“الست بتلا”.. قيادة نسوية دينية بسلطة أمنية في السويداء

camera iconزيارة نساء الى مقام النبي شعيب في حطين 27 نيسان 2015 (الصنارة نت)

tag icon ع ع ع

السويداء – نور نادر

لا يخفى على من يحاول البحث في تفاصيل مجتمع السويداء، الغموض الذي يكتنف تكوينه وعلاقاته الاجتماعية والدينية، إضافة إلى التشابك في التوجهات الفصائلية المسلحة التي تشترك في الطابع الديني ولكنها تختلف في توجهاتها لتطبيقه.

فعلى سبيل المثال، ضمت السويداء عقب الثورة ميليشيات مسلحة ممولة من قبل السياسي اللبناني وئام وهاب، وتأخذ أوامرها من الشيخ نزيه جربوع، ابن أخ شيخ العقل يوسف جربوع.

كما ضمت أيضًا أتباع الشيخ وحيد البلعوس، الذين يقولون إنهم يعملون على تطبيق الحماية الدرزية سواء من النظام أو أي جهات “تتعدى على الطائفة”.

اللافت للنظر هو التدخل المباشر للمرأة في الحالة الدينية والأمنية في السويداء، وتُمثّل هذا التدخل “الست بتلا”، التي اكتسبت صيتًا واسعًا في الأوساط الدينية منذ التسعينيات، وأقامت حلقات التعليم الدينية للنساء، مكوّنةً جماعة خاصة بتعاليم من المذهب التوحيدي تبدو “متطرفة” بالنسبة لأهالي المحافظة.

تعيش “الست” في مدينة السويداء، وتأتيها النساء من أنحاء المحافظة لحضور جلسات التعاليم الدينية الخاصة بها، والتي تقام في حجرتها الخاصة، كما تقيّد اسم كل سيدة تدخل مجلسها في دفتر خاص، كميثاق تعهد للالتزام بالتعاليم والطقوس التي تفرضها “بتلا” على أتباعها، وتلتزم به السيدات بكل رضا.

ويتناقل أهالي السويداء معلومات تفيد بأن “الست بتلا” قدمت من دمشق لتعيش في السويداء منذ ثمانينيات القرن الماضي، وانتقلت “من سيدة متدينة، إلى حاكمة دينية ذات أتباع”.

“بكرا بتبعدك بتلا”

استطاعت “الست بتلا” خلال نحو 25 عامًا من عملها الديني أن تخلق حالة من الضغط النفسي على أتباعها، بعد إقناعهم بحزم سخطها وقدرتها على تركهم “خالين من البركة”.

ويستخدم أتباعها مقولة “بكرا بتبعدك الست”، كتهديد بالإبعاد الديني في حال التقصير أو عدم الالتزام بقواعد وعقيدة “بتلا”.

أم جمال، هي سيدة ستينية، أكدت لعنب بلدي أن “الست” أبعدتها عن حضور الجلسات لأنها استقلت سيارة أجرة مع سائق شاب عشريني من أقاربها، وقام بتوصيلها وحدها دون محرم، إذ تعتبر “الست” أن أي سيدة لا يجب أن تتحدث إلا مع محارمها.

وتضيف أم جمال أنها “لن تترك دينها مهما حصل، وأن غضب الست عليها جعلها تدرك بأن الإيمان والتدين لا يكونان بهذا التطرف والحزم”.

وترفض أم جمال الكشف عن اسمها ليس لمخاوف أمنية، بل خوفًا من الست، التي “تعاقب كل من يهدد مكانتها الدينية بالاختفاء”، وفق جمال، ابن السيدة “المبعدة” عن درب الست بتلا.

مبالغات ومحاولات تشويه

ضجت شبكات إخبارية محلية، مطلع عام 2017، بخبر مفاده أن رئيس النظام، بشار الأسد، زار “الست بتلا” في منزلها بشكل سرّي، لكن مصدرًا مطلعًا في مدينة السويداء، رفض الكشف عن اسمه، نفى لعنب بلدي أن تكون هذه الزيارة قد تمت.

وقال المصدر الذي يعرّف نفسه بأنه “شاب علماني مدني” إن هذه الإشاعات أُطلقت لتشويه صورة “الست بتلا” بين الناس.

وحول ما يتداوله بعض أهالي السويداء بخصوص إسهام الست بتخليص الشباب من الخدمة العسكرية، أوضح المصدر أنّ هذا الأمر قد حصل بالفعل، لكنه غير مرتبط بكون “الست بتلا” ذات سلطة أمنية، بل ناتج عن سلطتها الدينية.

ويوضّح المصدر أن “الشباب التابعين للست محميون من قبل مجموعات متفرقة من الشيوخ والجهال على حد سواء (الجهال هو مصطلح يشير إلى كل مدني غير متدين من الطائفة الدرزية بينما يشير مصطلح العقال إلى المتدينين)”.

وتعني الحماية أنهم غير مجبرين على أداء الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام، بينما يمكن أن يحملوا السلاح مشكلين كتائب حماية محلية.

التحكم بالسوق

تقرر “الست بتلا” الأسواق التي يُحلل الشراء منها، بحسب الشاب فراس، وهو أحد أبناء مدينة السويداء (رفض ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، لافتًا إلى أن الست تحدد لكل أتباعها مجموعة معينة من المحلات التجارية التي يسمح أن يتم الشراء منها.

وأضاف فراس “بعض الأهالي تحققوا من ملكية المحال التي حللت الست بتلا شراء بضاعتها، وتبيّن أنها تعود لأحد أقارب الست، ما حرك موجة غضب كبير عليها، وولد اتهامات تجاهها بأنها تتحكم بالسوق بسلطة دينية ولمصلحة شخصية”.

ويقلل فراس من إمكانية تأثيرها بشكل كبير على السوق، لافتًا إلى أن أغلبية رواد الأسواق من الفئات غير المتدينة، ما يعني أن تركيز أتباعها على بعض المحال، لن يضر بدرجة كبيرة بقية التجار.

الشاب فراس أكّد لعنب بلدي أن الخطر الأكبر الذي تشكله الست ليس على السوق، ولكن على طبيعة المجتمع المحيط بها، من خلال تعليماتها بإخراج البنات من المدارس، والطلاقات المتكررة بسببها دعوتها النساء للإحجام عن الزواج والبقاء “عازبات محصنات” مما تسميه “متاع الدنيا وإن كان محللًا في الدين”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة