تعا تفرج

فطاير لستين ألف متفرج

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أعادني الصديق عبد المعين عبد المجيد، بالذاكرة، سنوات عديدة إلى الوراء. كنت أتفرج على إحدى فقرات برنامج “وين ما كنتوا كونوا” الذي يقدمه لصحيفة “عنب بلدي”، وكان يلتقي بشاب يعمل في اسطنبول بمهنة بيع الفطائر والمناقيش. قال الشاب إنه يهوى كرة القدم إلى درجة أنه ينصرف من الشغل في الثالثة صباحًا، فيذهب إلى البيت، ويجلس أمام المحطات التلفزيونية، ليعرف نتائج الفرق التي تبارت في النهار، وقد يستمر في هذه المتابعات حتى السادسة.. ويستطرد مستذكرًا أيام شبابه في مدينة دمشق، فيقول: أنا من زمان كنت آخد لهم فطاير ع الملعب. فيسأله عبد المعين بشكل مفاجئ: للجمهور كله؟!

أضحكني هذا السؤال، بالطبع، سيما وأن الشاب أخذه على محمل الجد، وقال مستنكرًا: لا، من وين أنا بدي لحق فطاير ومناقيش لستين ألف متفرج؟!

تذكرتُ أول لقاء بيني وبين عبد المعين. كنت أكتب زاوية أسبوعية في صحيفة البعث، وفي إحدى زواياي طالبتُ السلطاتِ المحليةَ في إدلب بتسمية قاعة في المركز الثقافي باسم الأديب الكبير المعلم حسيب كيالي. المحافظ، آنذاك، تجاوبَ مع اقتراحي، وأمر بتسمية قاعة في المركز الثقافي في إدلب باسم المرحوم عبد الرحمن جبيرو!

هذه الحكاية جعلتني أطَّلِع على خاصية نادرة موجودة في نظام الأسد، هي خاصية كتابة التقارير بالأموات، فقد علمتُ، حينما بدأت التقصي عن الموضوع، أن بعض المخبرين شككوا بوطنية المرحوم حسيب متسائلين: ليش هو مقيم في الإمارات؟ وشككوا بأصله، وفصله، وحكوا بعرضه.. فذهبتُ من توي إلى مدير المركز الثقافي، ورجوته أن يبلغ المحافظ والجهات المختصة بأننا تنازلنا عن هذا الطلب.

ومرت الأيام، حتى سنة 2006، حيث سُمي الدكتور رياض نعسان آغا وزيرًا للثقافة، وإذا به يعلن عن إقامة ندوة على مستوى عالٍ، عن حسيب كيالي وأدبه، ويصدر قرارًا بإطلاق اسمه على أهم قاعة في المركز (قاعة المسرح).. وقد حضر برفقة الوزير عدد من الصحفيين والإعلاميين من التلفزيون والإذاعة، بينهم عبد المعين عبد المجيد.

كان يعد برنامج “التلفزيون والناس”، وكنا نتعشى في أحد المطاعم، واقترح عليه أحدُهم إجراء مقابلة معي، وأفهمه أنني قاص وأديب، فتوجه نحوي فورًا وبدأت أسئلته التي أوحت لي منذ البداية أنه لا يعرفني، بدليل أنه سألني: أنت أديب، يعني بتعمل أمسيات في المركز الثقافي؟ قلت: نعم. قال: هل يأتي لحضور أمسياتك جمهور كبير أم قليل؟ قلت: أنا الذي أتحكم بعدد الجمهور.. قال: كيف؟ فشرحت له أنني أمتلك سيارة بيك آب سكودا تتسع لثمانية ركاب، وأنا، في العادة، أنقل الناس من بيوتهم إلى المركز الثقافي ببيكآبي، فإذا نقلت خمس نقلات يكون عدد الجمهور أربعين، وإذا أردت أكثر أزيد من عدد النقلات، وهكذا.

انتهت المقابلة، وغادر عبد المعين مكان جلوسنا.. سألتني زوجتي عما جرى. فقلت لها: معدو البرامج التلفزيونية يتعرضون أحيانًا لمثل هذا الموقف، وفي المحصلة لا يبثون الفقرة التي يحصل فيها مثلُ هذا الموقف.

ولكن الغريب في الأمر أن الحلقة بثت، مثلما هي!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة