مشاهد أمهاتنا المحجبات

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

مشهد الأمهات الخارجات من تحت الأنقاض المحتضنات لبقايا أطفالهن وهن يستنجدن بأي أحد أمام أي كاميرا، يثير الرعب. وجوه تختلط فيها الدماء والغبار وقهر القدر والحياة تستصرخ ضمائر العرب والمسلمين والعالم المتحضر وغير المتحضر لإنقاذها من الكارثة المقبلة. الكارثة المقبلة! وكأن ما حصل حتى الآن لا يكفي.

وليست هذه المشاهد بجديدة علينا بطبيعة الحال، منذ الصغر تلازمنا صور الأمهات هؤلاء، نساء دائمًا ما يكن محجبات يركضن في الشوارع بلا اتجاه ويصرخن، من فلسطين إلى العراق إلى سوريا مرورًا برابعة العدوية وسيناء في مصر ودول كثيرة دمرها العالم المتحضر وأدواته بحربهم اللعينة على الإرهاب.

دائمًا ذات المشهد كل مرة، نساء محجبات يصرخن أين العرب أين المسلمون أين ضمير العالم! تتبعها جلسات في مجلس الأمن يلتف فيها أناس أنيقون ونساء غير محجبات حول طاولة نصف مستديرة يتبادلون فيها الاتهامات، يذكّرون بعضهم البعض بأنهم يجلسون على الطرف الخاطئ من التاريخ، ثم تقترح إحدى الدول مشروع قرار سخيف تجهضه على الفور برغم سخفه إحدى الدول دائمة العضوية، ثم تتابع نساؤنا الصراخ.

ولعل ما هو أسوأ من كل هذا، أنك لا تجد في العالم متعاطفًا حقيقيًا معك، بل إن عليك أنت الهارب من جحيم الأسد أن توضح للآخرين أن المسؤول عن الوحشية في سوريا هو النظام السوري وليس غيره! يا للهول! جرائم الأسد تحتاج للإيضاح في عصر الإنترنت!

والواقع أن من حظ الضحايا العاثر أنهم مسلمون، وأن نساءهم يرتدين الحجاب، ورجالهم ملتحون ويصرخون بأسماء الجلالة ويكبرون حين تتساقط عليهم الحمم، ولهذا فإن التعاطف مع هؤلاء المنكوبين مشروط دائمًا ومحفوف المخاطر ويتطلب باستمرار إيضاحًا ومقدمات ممن تسول له نفسه بالتعاطف، من حظنا العاثر أننا لا نستطيع تغيير جلودنا.

ليس غريبًا في عالم قميء كهذا ظهور كيانات وتنظيمات -بل وشعوب- عدمية مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها الكثير، بل المستغرب هو أن يكون عكس ذلك، أزمة سوريا هي أزمة منهجية في بنية العالم المعاصر، سوريا هي نموذج استشرافي لمستقبل هذا العالم لا أكثر، الذي يبدو أنه لن يتغير ما لم يذق الجميع من كأس العلقم هذا، وهو ما يجب أن يكون.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة