لفّوا الكراسي أم لا؟

كيف أثر برنامج “ذا فويس كيدز” على الأطفال؟

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام الأسعد

في عامها السادس، اصطدمت بفقاعة اسمها الشهرة، لم تعرف منها الطفلة جوليا سوى “لف الكراسي” وتصفيق حار من الجمهور ثم مديح من شخصيات ثلاث، أصبحوا “قدوة” وربما هدفًا للكثير من الأطفال في العالم العربي.

عن برنامج “ذا فويس كيدز”، الذي لفت الكبار قبل الصغار، يجري الحديث في الآونة الأخيرة بعد موسمين اثنين، مر الأول منهما بسلام رغم انتقادات لمّحت إلى تأثير سلبي قد تحدثه برامج كهذه على نفسية الأطفال المشتركين.

إلا أنه وبعد الموسم الثاني من برنامج حصر إبداع الأطفال في الغناء، والذي انتهت آخر حلقاته في الثالث من شباط الجاري، أصبح لزامًا قياس الأثر التراكمي لتلك البرامج على الأطفال المتلقين أيضًا، باعتبارهم جزءًا من الجمهور المستهدف، وجزءًا من عملية تجارية خفية تستعطف أولئك الأطفال، وربما تعطيهم نموذجًا “زائفًا” لمثلهم الأعلى الذي يطمحون إلى محاكاته.

مع انطلاق النسخة الأولى من برنامج مواهب الأطفال “ذا فويس كيدز” في العالم العربي، لم يستطع البرنامج أن يحدث علامة فارقة أو حتى تأثيرًا على الطفلة جوليا حين كانت في الخامسة من عمرها، كونه كان حدثًا جديدًا عليها، وعلى أطفال جيلها، ولم تستطع معه إعطاء أي انطباع أو التلويح بتأثّر ملحوظ.

إلا أنه ومع الضجيج الذي أحدثه الموسم الثاني من البرنامج، مع هيمنة الطابع السوري عليه، بوجود 13 مشتركًا سوريًا، انعكس شغف الأهل بمتابعة مصير المشتركين السوريين على أولادهم، هنا لم تستطع جوليا، وفق ما تقول والدتها، سوى أن ترى نفسها مكان هؤلاء المشتركين، عبر إلحاحها على والدتها بضرورة البدء بحفظ إحدى الأغاني والتدرب على أدائها من أجل المشاركة في الموسم الثالث من البرنامج.

ذلك التأثير لم يقتصر على رؤية مستقبلية تمنتها الطفلة، بل كان تأثرًا عاطفيًا عكس حزن الطفلة حين لم يلفّ حكام البرنامج لأحد المشتركين، أما عندما يلفّ الحكام كراسيهم، فكانت جوليا تبالغ بالبكاء إن لم يختر الطفل المشترك أن يكون في فريق نانسي، صاحبة أغنية “يا بنات يا بنات”.

قياس ذلك الأثر غابت عنه الدراسات والأرقام الرسمية في علم نفس الطفل، كون برامج كهذه جديدة من نوعها على العالم العربي، بالإضافة إلى عدم إيجاد وصف دقيق للحالة، وصعوبة تقدير عدد الأطفال المتعرضين لهذا المحتوى.

ورصدت عنب بلدي حالات عدة رفض معها الأهالي تعريض أطفالهم لمحتوى “سخيف نحن بغنى عنه”، كما تقول صباح، وهي أم لطفلتين.

صباح قالت لعنب بلدي إن ابنتيها أبدتا استعدادًا للتأثر ببرنامج “ذا فويس كيدز” عندما كانتا ترينه على الشاشة بالصدفة، إلا أنها حاولت السيطرة على الأمور بإبعادهما عن برامج كهذه، كونها لا تعود بالفائدة عليهما، على حد قولها.

أما مسعود وهو أب لثلاثة أبناء، يرى أن لهذه البرامج تأثيرًا مزدوجًا على الطفل المشترك والطفل المتلقي، خاصة أن المتلقي يبني قدوة ومثلًا أعلى “مشوهًا” من خلال برامج حصرت موهبة الأطفال بالغناء، بعيدًا عن التعليم والمواهب الأخرى المفيدة، من وجهة نظره.

وتابع “هناك امتهان للطفولة وتسخيرها لخدمة أغراض ورسالة خفية، عبر زرع مفهوم الشهرة السريعة في عقلية الصغار”.

تأثير “مؤقت”.. والأهل حجر الأساس

من وجهة نظر الاختصاصية في علم النفس، علا مروة، فإن حجب الأهالي لهذه البرامج عن أطفالهم “ليس حلًا” من باب توخي الحذر كما يظنون، إذ يجب عليهم السيطرة على الوضع والاستفادة من الشق الإيجابي للموضوع، عبر توعية أطفالهم وتعريضهم لتجربة جديدة قد تكون حافزًا لهم بتنمية مواهب أخرى في شخصية الأطفال، لا علاقة لها بالغناء في حال كانوا لا يجدونه مناسبًا.

وعن التأثيرات السلبية لبرامج مواهب الأطفال الغنائية، قالت مروة لعنب بلدي إنها قد تتجسد بمقارنة قد تحدث بين الطفل المتلقي والطفل المشترك، سواء من قبل الأهل أو من قبل الطفل الذي يرى نفسه مكان الطفل المشارك بالبرنامج.

هنا قد يترك تفاوت القدرات أثرًا سلبيًا على نفسية الطفل المتلقي، والذي يتوجب على الأهل التنبه إليه عبر تجنب مدح الأطفال المشتركين أمام أولادهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم والترويج لفكرة أنهم يمتلكون أيضًا مواهب أخرى قد لا يملكها الطفل المغني.

علا مروة، الحاصلة على درجة الماجستير في الصحة النفسية، قالت إن تعاطي الأهل مع الموضوع هو الأساس، من خلال زرع مفاهيم إيجابية في عقول أبنائهم بأن لكل طفل موهبة مختلفة عن الآخر، وأن التقدير والمديح لا يكون فقط على موهبة الغناء، ما يشكل حافزًا لديهم.

وعن مدة التأثير، قالت مروة إن تأثر الأطفال المتلقين بهذه البرامج هو تأثير مؤقت ينتهي بمجرد انتهاء البرنامج، وذلك في حال لم يعد الأهل يُذكّرون أطفالهم به، وأضافت “هذه التجربة مثلها مثل أي خبرة يعايشها الطفل، إذ غالبًا ما يسخّر أفكاره وسلوكه ومشاعره في هذه التجربة، وعند انتهائها فإنه يخرج تلقائيًا من دائرة التأثير”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة