالة “أونروا” إلى حين إغلاقها سيتم تحويل ملف اللاجئين الفلسطينيين إلى “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (UNHCR)، ما سيساهم في رمي أعباء خمسة ملايين فلسطيني على عاتق المنظمة الأخيرة التي تواجه بدورها ضغوطًا هائلة في ظل موجات الهجرة العالمية.

ووفق ذلك فإن الأعباء التي ستترتب على الأردن ولبنان ومصر ستكون فوق قدرة هذه الدول على التحمل، كونها تستضيف حاليًا مئات آلاف السوريين، وهو ما تعول عليه الولايات المتحدة بشأن قبولها “صفقة القرن” مع عجزها على تحمل التبعات الاقتصادية لوجود عدد كبير من اللاجئين على أرضها دون دعم دولي كافٍ.

“حق بلا عودة”

مع استمرار ارتباط “أونروا” كمنظمة إغاثية إنسانية بالفلسطينيين، فإن ذلك يعني أنها تسهم بحفظ ارتباط المستهدفين من خدماتها بقضية فلسطين، وتضعهم في حاجة مستمرة إلى “عودة” على اعتبار أنهم “لاجئين”.

فيما يدور اليوم الحديث عن محاولة أمريكية- إسرائيلية للقضاء على فكرة “حق العودة” عبر توطين الفلسطينيين في دولهم المضيفة، أو إعادة قسم منهم إلى دويلة جديدة في شبه جزيرة سيناء المصرية.

القيادي في “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، سامي أبو زهري، اعتبر أن القرار الأمريكي بتجميد التمويل المخصص “أونروا” يهدف إلى تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

ولا تخص هذه المخاوف “حركة حماس” وحدها بل تتشاركها مع منظمات إنسانية دولية عدة وناشطين فلسطينيين وعرب أبدوا قلقهم إزاء محاولات وأد حق العودة لدى الفلسطينيين، خاصةً عقب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي دعا خلالها إلى إغلاق الوكالة بحجة أنها “تُبقي أزمة اللاجئين الفلسطينيين حية”.

لكن اللاجئين الفلسطينيين الذين لم يتجاوز عددهم 700 ألف بعد نكبة عام 1948 أصبحوا اليوم خمسة ملايين يعيش جزء كبير منهم في دول جوار فلسطين، ما يعني أن قضيتهم لا يمكن أن تُحل بحلّ “أونروا”.

لكن الفلسطينيين يعولون اليوم على الموقف الذي يمكن أن تتخذه السلطة الفلسطينية تجاه القرارات الأخيرة، كما يُنظر إلى الموقف الأردني على أنه يمكن أن يكون عامل تأثير مهم في الدفع من أجل استمرار عمل “أونروا”

مقالات متعلقة