حروب الآخرين فوق رؤوسنا

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

السعار القومي والعنصري ضد السوريين، وضد العرب الذي يثيره الكثيرون من مثقفي الكرد من جماعة البي كي كي، أو داعش الصفراء، صار ملفتًا للنظر. فحربهم مع الأتراك تمرّ بشتم العرب وتحقيرهم، واعتبارهم مجرد شعب بعثي، أو شعب داعشي متطرف، رغم أن الشعب الكردي نفسه، والأحزاب الكردية تدفع الثمن غاليًا معنا بسبب هذه الداعش الصفراء.

لقد رقص أتباع أوجلان فوق جثث موتانا، وفوق بيوتنا المهدمة في الرقة، متحدين مشاعر الناس ومأساتهم بشكل يثير التساؤل، هل هؤلاء حقًا من يدافع عن قضية الشعب الكردي، وهل هؤلاء هم من سيجلب السلام إلى المنطقة التي زهدت من الحروب وتداعياتها، هل حقًا هؤلاء مناضلون في سبيل قضية عادلة، أم مجرد مرتزقة ودواعش بلون أصفر، يستمتعون بتحقير الآخرين وبالاستهزاء بمشاعرهم، ويستغلون اللحظة الحالكة، والمتاحة لهم بفضل الطائرات الأمريكية، وبفضل إرهاب داعش السوداء، نظيرتهم، التي شبعت استفزازًا للناس وللعالم، وبحقد فقهي أوردها إلى الهزيمة التي تستحقها.

أوجلان أوعز لحزبه ولأنصاره بمحاربة السوريين، واحتلال قراهم ومدنهم، وبتهجيرهم، واعتبارهم أجانب في بلدهم، وأخذ دور داعش فيها ريثما تحين ساعة الصفر بإعادة الحرب إلى قلب تركيا.

لسنا معنيين بحرب أوجلان مع تركيا، ولن يكون أبناؤنا جزءًا من هذه الحروب المقبلة، والتي لن تنتهي خلال قرن مقبل، فلماذا تقتحمون بلادنا وتورطون بعض كرد سوريا، باستفزازات لن تجر علينا وعلى بلدنا إلا الخراب والدمار، وهذه الحرب في عفرين تقع فوق السوريين، وتقتل السوريين وتدمر بيوتهم، فعفرين جزء من سوريا، وفيها أكثر من سبعمئة ألف مواطن سوري. واحتلالها من قبل البي كي كي يشبه احتلال الرقة من قبل داعش، الذي هجّر أهلها، واستفز السوريين، والعالم جميعًا، بأهدافه المشبوهة، وتسبب بدمار مدينة الرقة، التي كان يسكنها مليون إنسان من أهلها، ومن النازحين إليها من السوريين قبل وصول داعش السوداء إليها.

لقد تدخل الإيرانيون في سوريا، من أجل أن يُخضعوا ثورة الشعب السوري، ولينتقموا من أوهام دينية وقومية تكرس تحقير العرب أيضًا، وتحقير معتقداتهم، واتجاهاتهم الدينية والحياتية، ولم يجن الإيرانيون ولن يجنوا إلا الهزيمة، رغم كل المليارات التي صرفوها على شبيحة الأسد وجلاديه.

وتدخّل الروس في سوريا من أجل أن ينهبوا ثرواتها، ومن أجل أن يسيطروا على الموقع الاستراتيجي لها، ومن أجل أن يحاربوا أمريكا وأوروبا، لأنهم اعترضوا على احتلال روسيا للقرم ولأجزاء من الدول المجاورة لها.

وتدخّل الأتراك في سوريا من أجل أن يمنعوا قيام دولة كردية تفتح جبهات للحرب ضدهم، وتمهد لتفكيك الدولة التركية بدعم أمريكي وروسي، كما يقولون.

تدخّل تجار الدين والجهاد في سوريا، من أجل أن يدربوا كوادرهم على القتل، وعلى العمليات الإرهابية التي يوزّعونها عبر العالم، بعد أن وزّعوا ألغامهم، وفتاويهم تحت كل جدار، معتبرين أن تدمير العالم هو مهمتهم الأولى، لأنه لم يقبل بفتاواهم، ولا بأمرائهم، ولا بأوهامهم الحقودة.

تدخّل حزب الله اللبناني في سوريا من أجل أن يفتح طريق طهران البري إلى بيروت، وليدعم شبيحة الأسد ضد الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة.

وتدخّل الخليجيون في سوريا من أجل أن يهزموا بعضهم بعضًا، ووزعوا السلاح والعتاد والرشاوى على الأطراف المتقاتلة من أجل تأبيد هذه الحروب، التي تحصد كل يوم المزيد من السوريين.

لقد تدخل الاشتراكيون والماركسيون العرب في سوريا، وأرسلوا وفودهم ومفكريهم، تعزيزًا لدور النظام في هزيمة شعبه، وهزيمة أوكار الإمبريالية والصهيونية العالمية، واليمين الرجعي، وما إلى ذلك من ثوابت تاريخية، وستالينة، في تحقير البشر واعتبارهم مجرد ديدان تعيق تطبيق الاشتراكية العلمية.

وتدخل القوميون في سوريا، قلعة الصمود والتصدي، وقلب العروبة النابض، الذي تمثله مخابرات عائلة الأسد وشبيحتهم، وانكبت صحفهم ومؤتمراتهم تصنف الشعب السوري، وتعتبره لا يستحق القيم القومية العظيمة التي ينادي بها البعث وشبيحة الأسد، وقد عرقل هذا الشعب الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وما إلى ذلك من ترهات قومية استعلائية ترسخ القيم النازية.

لقد صار بعض أبنائنا وقودًا لهذه الحروب الغازية لبلدنا، والتي جرّها نظام غاشم يضحّي بالناس وبالبلاد، وحتى بأعوانه من أجل أن تستمر عائلة الأسد في تخليد الظلم والقهر في سوريا.

وليست حرب أوجلان ضد الشعب السوري هي الأخيرة، ولن تكون حتمًا الأخيرة، فقد تحولت بلادنا إلى ساحة حرب لتدريب الكوادر العسكرية ولتجريب الأسلحة الحديثة والقديمة وتجريب الغازات الكيميائية، ومنظومات الصواريخ ضد المدن والقرى السورية.

هذه التشكيلة الواسعة من الحروب ما هي إلا مسرحيات تراجيدية، تطيل معاناة سوريا والسوريين، وهي لن تجعل الشعب السوري يرضخ مهما طالت هذه الحروب. فالسوريون الرافضون لأهداف هذه الحروب، هم من يجعل الانتصارات بين المتحاربين على أرضنا واهية، ولا قيمة لها، ولن تنفع أبدًا كل أنواع القذائف والصواريخ بتحقيق أهدافها.

وكذلك لن تنفع الأحقاد القومية والعنصرية ضد العرب، وضد السوريين، التي يبثها أنصار أوجلان والبي كي كي، ويستخدمونها كالغازات الكيميائية التي يستعملها النظام ضد السوريين، فهذه الأحقاد وهذه الحروب مصيرها إلى الزوال والخيبة، لأننا نرفضها، ونرفض استهتارها بوجودنا وبكرامتنا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة