لا إثبات لا وجود

“مكتومو القيد” في الحسكة يعيشون تبعات حرمانهم من الجنسية

camera iconمدنيون من مدينة القامشلي يجلسون على رصيف حي القوتلي – 30 كانون الثاني 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

جوانا عيسى – الحسكة

لم يغب إحصاء الـ 62 عن المشهد الكردي داخل سوريا، والذي وضع الكرد في محافظة الحسكة في تحدٍ مع إثبات الوجود، حرموا بموجبه من حقوق المواطن السوري في العمل والتوظيف والمشاركة بالسلك السياسي الحاكم في البلد.

إلى تاريخ 22 آب عام 1962 يُرجع كرد الحسكة جذور معاناتهم وتقييد حقوقهم في الحصول على حقوق المواطن السوري، أو الاندماج في المجتمع السوري، على أقل تقدير، حين صدر مرسوم تشريعي منح بموجبه بعض سكان الحسكة الجنسية السورية، فيما حرم آخرون منها، عرفوا بعدها بـ “مكتومي القيد”.

إحصاء “جائر” وليوم واحد

في آب عام 1962 أصدر الرئيس السوري الأسبق، ناظم قدسي، مرسومًا تشريعيًا حمل رقم “93” عرف بـ “إحصاء الحسكة” لدى الذين استفادوا منه، فيما أخذ اسم “الإحصاء الجائر” للذين حرموا من الجنسية بموجبه.

إذ أجرت الحكومة السورية حينها إحصاءً للسكان في محافظة الحسكة فقط ليوم واحد، كان من نتائجه انقسام السكان في المحافظة إلى ثلاثة أقسام، الأول يتمتع بالجنسية السورية، والثاني مجرد منها وتمت تسميته تجاوزًا بـ “السوريين الأجانب”، والثالث لم يرد ذكرهم في السجلات أبدًا وأدرجوا تحت عبارة “مكتومي القيد”، كونهم لم يستطيعوا إثبات وجود قيد لهم في سوريا.

هذا المرسوم طبق فعليًا بتاريخ 5 تشرين الثاني عام 1962، واستمر حتى حكم آل الأسد، بدءًا بحافظ الأسد ووصولًا إلى حكم نجله.

وبناءً على هذا المرسوم جُرّد أكثر من 400 ألف كردي من الجنسية السورية، وحرموا من كافة حقوقهم المدنية والسياسية، مع وجود بعض الاستثناءات التي دخلت الاعتبارات السياسية فيها، في عهد الأسد الأب.

محمد، عمره 74 عامًا، كان يتمتع بالجنسية السورية، وبين ليلة وضحاها أصبح أجنبيًا بموجب الإحصاء المذكور في وقت تزامن مع إنهائه الخدمة الإلزامية.

محمد قال لعنب بلدي “بعد خدمة 12 عامًا في القطاع العام في إحدى الشركات الحكومية تفاجأت بقرار فصلي من الشركة التي كنت أعمل بها، بسبب تجريدي من الجنسية السورية”، وتابع “صدر قرار من الجهات العليا بعدم الموافقة على تعيني كوني أجنبيًا كرديًا”.

إلا أنه بعد عام 2011، صدر مرسوم تشريعي آخر يقضي بمنح الجنسية للأجانب وليس إعادة الجنسية لهم، ما دفع محمد إلى تقديم كافة الثبوتيات إلى الجهات المختصة، والتي قضت بضرورة تعويضه عن سنوات الخدمة، إلا أنه لم يتم تعويضه حتى الآن، حسبما قال.

حقوقيون نادوا بإلغاء إحصاء “62”

منظمات حقوقية وناشطون كرد اعتبروا أن إحصاء “62” كان غير منصف بحق عدة مواطنين ولدوا لأم وأب سوريين إلا أنهم لم يستطيعوا إثبات ذلك لأسباب عدة.

عنب بلدي تحدثت إلى المحامي رضوان سيدو، الذي وصف القانون الاستثنائي بأنه “انتهاك لحقوق الإنسان وخرق للمواثيق الحقوقية”، مستندًا في ذلك إلى مواثيق دولية ترفض مصطلح “مكتومي القيد” وترفض حرمان أشخاص من الجنسية، باعتبارها أبسط حقوق الإنسان منذ ولادته.

من جانبه، أوضح العضو في “الحزب الديمقراطي التقدمي” (الكردي)، فارس عثمان، أن بعض سكان الحسكة كانوا بالأساس مواطنين يتمتعون بالجنسية السورية، ولدوا في سوريا من أب سوري وأم سورية.

وأضاف في حديثه لعنب بلدي، أن الكثير منهم أدوا الخدمة الإلزامية، ورغم ذلك تم تجريدهم ونزع الجنسية السورية منهم، كما حرموا من أبسط حقوقهم في الحصول على المواطنة، علمًا أن الدستور السوري يعطي الطفل مجهول الأبوين حق الجنسية السورية، على حد قوله.

وتابع، “ذلك الدستور لا يطبق منه شيء على أرض الواقع، لذلك نتج عنه مواطنون عاشوا في سوريا منذ سبعين سنة من أب سوري وأم سورية ومع ذلك حرموا من حق الجنسية”.

كيف أثر الحرمان من الجنسية على الكرد؟

وفقًا لإحصائية سكانية صادرة عام 2011 عن حكومة النظام السوري، بلغ عدد الأجانب الكرد 400 ألف شخص حرموا من الجنسية السورية التي تبعها حرمان من كافة الحقوق المدنية والسياسية.

المحامي رضوان سيدو شرح لعنب بلدي آثار ذلك على الكرد، بقوله إنهم حرموا من حق العمل والتوظيف وحق المشاركة في الحياة السياسية، فضلًا عن حق الملكية إذ لا يستطيعون تملك الأراضي والمنازل، وتم تقييد منازلهم التي كانوا يعيشون فيها قبل تجريدهم من الجنسية على أنها أملاك دولة.

وتابع سيدو “لم يكن يسمح لهم بالزواج إلا بموافقة أمنية، بالإضافة إلى ذلك لم يكن يسمح لهم بالسفر أو حتى النوم بالفنادق”.

أما العضو في “الحزب الديمقراطي التقدمي”، فارس عثمان، لخص معاناة “مكتومي القيد” بعدم قدرتهم على تسجيل أطفالهم في النفوس، ما يعني وجود جيل كامل من مجهولي الهوية، حرموا من حقهم في التعليم، إذ لم يكن يعطى لـ “مكتوم القيد” وثيقة الشهادات الإعدادية والثانوية، كما حرموا من الالتحاق بالجامعات السورية.

ماذا حصل في عهد الأسد الابن؟

مع بداية الثورة السورية عام 2011 “صدر مرسوم تشريعي من رئاسة الجمهورية بمنح الجنسية السورية، وليس إعادتها، إلى من يعرف بـ “الأجانب الكرد”، وهناك فرق كبير بين “منح الجنسية وإعادة الجنسية”، بحسب المحامي سيدو.

فإعادة الجنسية تعني إعادة كافة الحقوق إلى المواطن السوري وتعويضه نتيجة تجريده من الجنسية السورية، لذلك اعتمد النظام على المنحة فقط، التي يتمتع بموجبها المواطنون بحق المواطن السوري لكن دون تعويض.

فيما قال فارس عثمان إن هذا المرسوم التشريعي “لم يشمل مكتومي القيد وذلك لعدم ذكرهم في السجلات المدنية”، مشيرًا إلى أن النظام السوري اعتمد على الإحصاء السابق ولم يقم بإحصاء جديد، لذلك مازال المكتومون محرومين من حقوقهم المدنية.

من جانبه، قال حسن علي عثمان، سوري كردي مكتوم القيد، إن المرسوم التشريعي الذي صدر عام 2011 لم يشملهم.

وتحدث محمد عن معاناته بأن لديه خمسة أطفال غير مسجلين في السجلات المدنية ولا يملكون سوى شهادة التعريف الموقعة من المختار، ويقول محمد “نحن محرومون من كافة حقوقنا المدنية ولا نستطيع تسجيل ممتلكاتنا بأسمائنا، كما لا نستطيع حتى النوم في الفنادق، ونواجه صعوبة بتسجيل أطفالنا في المدارس كما لا يمنحونهم الشهادات الابتدائية والإعدادية”.

محمد يرى أن الحصول على حق الجنسية أصبح حلمًا بالنسبة له ولأمثاله، وتمنى أن يكون هناك اعتراف دستوري بحقوق مكتومي القيد ليشعر بالانتماء، وليضمن مستقبل أفضل لأولاده.

أما أم محمد، سيدة كردية مكتومة القيد هي وزوجها، تقول “هل يوجد أكبر من هذه المعاناة؟ نحن نعيش هنا أكثر من 50 سنة وحتى الآن لا يعترفون بنا ولا يمنحوننا الجنسية”.

وأضافت “قضيتنا منسية ولا أحد يذكرها من المنظمات المدنية وحتى الأحزاب السياسية، يجب أن يعملوا لإعادة حقوقنا ولضمانها في الدستور السوري الجديد”.

المرأة الكردية وحق الجنسية في القانون السوري

لا يحق للمرأة السورية، عكس الرجل، منح جنسيتها لأطفالها، الأمر الذي انعكس سلبًا على المجتمع الكردي، وفق ما قال المحامي رضوان سيدو، مشيرًا إلى أن المرأة الكردية حين تتزوج من رجل كردي جُرد من هويته فإنها تبقى عزباء في السجلات المدنية ولا تستطيع منح الجنسية لأطفالها من هذا الزواج.

وأضاف “المجتمع الكردي هو الذي دفع الثمن من هذا القانون بوجه آخر”.

مروى الحسيني، امرأة كردية تحمل الجنسية السورية متزوجة من رجل كردي جُرد من جنسيته السورية، تتحدث لعنب بلدي عن معاناتها في صعوبة المحافظة على عائلتها وأولادها، لأن القانون السوري لا يمنحها حق نقل الجنسية لأبنائها.

وتقول مروى إنها أم لثلاثة أطفال ومازالت عزباء في السجلات المدنية، فيما حرم أطفالها من حق التعليم، وأوضحت أن أيًا من أبنائها لم يحصل على شهاداته الإعدادية ولا الثانوية، محمّلة منظمات المجتمع المدني المسؤولية عن ذلك، لأنهم من وجهة نظرها أهملوا قضية المكتومين.

ودعت السيدة المنظمات إلى تنظيم حملات لإيصال صوت هذه الشريحة من سكان سوريا إلى المنظمات الحقوقية الدولية، “لكي ينظر العالم بأكمله إلى معاناتنا نحن البؤساء المحرومين من أبسط حقوقنا، حق المواطنة”.

أصحاب نفوذ جُردوا من الجنسية

طال مرسوم الرئيس السوري الأسبق ناظم القدسي، المستند إلى إحصاء عام 1962 في الحسكة، شخصيات اعتبارية وأصحاب نفوذ في سوريا في تلك الفترة، ولعل أبرزهم الجنرال توفيق نظام الدين، رئيس الأركان العامة للجيش في سوريا، وفق ما قال المحامي رضوان سيدو.

كما أن غالبية أفراد عائلة إبراهيم باشا، والذين كان كبيرهم أحد أعضاء مؤسسي المجلس التأسيسي للبرلمان السوري عام 1928 جُردوا أيضًا من الجنسية السورية وفق ذلك المرسوم، حسبما قال العضو في “الحزب الديمقراطي التقدمي” (الكردي)، فارس عثمان.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة