ثقافة سحر وشعوذة تترسخ في إدلب

camera iconمكتب للرقية الشرعية لمكافحة السحر في أريحا

tag icon ع ع ع

ريف إدلب – طارق أبو زياد

يتزايد توجه بعض أهالي محافظة إدلب إلى مشايخ يقولون إنهم يتعاملون مع قضايا فك السحر والشعوذة، ورغم أن القضية ينظر إليها من باب السخرية عند البعض إلا أنها تتأصل وتصبح ثقافة راسخة في المنطقة.

وافتُتِحَ بداية العام الحالي مكتب للرقية الشرعية في مدينة أريحا، ويقدم نفسه بأنه يختص بمعالجة السحر وحالاته المنتشرة بسبب “الحجابات” و”أصحاب الكرامات” والسحرة الذين يعرفون بـ “المشايخ”.

عنب بلدي التقت بالشيخ محمد أحمد العمر، الملقب بـ “أبو بصير”، في مكتب الرقية، ووصف السحر بالمرض الذي يهدم المجتمع، وقال إن مكتبه يعتمد على القرآن كوسيلة للتعافي.

يعاين الشيخ الرجال والنساء لمدة تستغرق نصف ساعة، يطرح خلالها بعض الأسئلة ليكتشف إذا ما كان الشخص مسحورًا أم لا.

يكتب الشيخ بعدها برنامجًا علاجيًا يلتزم “المريض” به إلى حين المراجعة التالية، وتكون الخيارات بعدها إما الشفاء، وإما تغيير البرنامج العلاجي، وإما القيام بجلسات علاج خاصة.

تتعلق مدة “العلاج” بحسب نوع السحر وقوته وزمانه، إذ إن جودة السحر مرتبطة بالمبلغ المدفوع للساحر، ويفصل الشيخ ما يقول إنها أنواع السحر، فالسحر الرخيص الذي يتألف من عقدة أو اثنتين، يكون خفيفًا ومدة الشفاء منه تتراوح بين ثلاثة إلى عشرة أيام كحد أقصى.

أما السحر “الفاخر”، فيتم عقده بدم الحيض أو ماء الرجل وما شابه، والشفاء منه قد يحتاج إلى شهر كامل، حسبما ما يقوله الشيخ.

وترتبط قوة السحر بعمره، فكل عمل لا يتجاوز عمره خمس سنوات هو سحر جديد، وعلاجه أسهل من السحر القديم الذي يزيد على خمس سنوات ويصل إلى 30 أو 40 سنة، وهذه المعلومات مستندة لمعتقدات الأشخاص المؤمنين بالموضوع.

200 حالة سحر شهريًا يعالجها المكتب

يستقبل المركز 200 حالة سحر شهريًا، بمعدل يتراوح بين أربع إلى عشر حالات يوميًا، 80% منها نساء، و70% من الحالات هي لأشخاص يعتقدون بوجود سحر للتفرقة بين الزوجين.

بالإضافة لأشخاص يعتقدون أنه سبب توقف أعمالهم، أو دراستهم، أو المشاكل التي تحول بينهم وبين الزواج وغيرها من الأمور، ويقصدون المكتب ظنًا منهم بوجود سحر، ويدفعون 1500 ليرة سورية للمعاينة الواحدة.

وبحسب رأي القائمين على المكتب، فإن هذه الحالات منتشرة في عموم إدلب، ولذلك ينوون افتتاح مكاتب أخرى في مدينة إدلب وغيرها من المدن الرئيسية في المحافظة، ويدربون “رقاة” ليتولوا هذه المهمة.

لا مكافحة للسحرة والقضاء فاسد

يعتقد الشيخ “أبو بصير” أنهم يدورون في حلقة مغلقة، بسبب فساد القضاء الذي لا يردع السحرة.

ويقول أبو بصير إنهم يملكون أدلة تثبت تورط أشخاص بهذه الأعمال، إلا أن القضاء في بلدة صلوة بريف حلب الغربي، أطلق سراح أحد الذين ثبتت عليه “التهمة”، كونه مجرد “مشعوذ” ولا يتعامل مع الجن.

عاد “المشعوذ” إلى عمله في شفاء المرضى، ومباركة الأرزاق وما شابه، فيما تعرض الشخص الذي قدم الشكوى ضده لمشاكل أمنية ومحاولات قتل، بحسب “أبو بصير”.

السحر وأنواعه المنتشرة

أكثر أنواع السحر رواجًا هي للتفرقة بين الزوجين وتصل نسبتها إلى 75% من مجمل الحالات، ويليها سحر الصد عن الزواج، ثم سحر التمريض، إذ يعتقد أولئك الذين يعانون من مشاكل صحية أنهم مسحورون أيضًا.

ويصل الأمر ببعض الأشخاص إلى درجة التأكيد على تدخل “الجن” لتنفيذ جريمة قتل ضد الضحية، كما حدث في قصة امرأة كلفت “جنًا” لشل عضلة قلب زوجها في أريحا، دون أن يشرح هؤلاء الأشخاص الطريقة التي سمحت لهم بـ “التأكد”.

وعمومًا جميع من يعملون في هذا المجال يلقبون بالمشايخ، سواء كانوا رقاة أم سحرة، ويدعون أن لديهم قدرات خارقة تسمى بالـ “كرامات”، أو “مسحة نبي”.

وأكثر المروجين لهؤلاء الشخصيات هم النساء، إذ إن المشايخ يعتمدون على زبائنهم لنشر الدعاية.

علاج السحر

يتم علاج السحر بحسب الطريقة التي وُجد فيها، فإذا تم عن طريق الطعام، يقوم “الشيخ” بقراءة آيات من القرآن على ماء وزيت، لتصبح هذه المواد “مرقية” وتكتسب قوة تمكنها من قتل الجن الموجود في معدة “المريض”.

لكن الرقاة لا يكتفون بذلك، فالجني المقتول، بحسب ادعائهم، ينوب عنه أحد خدمه بعد مقتله، لذلك لا بد من أدوية مسهلة ليخرج الجن مع فضلات المريض.

وفي حال أصيب المريض بالإمساك فإن الرقاة يخبرونه على الفور بأن السحر قوي ولا بد من إجراء عملية غسيل معدة.

الخطورة تكمن في ادعاء الرقاة أن الأطباء والممرضين يخشون من التعامل مع الجان الخارج من معدة المريض، لذلك يفكر “المشايخ” بافتتاح عيادة لغسيل المعدة تعمل لخدمة المكتب.

أما السحر المرشوش والمدفون فعلى المريض نفسه الوصول إليه والتخلص منه بيده، لكن في حال وجوده في أماكن سيطرة النظام يتولى الرقاة المهمة، بقراءة آيات يسمونها “آيات الحرق والعذاب” للتخلص من السحر.
وكل ألم في مقدمة الرأس أو مؤخرته، أو في المفاصل، أو أسفل القدم، أو مؤخرة الظهر، يعتبره الرقاة دليلًا على وجود سحر، حتى حالة “الرابوص” نفسها التي تحدث خلال النوم وهي أشبه بالكابوس، اعتبرها الرقاة دليلًا على السحر، وللـ “تأكد” من الحالة يسمعون المريض “آيات الحرق والعذاب”.

حالات تم “علاجها”

عنب بلدي استمعت لقصص أشخاص اعتقدوا أن لديهم سحرًا، وتوجهوا للمكتب للتعافي من “مرضهم”.

أحد تجار الملابس مثلًا، طلب عدم كشف اسمه، قال إن المكتب شخّص له تعثر عمله وتعطل بعض الآلات في مصنعه، عن طريق مشروب “سحري” مهمته تضييق الرزق وتعسير العمل، بل إنهم سمّوا له الجهة التي سحرته، ويقول الرجل إنه يشعر بالارتياح اليوم.

النساء اللواتي يفكرن بالانتحار بسبب تعنيف أزواجهن، يسارع المكتب لإنقاذ حياتهن بالرقية، فهذا التعنيف، في رأيهم، يحدث بسبب السحر أيضًا.

أما الحالة التي كانت أشبه بأفلام “السوبر هيرو”، فهي قصة شخص تركستاني أحرق “قبيلة الجان” التي سحرته بأكملها، بمساعدة المكتب.

أطباء ومشايخ يحذرون من الظاهرة

تحدثت عنب بلدي مع الدكتور عبدو حسن النجار، اختصاصي في الأمراض الداخلية وأمراض القلب، والذي أوضح أنه لا يوجد إجراء طبي تداخلي إلا وله تداعيات وآثار سلبية.

ونصح النجار بعدم إجراء غسيل معدة دون وجود استقطاب (سبب) واضح طبيًا، “لا يوجد بالطب ما يسمى رقية شرعية أو سحر إنما هناك أمراض معينة قد تكون عضوية أو نفسية”.

وأكد الطبيب أنهم يرفضون إجراء أي غسيل للمعدة بسبب “السحر”، موضحًا أن كل إجراء طبي له شروطه وموجباته.

أما الشيخ محمد باشوري، يحمل ماجستير في الشرع ومجاز في المذهب الحنفي، أوضح لعنب بلدي أن أي رقية شرعية تخرج عن ساحة قراءة القرآن الكريم هي دخول بالدجل.

وكل من يدعي شفاء السحر عن طريق غسيل المعدة أو أدوية معينة وأفعال معينة هو دجال، بحسب باشوري.

والسحر والشعوذة “لا تغني من جوع”

سحر الغابي، امرأة في الخمسين من عمرها، أخبرت عنب بلدي عن عدة تجارب لها من هذا القبيل.

الغابي ذكرت أن النساء يذهبن للشيخ أو العراف من أجل تكثير الرزق، أو استعجال الزواج، أو حدوث الحمل، مشيرة لأولئك الذين يسعون إلى هذه الأمور للانتقام من شخص ما.

الغابي تقول إن النساء اللواتي عرفتهن دفعن الكثير من النقود لهؤلاء الشيوخ الذين “ضحكوا” عليهن، وأقنعوهن بامتلاك قدرات خارقة.

تعتبر الغابي هذه الأمور نوعًا من النصب والاحتيال، مؤكدةً إيمانها بأن “الخير لا يأتي إلا من الله، هو صاحب القرار والقضاء، ومن له حاجة فليطلبها منه بشكل مباشر، بعيدًا عن هذه الأساليب التي لا تغني من جوع”، بحسب تعبير الغابي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة