tag icon ع ع ع

فريق التحقيقات في عنب بلدي

“اكسر رأس السويداء وابق في الحكم”، مقولة كانت متداولة في فترة الانقلابات قبل وصول حزب “البعث” إلى السلطة في سوريا، إلا أن حال المحافظة مع تعقّد المشهد السياسي والعسكري في سوريا أحالها منطقة “معزولة”، رهن التوقعات والتكهنات، ولم تنل نصيب جارتها درعا التي كانت وجهة الإعلام عند انطلاق الحراك السلمي ضد النظام السوري.

وبعيدًا عن أهمية المحافظة الاجتماعية والشأن الذي تشغله في النسيج السوري، بوصفها “عاصمة الطائفة الدرزية”، حيّدت السويداء عن القرارات والمفاوضات من جانب النظام والمعارضة، أو اهتمامات الدول المؤثرة في الملف السوري.

اليوم تشهد المحافظة تغييرات عسكرية وأمنية من شأنها فرض مرحلة ومستقبل جديد، وعليه، تحاول عنب بلدي الوقوف على الظروف التي مرت بها السويداء لتصل إلى الواقع الحالي، والمستقبل الذي تنتظره، سواء بفرض ما كان موجودًا قبل سبع سنوات، أو الانتقال إلى صيغة جديدة ترتبط بشكل أو بآخر بالدستور الجديد الذي يتم الحديث عنه.

“الثورة” تُخمد بميليشيات البلد

لم تكن المظاهرات المطالبة بالحرية دخيلة على السويداء، يوم خرج أبناؤها في مظاهرات جابت شوارع المدينة وأكدت وقوفها إلى جانب جارتها درعا، وبقية المدن السورية.

انخرطت “حاضرة بني معروف” مبكرًا في الاحتجاجات، فكان اعتصام نقابة المحامين في28 آذار 2011، ليخرج طيف من مثقفيها في مظاهرات جابت المدينة في نيسان من العام نفسه.

المظاهرات لم تقف عند هذا الحد، فكانت مظاهرة القريا، مسقط رأس سلطان باشا الأطرش، في حزيران 2011، وامتدت إلى صلخد وشهبا وغيرها من مدن وقرى المحافظة، واعتقلت أفرع النظام بسبب المظاهرات عشرات الناشطين، وخاصةً بين عامي 2011 و2012.

بعد أشهر من مواكبة الحراك السلمي، اتبع النظام السوري خطة في “جبل العرب”، بتحجيم تدخل سلطته في قمع “الحراك”، وإفساح المجال لـ “الشبيحة” وميليشيات محلية من أبناء المحافظة لتولي المهمة.

“أبو ريان المعروفي”، ناشط وعضو شبكة “السويداء 24”، التي تغطي أخبار المحافظة بـ “صورة متوازنة”، اعتبر أن نقطة التحول في تاريخ السويداء كانت عام 2013 بعد دخول “الجيش الحر” إلى المحافظة بقيادة الملازم المنشق خلدون زين الدين، واندلاع معارك لعدة أيام انتهت بمقتل خلدون و20 عنصرًا من درعا والسويداء وعشرات القتلى من قوات الأسد.

ماكينة النظام الإعلامية روجت حينها أن المعركة كانت بقيادة “إرهابيين” وشيشان وأجانب، وبحسب “أبو ريان” كانت رواية النظام السوري عامل تخويف لأهالي المحافظة، واضطر قسم من المعارضين بعد المعركة لمغادرة البلد خوفًا من الاعتقال، إذ شهدت السويداء حينها توترًا أمنيًا غير مسبوق رافقه جمود في النشاط السلمي في بقية المحافظات.

نازحون من مدينة درعا أمام الفرن الآلي في مدينة السويداء – كانون الأول 2017 (عنب بلدي)

من وفيق ناصر إلى “زهر الدين”

حكمت المحافظة قبضة أمنية وعسكرية بعد تعيين العميد في قوات الأسد وفيق ناصر، قائدًا أمنيًا وعسكريًا للمنطقة الجنوبية، تزامنًا مع انطلاق المظاهرات المناهضة للنظام السوري، لتوصف السويداء بعد ذلك بأنها “مملكة ناصر”.

نهاية عام 2017، أصدر النظام السوري قرارات أمنية، كان بينها نقل ناصر من السويداء إلى محافظة حماة، ما يعتبر مرحلة جديدة في تاريخ السويداء على خلفية الخوف الذي زرعه في نفوس أهالي المحافظة منذ عام 2012.

وطالت السويداء حوادث اغتيال متكررة واتهم ناصر بالوقوف وراءها، كان أبرزها اغتيال الشيخ وحيد بلعوس (أبو فهد) مع عدد آخر من “مشايخ الكرامة”، وما تبعه من انفجارين استهدفا تجمعات للمواطنين في مركز المدينة، في أيلول 2015.

ووجه “رجال الكرامة” حينها اتهامًا لـ “زمرة وفيق ناصر وعصابة الأسد في السويداء”، بحسب بيانات صدرت عن الجماعة، وحملت البيانات اللجنة الأمنية مسؤولية الاغتيالات في المنطقة، إضافة إلى “زج الجبل في أتون المواجهة الدموية”.

بالتزامن مع إقالة ناصر برز اسم يعرب، نجل العميد القتيل في “الحرس الجمهوري” عصام زهر الدين، ضمن مبادرة لتسوية أوضاع المطلوبين والمنشقين في مدينة السويداء، على أن ينضموا إلى “الفرقة الرابعة” في تشكيل يقوده يعرب.

وتولى منصب البديل عن ناصر، العميد لؤي العلي، الذي يشتهر بأنه “ذو سمعة سيئة” في المنطقة الجنوبية، وكان رئيس فرع الأمن العسكري في درعا عند انطلاق الثورة، ومسؤولًا عن حالات اعتقالات وتعذيب، وقد تعرض لمحاولة اغتيال في درعا بعبوة ناسفة.

بحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي، فإن “حزب الله” اللبناني اتخذ قرارًا بإزاحة ناصر عن المشهد بالكامل، واستخدم في ذلك العميد أسامة زهر الدين وهو شقيق العميد القتيل عصام زهر الدين، بالإضافة إلى يعرب.

وعمل “حزب الله” على تعيين يعرب كمسؤول للمكتب الأمني للفرقة الرابعة في المنطقة الجنوبية، ليكون واجهة لتحركات الحزب وتجنيد المقاتلين.

مهمة يعرب كانت “إعادة نفوذ قوات الأسد إلى محافظة السويداء، وإعادة المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، والتخلص من الفصائل الدرزية، التي تشكلت في عهد ناصر، عبر دمجها بالفرقة الرابعة”، وهو المشروع الذي وضع “حزب الله” و”زهر الدين” إزاحة وفيق عن المنطقة الجنوبية شرطًا لتحقيقه.

لكن “أبو ريان” اعتبر أن يعرب لن يكون له دور بارز في السويداء، بل قد يتمكن من تشكيل ميليشيا ضمن “الدفاع الوطني” التابع لقوات الأسد.

وقال لعنب بلدي إن يعرب لم يستطع حتى اليوم استقطاب عدد كبير من شباب المنطقة، رغم المكانة التي يشغلها والده عصام، مستبعدًا أن يكون نفوذه على كامل المدينة، إذ تقتصر على الريف الشمالي حيث توجد عائلته، في حين تحكم بقية المناطق العشائر.

تتولى الأمور الأمنية اليوم داخل المدينة لجنة أمنية برئاسة محافظ السويداء، عامر إبراهيم العشي، وتضم رئيس فرع “حزب البعث الاشتراكي”، فوزات شقير، وقائد الشرطة، محمد سمرة إلى جانب رؤساء الأفرع الأمنية.

الزعامة في السويداء.. العائلات تحكم المحافظة

كانت السويداء قبل عام 2011 محكومة مثل أي منطقة أخرى من سوريا، بتحالف بين السلطات القائمة والزعامات التقليدية.

كان نفوذ مشايخ العقل كبيرًا لتمتعهم بعلاقة قوية مع الأفرع الأمنية، رغم أنها لم تكن علاقة ندية، إذ كانت السلطات الأمنية هي من تحرك المشايخ، وفق حديث الصحفي كرم منصور ابن محافظة السويداء لعنب بلدي.

بعد اندلاع الثورة كسر السوريون التابوات (المحرمات)، بمن فيهم أهالي محافظة السويداء، إذ شارك عدد كبير من الشباب بالحراك الثوري، مقارنةً بالمناطق الدرزية الأخرى في سوريا، وبالطبع وقفت السلطات الدينية ضد حراكهم، بحسب منصور.

وبقي الحال على ما هو عليه، حتى ظهور حركة “رجال الكرامة”، التي بدأت بين عامي 2013-2014، وروجت شعارًا بين الناس بأنهم حياديون، واعتمدت مبدأ “تحريم” الاعتداء على سكان المحافظة، ومشاركة سكانها كذلك في اعتداءات النظام ضد السوريين الثائرين، وفرضت هذه الحركة أمرًا واقعًا داخل المحافظة بقوة السلاح.

يوضح منصور أن جميع الأطراف في السويداء استجابت للأمر الواقع، نتيجة الخشية من شبح الحرب، وعمّ خطاب يتبنى دعوات الوحدة الوطنية، وينفي عن سكان المحافظة نيّة الانفصال إثر مطالبة بعض مكونات الشعب السوري بالاستقلال، لكن ما ميز هذه الفترة هو رفض “الخدمة الإلزامية”، مع ترك حرية مغادرة المحافظة لمن يرغب بالقتال إلى جانب أحد أطراف النزاع، وهو ما دفع بالعديد من الناس إلى الانضمام إلى هذه الحركة.

هنا بدأت محاولات زعزعة الوضع في السويداء، لا سيما من قبل النظام السوري، إذ دعم الأشخاص الخارجين عن سلطة القانون، الذين قاموا بدورهم بالتهريب والخطف وجرائم وانتهاكات أخرى.

كما نشط النظام خط التهريب عن طريق البادية لنقل مواد مثل الوقود، والسلاح والمخدرات، بين السويداء ودرعا، والمسؤولون عن هذه الظاهرة متعاونون مع السلطات الأمنية.

ولأن المواد الأساسية في السويداء يتم استيرادها من دمشق، فقد تمكنت العاصمة من فرض أتاوات كبيرة عبر حواجز الترفيق على المحافظة، وتقوم هذه الحواجز بمنح وصل لشحنات البضائع لحمايتها من الخطف بعد دفع الأتاوة، وفي حال الرفض، فإن جماعة ما ستكون بانتظار ناقلي البضائع على بعد عشرات الأمتار فقط، وهو ما أدى إلى تردي الوضع المعيشي في السويداء، وارتفاع الأسعار.

وبالرغم من الصعاب التي تواجهها المحافظة، إلا أنها باتت تشكل اليوم مساحة حرية أوسع مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، فهي تحوي بالفعل عددًا كبيرًا من المتخلفين عن الخدمة الإلزامية، ولأن نفوذ العائلات كبير في السويداء فقد تمكنوا من كف يد الأمن عن أبنائهم، الذين بات بمقدورهم اليوم التعبير عن آرائهم داخل حدود المحافظة دون الخشية من الاعتقال.

ويؤكد منصور أن نفوذ العائلات هو الأكبر في السويداء، ففي حال جرى اعتقال أحد أبنائها، تقوم فورًا بمحاصرة الجهة التي اعتقلته، والتهديد بخطف عناصر تابعين لها، وعمومًا تنجح هذه الطريقة دومًا باسترجاع المعتقلين.

لكن عرفًا عامًا كذلك شاع بين سكان المحافظة، يتعلق بالمتورطين بجرائم جنائية أو جنح، وليس بأصحاب الرأي السياسي، هؤلاء لا يلقون حماية أو مساعدة من المجتمع المدني، ولا يتحرك الأهالي لنجدتهم في حال تم القبض عليهم.

كابوس “الخطف” و”الخطف المضاد” بين الجيران

ظاهرة خطف المدنيين واحدة من أخطر صور الانتهاكات المنتشرة في الجنوب السوري بين المحافظتين الجارتين (درعا، السويداء)، ظاهرة يصفها الأهالي بالمنظمة والعلنية، باتت تداعياتها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية تهدد السلم الأهلي في المنطقة.

ووثق ناشطون من المحافظتين خطف نحو 406 مدنيين خلال عام 2017، كما تشير آخر إحصائياتهم إلى اختطاف نحو 23 مدنيًا من المحافظتين في شهر كانون الثاني 2018.

ووصل عدد المخطوفين بين كلتا المحافظتين في كانون الثاني 2017، إلى أكثر من 150 مخطوفًا في شهر واحد، تم الإفراج عن معظمهم عقب دفع فدية مالية، وقد انخفضت أعداد حالات الخطف في الأشهر التي تلت كانون الثاني، وعادت لترتفع مرة أخرى، فقد تم توثيق ما لا يقل عن 65 حالة خطف في آب 2017.

ومنذ كانون الثاني 2017 وحتى نهاية آب، حدث ما لا يقل عن 300 حادثة خطف، وذلك بحسب تقرير أصدرته منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بعنوان: “الخطف كأداة لتفتيت النسيج المجتمعي” ومصادر مطلعة أخرى.

ووفقًا لشهادات جمعتها المنظمة فإن ظاهرة الخطف هذه، تتم بإشراف المنظومة الأمنية والميليشيات المرتبطة بها في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام السوري، وتحت إشراف مجموعات مسلحة منظمة في المناطق التي تخضع لسيطرة قوات المعارضة المسلحة.

مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، وصف ظاهرة الخطف والخطف المضاد بأنها واحدة من أبشع الانتهاكات التي ظهرت بعد النزاع السوري، خاصة أنها تترافق في كثير من الحالات مع خروقات أخرى كالتعذيب والإخفاء القسري والقتل والابتزاز المالي وغيرها.

وأضاف لعنب بلدي أنه “من المهم الإشارة هنا إلى أننا لا نتحدث عن الخطف والخطف المضاد كتصرفات فردية، بل نتحدث عن عمليات منظمة يقوم بها أشخاص مرتبطون في معظم الحالات بمنظومة النظام الأمنية في محافظة السويداء، وآخرون مرتبطون بمجموعات مسلّحة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة”.

ولفت الأحمد إلى أن البشاعة الأخرى في هذه الظاهرة هي أن معظم المخطوفين يكونون ضحية لأهداف وغايات إجرامية، ويتم زجهم في هذه الدوامة، حتى إن بعض ذوي ضحايا المخطوفين أصبحوا منتهِكين آخرين، إذ قاموا بعمليات خطف مشابهة من أجل استعادة أحبائهم.

انكماش اقتصاد السويداء.. المشاريع حبر على ورق

غابت الاستثمارت عن المحافظة وتراجعت فرص العمل بعد 2011، وانقسم شبانها بين الهجرة والتطوع في ميليشيات “الدفاع الوطني”، وهو ما يشابه محافظة اللاذقية التي دفع الفقر فيها إلى الانضمام للجان الشعبية والأمن، وبالتالي استخدام هذه الأنظمة كحالة وجودية.

الصحفي سليم مرشد، من مدينة السويداء أكد لعنب بلدي أن المحافظة فقيرة وغير قادرة على إقامة مشاريع مستقلة، فقد كانت تعتمد في السابق على أموال المغتربين والمواسم، في حين أسهمت القروض الصغيرة في تأسيس مشاريع صغيرة خاصة قبل الحرب.

وبعد 2011 تغير الوضع الاقتصادي في المدينة إذ عانت من غلاء الأسعار ونقص المواد الأساسية وغلائها بسبب احتكارها من تجار الحرب المتعاونين مع القوى الأمنية النافذة، بحسب مرشد، الذي أكد أن ذلك، إلى جانب إسهام فرق العملة، أدى إلى حركة عمرانية يقودها التجار أكثر من كونها حركة اقتصادية فعالة.

كما أثر انتشار عصابات التشليح والخطف وطلب الفدية على إطلاق مشاريع كبيرة، بينما ازدهرت تجارة النفط والمحروقات، لتكون المحافظة صلة وصل بين مناطق سيطرة تنظيم “الدولة” في البادية والمنطقة الشرقية، إلى مناطق سيطرة المعارضة في درعا، ويتم ذلك بحماية وعلم رجال الأمن وضباط الأسد.

ونصبت “الفرقة الرابعة” في قوات الأسد حاجزًا عسكريًا قرب منطقة المسمية على الأوتوستراد بين دمشق والسويداء، صيف العام الماضي، وعمل على فرض مبالغ كبيرة “أتاوات” على البضائع الداخلة والخارجة من السويداء بحجة “الترفيق”، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار كون كافة البضائع تأتي من دمشق، ما دفع مشايخ العقل إلى التوجه نحو العاصمة، وهددوا بإزالة الحاجز بالقوة، فأوقف عناصر الحاجز “الترفيق” وقطع الإيصالات، مكتفين بمبالغ تتراوح بين ألفين و25 ألف ليرة على السيارة حسب نوع الحمولة، قبل أن ينسحب العناصر بشكل مفاجئ نهاية كانون الثاني 2018.

الحفاظ على توازن اقتصادي

أوضح مرشد أن الانكماش الاقتصادي واضح في المحافظة، والتأثر بسياسات النظام المتخبطة سواء في سعر صرف الدولار أو القرارات الاقتصادية المجحفة، لم يمكّن المحافظة ورؤوس الأموال من خلق أي متنفس لأي قطاع جديد في المنطقة، ولم تعد قادرة على خلق حالة سياحية كونها منعزلة، نتيجة اقترابها من درعا وإغلاق الحدود من طرف الأردن.

أما من جهة حكومة النظام السوري فقد وعدت خلال السنوات بمشاريع سياحية وزراعية واقتصادية وأن مشكلة البطالة في طريقها إلى الحل، لكن صحيفة “الوطن” المقربة من النظام قالت في تقرير لها في أيار 2015، إنه على أرض الواقع لم تشهد المحافظة أي مشروع واحد أعلن عن تنفيذه وخاصة مشروع تصنيع البراغي والسلاسل المعدنية الذي تمت الإشارة إليه على أنه المعمل الأول في الشرق الأوسط، وأنه سيؤمّن مئات الفرص من العمل، إضافة إلى مشاريع عديدة أعلن عنها لكن ألغيت تحت مسوغات بعدم وجود المادة الأولية.

كما توسّم أهالي المدينة بنقلة نوعية في اقتصاد المدينة بعد اقتراح رئيس غرفة التجارة والصناعة التابعة في السويداء، فيصل سيف، على حكومة النظام، افتتاح معبر حدودي بين سوريا والأردن كبديل عن معبر نصيب الحدودي في درعا، لكن الاتفاق لم ينفذ حتى الآن بسبب تأخيره من قبل الأردن.

رغم ذلك تحافظ السويداء على قدر من التوازن لا يخلخل حالة الاستقرار النسبي ضمن المحافظة، وهو ما يتم بضغط إقليمي على النظام، بحسب مرشد.

نازحو السويداء بين “التقييد” و”الترحيب”

سعى النظام السوري إلى تشويه سمعة السويداء فيما يخصّ استقبال النازحين من مختلف المناطق السورية، على الرغم من أن المحافظة تحتضن ما يزيد عن 70 ألف نازح، أغلبهم منخرطون في صلب المجتمع.

وبقيت السويداء إحدى أكثر المناطق السورية “أمانًا”، وذلك بالنظر إلى تحييدها عن العمليات العسكرية، ما جعلها هدفًا مهمًا للنازحين.

لكن بيئة النزوح، وإن كانت آمنة، لم تكن عند المستوى المطلوب، بالنظر إلى عوامل مختلفة أبرزها قلة الدعم الذي يصل النازحين من المؤسسات الإغاثية والجمعيات الإنسانية، إضافة إلى فقر المحافظة نسبيًا وتراجع فرص العمل.

زرع الشقاق بسندات الإقامة

بحسب الصحفي المقيم في مدينة السويداء سليم مرشد، فإن أغلب النازحين ضمن المحافظة من درعا وإدلب والقنيطرة وحلب، فيما لم يجد سكان المنطقة الشرقية من سوريا سبيلًا يوصلهم إلى المحافظة.

وكان عام 2016 سجّل أكبر عمليات تقييد النزوح الداخلي لعوائل كانت غادرت محافظة دير الزور والرقة، إضافة لعوائل من ريف حلب الشرقي وريف حمص وصلت عبر البادية السورية إلى شرق السويداء.

منع النظام عشرات آلاف المواطنين من الدخول إلى السويداء وأجبرهم على المكوث في بعض القرى ضمن الريف الشرقي، في ظروف إنسانية صعبة، وفق ما أكده ناشطون محليون.

إضافة إلى ترويج فكرة أن القادمين من المناطق الشرقية هم خلايا نائمة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، ما يمكن أن يخلّ بأمن المحافظة، فمُنع النازحون من المناطق الشرقية من الإقامة في المحافظة، وفيما بعد تم نقل جزء منهم إلى بلدة حرجلة، في ريف دمشق.

إضافة إلى ذلك، شدّدت حواجز النظام المنتشرة على مداخل السويداء إجراءاتها، وبحسب الصحفي مرشد، فإن النظام حاول أن يلعب على وتر إشعال فتنة بين أهالي السويداء والنازحين، إضافة إلى ترهيب القادمين إليها عبر سندات الإقامة التي يتم طلبها على الحواجز للإيهام أن هذه المنطقة مستقلة بذاتها ويجب أن يكون الدخول لها شرعيًا.

ورغم ذلك يرى مرشد أن “سياسية النظام لم تؤثر على أهالي السويداء، ولم تتغير بيئة التعايش في المدينة، بدليل عدم حدوث أي مصادمات أو مشاحنات تذكر بين الأهالي والنازحين”.

مال النازحين في جعبة الدولة

يؤكد مرشد لعنب بلدي أن بيئة النازحين في السويداء لم تسبب أي تغيير في الهوية الديموغرافية، ولا تتحمل المحافظة عبئًا كبيرًا في استقبالهم نتيجة اتساع مساحة الريف، إضافة إلى قلة عدد سكان المدينة أساسًا.

لكن العبء الأساسي يتحمّله النازحون أنفسهم مع قلة الدعم المادي المقدم لهم، وشحّ المواد الإغاثية التي تصل إليهم.

وتعدّ منظمة “الهلال الأحمر” أهم الجهات الداعمة للناحين، فيما تشاركها المنظمات المرتبطة بـ “يونيسكو” وجمعيات محلية صغيرة، وأفرع لجمعيات سورية كبيرة، في عمليات الإغاثة والدعم.

ويشير الصحفي مرشد إلى أن عمل بعض المنظمات “يحمل صفقات فساد كبيرة كون الوزارات والنقابات الحكومية هي الجهة الوسيطة بين المنظمات والأهالي”.

ورصدت تقارير وتحقيقات صحفية عدّة أحوال النازحين الصعبة في السويداء، في ظل ضعف قيمة المساعدات التي تصلهم، فيما يدور الحديث عن استغلال بعض المؤسسات الحكومية لأموال المنظمات والاستفادة من صفقات مالية ضخمة بحصص كبيرة.

معارِضة سورية: مستقبل السويداء مرتبط بالخارطة السياسية

أمام الظروف التي تمر بها المحافظة، تطرح التساؤلات عن المستقبل الذي يتنظرها.

أليس مفرج معارضة سورية وعضو في وفد جنيف

أليس مفرج معارضة سورية وعضو في وفد جنيف

عنب بلدي التقت المعارِضة السورية، أليس مفرج، ابنة مدينة السويداء، التي اعتبرت أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل السويداء بطريقة مستقلة كأنها كانتون مستقل، دون التطرق إلى مستقبل سوريا بالأكمل ضمن الخارطة السياسية التي تدور التساؤلات حول الشكل الذي ستتخذه.

وترى أن اللامركزية الإدارية قد تكون ناجحة نسبيًا في السويداء، فيما يخص الأدوات وتمثيل الأعضاء فقط، على خلاف المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة، والتي تدربت على أدواتها وعلى استلام المنطقة وحكمها بطريقة ذاتية، وبناءً على القدرات.

وكان النظام السوري عمل في 2011 على قانون الإدارة المحلية “107” ، لكنه لم يقره، بل تم تطبيقه في المناطق المحررة.

وأشارت مفرج إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ومن بينها السويداء حكمتها التصعيدات الفوضوية، وفقد الأمن منها، الأمر الذي أدى إلى آثار سلبية على رأسها القتل وحالات الاعتقال.

أمام التدخلات الدولية وفقدان القوى المحلية في سوريا لأي أوراق تستطيع من خلالها فرض واقع جديد على الأرض وبرؤية واحدة منها، اعتبرت مفرج أن التدويل وتقاسم النفوذ الذي ترسمه القوى الدولية الفاعلة له آثار سلبية ومخاطر على مستقبل المحافظة، وتساءلت على أي طرف ستحسب السويداء، مشيرةً إلى أن ذلك سيرتبط بخارطة الحل السياسي كأي منطقة خاضعة لسيطرة النظام السوري.

وأكدت أن ملف المحافظة لا يمكن فصله، إلا إذ وجدت لا مركزية إدارية في مشروع الفيدرالية الذي سيقر في الدستور المفترض التوافق عليه فيما بعد.

خرجت من السويداء بيانات وتصريحات سياسية، بحسب مفرج، وكان للمحافظة موقف جذري من مؤتمر سوتشي، وأثبتت حضورها بكل حالة مفصلية سياسية وآخرها في مفاوضات “جنيف”.

وفي السابق كان لها موقف عن طريق التجمعات السياسية، لكن حالة القمع التي اتبعها النظام السوري لم تساعد على ظهور شخصيات سياسية على الإعلام، رغم وجود شخصيات مثل “هيئة التنسيق الوطنية”، والتي كانت شريكًا سياسيًا منذ “الرياض 1”.

فيما يخص الحراك السلمي مطلع 2011، أشارت المعارِضة السورية إلى تحيز من قبل الفضائيات حول نقل أخبار المظاهرات من السويداء في سنوات الثورة الأولى، وابتعادها عن نشر التسجيلات المصورة التي كان الناشطون يرسلونها بشكل دوري.

وقالت إن الإعلام غيب السويداء عن خارطة المظاهرات السلمية، لأنه اعتمد فقط على استراتيجية تغطية المناطق الثائرة التي استخدم فيها النظام السوري الرصاص الحي والقتل المباشر.

وأضافت مفرج أنه لا يقل عن 30 شابًا قتلوا من المحافظة تحت التعذيب من قبل أجهزة النظام السوري الأمنية عدا عن المختفين قسريًا.

لم تكن السويداء ضمن دائرة النزاع لكنها جزء من الثورة، وبحسب مفرج، وجد فيها الموالي والمعارض، لكن النظام استطاع أن يثبت وجوده من خلال القتل والترهيب والاعتقال والقبضة الأمنية.

النظام السوري استخدم مفهوم “الدولة العميقة”، واستخدم الأقليات كواجهة شكلية في الحكم، عن طريق تسليمهم مناصب سياسية في جسم الدولة.

وأوضحت مفرج أن نظام الأسد اتبع أسلوب عزل المجتمع السوري عن الآخر، وتبنى المجتمع الدولي فكرته في حماية الأقليات والتي تذرع بها في حربه ضد المناهضين له.

وفيما يخص التهميش الذي طال السويداء من ناحية المناصب السياسية في دوائر الدولة، قالت مفرج إن عقلية النظام تركزت في الاعتماد على البرجوازية السنية من دمشق وحلب، وعلى العلويين الفعليين.

وتحدثت عن عصام زهر الدين والبروبوغندا التي روج لها النظام على أنه بطل قومي ومنع تقسيم سوريا، واستخدمه كي يظهره للمجتمع الدولي على أنه من الأقليات ويدافع عن سوريا ضد “الإرهاب”.

في بداية تثبيت حافظ الأسد وضعت أسس وضوابط للمناصب في الحكومة والجيش والأمن لأركان حكمه بعد الانقلابات والغدر والتصفيات.

ولم تكن السويداء بعد تصفية ضباط الجيش الفاعلين زمن حافظ الأسد في السبعينيات، من وجهة نظر السلطة، بحاجة لكل هذا التمثيل بالمناصب كما كانت قبل انقلاب حافظ.

وبالمقارنة بتعداد سكان المحافظات أو الطوائف والأعراق فإن السويداء قبل السبعين كانت الأكثر تمثيلًا وحضورًا في المشهد السياسي، وبرز فيها أسماء بينهم عبد الكريم زهر الدين وفهد الشاعر وشبلي العيسمي وسليم حاطوم الذي اغتيل في عهد حافظ الأسد.

البوابة الحجرية لمدينة شهبا في محافظة السويداء – كانون الأول 2017 (عنب بلدي)

مقالات متعلقة