انقراض الكرت والصابونة

تفضلوا إلى العرس السوري إلكترونيًا

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صبا الكاتب

“لو كان لدي الخيار لما اعتمدت هذه الطريقة، لكن ما كان باليد حيلة”، تقول نيروزة عن رأيها بدعوة زفافها، الذي جرى قبل ثلاثة أشهر في مدينة الحسكة السورية، فالضيق سيطر على كل شيء فيه، بدءًا من أموال خطيبها وأهله وانتهاءً بمكان الحفل وقلة مدعويه.

في وقت تضج به وسائل التواصل الاجتماعي بحفلات “باهرة” لزفاف بعض العائلات في سوريا، اندثرت الكثير من عادات أعراس سوريا لأسباب اقتصادية، مع زيادة الفوارق المادية وتراجع إمكانيات الطبقة الوسطى.

طرق الدعوة للأفراح كانت من الأمور التي تأثرت خلال سنوات الحرب، بعدما كانت في العديد من المناطق تركز على كرت يسجل فيه أهل العروسين تفاصيل الدعوة، بمكانها وزمانها وأشخاصها، أو عن طريق الزيارات المكوكية لأهل العروسين لدعوة الأصدقاء والأقارب والجيران.

تعا ولا تجي

من الأمور المسلم بها في الشمال السوري، اعتبار دعوة الناس إلى الحفل عن طريق الهاتف أو إلكترونيًا قريبة من المثل الشعبي “تعا ولا تجي”، وتندرج في إطار “التقليل” من قيمة المدعوين للعرس، وفق عدد من الأهالي الذين تحدثوا إلى عنب بلدي، إذ يضع المجتمع زيارة العريس ووالدته لبيوت المدعوين ودعوتهم الكلامية أمرًا مستحبًا لا يستعاض عنه بأي وسيلة أخرى.

إلا أن شواذ هذه القاعدة تكمن في قبول الدعوة الهاتفية فقط لقاطني الأماكن البعيدة عن موقع الحفل، كأهالي حمص وحماة، البعيدين نسبيًا عن محافظة إدلب.

اغسل يديك من العروسين

في بعض مناطق سوريا، كمدينة التل شمال دمشق، لا تقارن أهمية كرت الدعوة فيها بـ “الصابونة”، التي تهدى إلى المعارف قبيل الزفاف، لعدة أهداف، من بينها الإشارة إلى “غسل اليدين من العروسين بعد اليوم”، والذين بدأت حياتهم معًا بالولادة من جديد، مخاطبة المهدى إليه بألا يرفع سقف آماله ومطالبه منهما بعد الآن.

الواقع يتغير.. انقراض أم تجديد؟

مع سيطرة التكنولوجيا على العديد من الأمور الحياتية، بلغت حد الدخول بمجال دعوات الحفلات، وساعدها في ذلك أجواء النزاع التي باعدت بين المناطق جغرافيًا واجتماعيًا، أصبحت مهمة إيصال كرت الحفل شاقة، قد يكلف دفع فاتورتها في بعض الأحيان أرواح موزعيها.

وهو الأمر الذي حول كروت الدعوات إلى طبق أكل الدهر عليه وشرب، لتترك لتطبيقات التواصل مهمة تبليغ الضيوف بالحفل، ما يوفر الوقت والمال والمجهود.

بعد انطلاق الثورة في 2011، انحسرت حفلات الزواج مراعاة لمشاعر عائلات الشهداء والمفقودين، إلا أنها بدأت للعودة مع طول المدة وهدوء بعض الجبهات، كما في درعا جنوبي سوريا.

لكن عودة الحفلات لم تنسحب على طرق الدعوة لها، وبدأ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ينشط وينظم أكثر، فتخصصت بعض الصفحات المحلية للقرى بنشر دعوات الزفاف بتفاصيلها.

دعوتك مؤشر على طبقتك

في العاصمة دمشق اختلف مفهوم كرت الدعوة عند البعض، إذ أصبح مؤشرًا على ما تملك العائلة من أموال، وبحسب قيمته تولد الانطباعات عن يسر حال الداعي وفخامة حفله.

وتتراوح أسعار بطاقة الأفراح “العادية” في دمشق وسطيًا بين 100 و150 ليرة، في وقت يقدر متوسط الرواتب بـ 35 ألف ليرة.

ليس بعيدًا عن دمشق، تستجدي بعض المناطق بقايا الحياة كغوطة دمشق، فمآذن الجوامع فيها التي تصدح بأسماء الضحايا بغارة جوية أو غيرها، هي نفسها التي تعلن عن حفل ينذر بإنشاء أسرة جديدة.

وتبنّى العديد من الأهالي قبول التقشف في التكاليف، فلم يعودوا يشترطون المثالية في تفاصيل الحفل، كما كان البعض منهم سابقًا.

في زفاف نيروزة بالحسكة في بيت عمها، دعي ثلّة من الأقرباء عن طريق المكالمات الهاتفية وقليل من الأصدقاء على لائحة أحباء حسابها في “فيس بوك”، كحال زفاف أخيها الذي سبقها، وهو ما يؤكد اقتصار الدعوات الحالية على أقرب المقربين، على عكس ما كان قبل الأزمة يبلغ حد الترحاب بأي إنسان حتى لو كان من الدول المجاورة.

نهايات لا مفرّ منها

يحتج مؤيدو الغزو الإلكتروني أن بطاقات الدعوة سينتهي بها المطاف غالبًا إلى حاويات القمامة، مهما بلغت تكلفتها، ولن تبقى منها غير الذكرى، بعكس الإلكترونية التي ستظل باقية طالما رغبت بذلك، كما أن كل شريكين مقبلين على الزواج يبحثون دائمًا عن التجديد والخصوصية والابتعاد عن التقليدية، وهو ما سيجدونه في الدعوات الإلكترونية.

كما أن الغزو الإلكتروني لا يخلو من السلبيات، التي وصل حد الاختصار فيها إلى “عزيمة” أشخاص قد يبعدون عنك مسافة عدة خطوات، سعيًا للتقليل من تكليف النفس وتخفيف أعبائها قدر الإمكان، دون الأخذ بالاعتبار تقلص نتاج التواصل الاجتماعي.

ورغم الحزن الطاغي على ذكريات حفل نيروزة، إلا أنها تحمد الله على زوجها الذي طغت سعة أخلاقه الحميدة على أمواله الضئيلة، فحياة ما بعد الحفل أهم برأيها من التفاصيل قبله.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة