هل تنجح الأفكار الجديدة في دعمه وتثبيت أركانه، أم أنها تؤدي به إلى الانهيار؟

مشروع “قوات سوريا الديمقراطية”.. إلى أين؟

tag icon ع ع ع

أيهم الطه

إن استمرار “قسد” بسياساتها يعني تدمير كل ما بنته خلال السنوات السابقة، وما راكمته من مكاسب محلية ودولية، بعد أن حصلت على اعتراف محلي ودولي بدورها كعنصر سياسي وعسكري أساسي في المعادلة السورية.

فقد كان عليها أن تعي جيدًا حجم المتغيرات الإقليمية والدولية، خلال عامي 2017 و2018 عما سبقها، خاصة بعد أن أكدت الدول الاقليمية رفضها لأي مشروع تقسيمي أو انفصالي، وهو ما تنكره الإدارة الذاتية علنًا لكن جميع الشواهد تقول إنها تعمل له بجهد حثيث في الخفاء، وبالتعاون مع أطراف دولية وخاصة الأمريكيين والفرنسيين.

أدركت الإدارة الكردية جيدًا حجم التعاطف الدولي مع قضيتها، وما يمكن أن تحصل عليه من دعم وتأييد كما أنها فهمت ضعف الوضع السوري واستغلته بشكل جيد خلال السنوات السابقة، ما مكنها من إدارة الرفض الاقليمي والتعامل مع مخاطره واستيعاب صدماته المتكررة، التي كانت آخرها عمليه غصن الزيتون، وما نتج عنها من سيطرة تركية على مدينة عفرين، أحد أبرز معاقل المشروع الكردي لإقليم “روج آفا”.

لكن ما غاب عن ذهن السياسيين القائمين على هذا المشروع هو أن التفضيل الدولي بين مصالحها وصداقتها مع حليف كبير واستراتيجي، مثل أنقرة، سيصب في صالح الأخيرة بشكل شبه مطلق، ويكون على حساب “الإقليم الموعود” .

النقطة الثانية التي غابت عن الحساب الكردي هي عودة القوة والفاعلية إلى الدولة السورية، والدعم الروسي المطلق لها، وأيضًا على حساب الكانتون الكردي.

أما أبرز المخاطر التي لم تقدرها قسد، فهي المجتمع المحلي وقاعدته العربية بشقيه: الأول الشق العسكري الذي كان يعمل ضمن “قسد” أو الذي لا يزال ضمن هذه القوات، والشق الثاني المدني، والذي يتمثل برفض أهلي لممارسات القوات الكردية على الأرض وتصرفاتها الفوقية ومحاولتها الإشراف والوصاية والمراقبة على كامل جغرافية شرق الفرات، رغم ادعاء “قسد” بأنها تتكون من عدة أطياف ومكونات (متساوية) في الحقوق والواجبات والسلطات، وأيضًا اصطدمت برفض أهلي لـ “تكريد” المنطقة، ومحاولة التعدي على العادات والتقاليد والموروث الأخلاقي والديني والمجتمعي.

لا يكاد العناصر الكرد في “قسد” يفوتون أي مناسبة دون التفاخر بأنهم الحليف الأساسي، والأقوى للداعم الغربي عمومًا والأمريكي خصوصًا، مؤكدين على انتمائهم العرقي والعقائدي، دون مراعاة اختلاف المناطق التي يوجدون فيها، جغرافيًا وبشريًا، وهذا ما جعلهم في حالة توتر دائم مع تلك المناطق، شكّل حالة رفض شعبي لوجودهم وأفكارهم من المجتمعات المحلية، خاصة التي لم تعرف الوجود الكردي سابقًا في مكوناتها مثل دير الزور وريفها .

ولا بد هنا من الإشارة إلى التجارب القديمة للكتائب والفصائل العربية مع “قسد”، التي أقصت سابقُا أبو عيسى، قائد لواء ثوار الرقة، بعد أن همشته وفرضت عليها شروطها كما أنها صفت العديد من الفصائل العربية مستخدمة ذرائع مختلفة في ذلك، وربما آخر الخلافات العلنية التي تفجرت وظهرت إلى العلن المواجهات المتجددة مع قوات النخبة.

يضاف إلى ذلك استمرار رفض الإدارة الذاتية عودة المهجرين في بعض المناطق، ما لفت الأنظار إلى توزيع ديمغرافي معين تريد أن تبرزه “قسد” للعلن، عبر عدة طرق بينها الإحصائيات التي أجرتها مؤخرًا في مناطق سيطرتها، فضلًا عن حراك شعبي مطلبي متنامي في أغلب مناطق سيطرتها من الرقة إلى ريف دير الزور، والذي شمل مطالب الأهالي بتحسين أوضاعهم وتململهم حتى من العناصر العربية المتعاملة مع “قسد”.

ما فرص نجاح دخول قوات عربية؟

رغم أن التحالف السداسي الذي تديره الولايات المتحدة (السعودية وقطر والإمارات والأردن ومصر وإسرائيل ) يبدو صاحب اليد العلية في المعادلة، لكنه لن يستطيع أن يغير الكثير على الأرض فضلًا عن إشعاله مشكلات داخل الدول المنضوية فيه، وأبرزها السعودية التي تعاني من مشكلات اقتصادية وهدر مالي كبير في حرب اليمن، وقطر التي لم تتجاوز مشكلاتها مع جيرانها الخليجيين والتي تفتقر إلى العنصر البشري، في حين تبدو إسرائيل أقل قدرة على التحرك البري رغم سطوتها الجوية، أما مصر فقد أخذت مسافة أمان مبتعدة عن الاشتراك البشري في هذا المشروع، في حين لا يزال الأردن صامتًا مع كل المشاكل التي يعاني منها. جل هذه الدول تعيش أوضاع اقتصادية متدهورة ومشكلات اجتماعية وسياسية داخلية تقيد حركتهم وتمنعهم من التحرك العسكري البري بشكل كامل.

ويضاف إلى هذا المشكلات الداخلية التي تعاني منها المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية في سوريا، وهي المسرح المرتقب لتدخل تلك القوات بمساعدة مفترضة عشائرية ومحلية والأخيرة تعاني بدورها من استمرار وجود تنظيم الدولة والتمزق الداخلي وشح الموارد وتمزق الولاء بين عدة دول إقليمية وخارجية ونسبة مرتفعة من الفقر والدمار وقلة العنصر البشري الفاعل والراغب في الانخراط بمثل هذا المشروع.

الساحة السورية اصبحت شبه خالية من القوة المحلية الفاعلة على الأرض، وهذا ما يجب أن يراعيه أي مشروع ومن يريد الدفاع عن مصالحه في سوريا، سيكون مضطرًا أن يقاتل بشكل مباشر، وهذا أمر مكلف ومردوده قليل وغير مضمون النتائج.

إن بقاء الحال على ما هو عليه يرشح مناطق سيطرة “قسد” لكثير من الهزات القادمة، سواء كتمرد عسكري من قبل أبناء المنطقة، أو حراك محلي رافض لوجود “قسد” وهذا بدت بوادره جلية في الاستهداف المستمر لعناصر “قسد” في الرقة ودير الزور وريف الحسكة، والمظاهرات الشعبية التي خرجت في أكثر من منطقة مطالبة بتحسين أوضاع الأهالي ومنددة بتصرفات “قسد” وتعسفها، ورافضة تقسيم سوريا إلى كانتونات وأقاليم.

ربما كان في ذلك عبرة لمن أصغى السمع وهو شهيد، أو أننا سنكون أمام تمزق مستمر في جسد “قسد”، ينتهي بفقدانها السيطرة على الكثير من مناطقها ويحصر فاعلية إداراتها، في مناطق محدودة ذات أغلبية عرقية معينة.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة