tag icon ع ع ع

ضياء عودة | رهام الأسعد | نور عبد النور

من قاعدة حميميم العسكرية الروسية، وضمن اجتماع لـ “معارضة الداخل” في آذار 2016، طرحت فكرة صياغة دستور سوري جديد بشكل جدي للمرة الأولى، ورغم أن الاجتماع انتهى بالتصريحات فقط، حملت رعاية روسيا لمن أسمتهم “معارضة” على الأرض السورية، مؤشرات حول التطورات التي ستطرأ على قضية الدستور فيما بعد.

خلال ذلك الاجتماع، أعلنت روسيا أنها الراعي الوحيد لصياغة دستور جديد لسوريا، أو بالأحرى أنها الراعي لأي حل سياسي، في الوقت الذي تريده، ولم يمرر شهران حتى أفرجت، عبر تسريبات صحفية، عن مسودتها لدستور على مقاس فئات محددة من المجتمع السوري، وعلى هوى المصلحة الروسية.

جاء مشروع الدستور الروسي الجديد بفكرة “جمعية المناطق” بدلًا من “الإدارة المحلية”، واقترح إلغاء صفة “العربية” من “الجمهورية السورية”، كما أعادت شرط أن يكون عمر المرشح لرئاسة الجمهورية 40 عامًا، وأن يكون متمتعًا بالجنسية السورية، وينتخب لمدة سبعة أعوام لمدة دروتين فقط، بالإضافة إلى تقليص صلاحياته لصالح الحكومة، وإلغاء اعتماد الديانة الإسلامية كمصدر للتشريع، و”علمنة” الدولة، لكن هذه النسخة عرضت على النظام ليعدّل عليها.

ومع اختتام محادثات أستانة الأولى في كانون الثاني عام 2017، طرحت روسيا مشروع الدستور بشكل علني بعد أن أعده خبراء روس، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة، سواء من قبل المعارضة التي اعتبرت بنوده “مهينة”، أو من قبل موالي النظام الذين اعتبروا أن الدستور “مليء بالتنازلات”.

استمر الأخذ والرد مدّة عام كامل، كان لدى روسيا، التي من المفترض أنها تفتح الطريق أمام التسوية السياسية، خلاله الكثير من الأعمال في سوريا، وعقب مؤتمر “سوتشي” الذي عقد “من طرف واحد”، ضغطت روسيا على النظام للإعلان عن أسماء اللجنة الدستورية المرشحين من قبله، كأول خطوة عملية على طريق الدستور.

روسيا تستعجل الدستور السوري

تصدرت اللجنة الدستورية المشهد السياسي في سوريا على مدار الأشهر الأربعة الماضية، منذ إقرار تشكيلها في مؤتمر “الحوار الوطني” في مدينة سوتشي نهاية كانون الثاني 2018، ورُوج لها كنقطة أساسية من شأنها أن ترسم مستقبل المرحلة المقبلة في سوريا، بعد الانتهاء من العمليات العسكرية بين النظام السوري والمعارضة على الأرض.

ومع البدء بتقديم قوائم المرشحين للجنة من جانب النظام السوري وحلفائه، دار الحديث عن الخطوط العريضة التي ستعمل اللجنة عليها، وهل ستكتفي بتعديلات لبعض المواد في الدستور الحالي أو تغيره بشكل جذري، ويُكتب دستور جديد بدلًا عنه بعد التوافق مع الأطراف الدولية المراقبة لعملها.

الاستفتاء على الدستور السوري الجديد عام 2012 (إنترنت)

الاستفتاء على الدستور السوري الجديد عام 2012 (إنترنت)

تعديلات حافظت على سلطة الأسد

مطلع الثورة السورية كان الدستور المعمول به في سوريا هو دستور عام 1973، والذي عُدل مرتين، الأولى عام 1981، والثانية عام 2000 لتعديل السن القانونية لرئيس الجمهورية من سن الأربعين إلى الرابعة والثلاثين.

وفي 15 تشرين الأول عام 2011، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسوم الجمهوري “رقم 33” القاضي بتأليف لجنة إعادة كتابة الدستور، المكونة من 29 عضوًا، إلى أن صدر “المرسوم 94” في شباط 2012، القاضي باعتماد الدستور الذي يُعرف بدستور 2012.

ونصّ دستور 2012 على اعتبار سوريا “دولة ديمقراطية، ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها”، وأن النظام جمهوري الحكم فيه للشعب، وقد حافظ على أغلب بنود ومواد الدستور السابق 1973، وأضاف إليه 14 مادة، وأدخل عليه 47 تعديلًا، وحافظ على السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية.

ويتألف دستور 2012 من 157 مادة تتضمنها ستة أبواب، وتسعة فصول، ومقدمة، ويتعلق الباب الأول والثاني بالمبادئ الأساسية والحقوق والحريات وسيادة القانون، أما الباب الثالث فيتعلق بسلطات الدولة، والرابع حول المحكمة الدستورية العليا، بينما ارتبط الباب الخامس بتعديل الدستور، والباب السادس للأحكام العامة والانتقالية.

وجاء في الباب الخامس من الدستور الحالي أن “لرئيس الجمهورية كما لثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديل الدستور، ويتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك، ويشكل مجلس الشعب فور ورود اقتراح التعديل إليه لجنة خاصة لبحثها، في حين يناقش المجلس اقتراح التعديل فإذا أقره بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عُدّ التعديل نهائيًا شرط اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية”.

دستور وأكثر من موقف

ويختلف الوضع حاليًا بشأن ماهية التعديلات الدستورية، فالظروف السياسية لم تعد كما كانت عليه مطلع العام 2011، ودخلت أطراف دولية على الساحة السورية واستحوذت على القرار السياسي في سوريا.

ومع البدء بإرسال قوائم المرشحين للجنة، تتجه الأنظار إلى ثلاثة أطراف أساسية هي روسيا وتركيا وإيران، والتي تمسك بزمام الحل السياسي والعسكري في سوريا.

محمد العبد الله
مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة

مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله، اعتبر في حديث إلى عنب بلدي أن الخيار الروسي في الدستور متردد بين أكثر من موقف، ففي البداية طرحت روسيا فكرة دستور جديد وسربت أجزاء من مسودته التي حملت تغييرات كثيرة، لكن من وجهة نظر موسكو وليس وجهة نظر الشعب السوري، كموضوع التمثيل المجتمعي واللامركزية الإدارية.

وبحسب العبد الله، لم تتم استشارة أي فريق سوري في تلك المسودة، بما في ذلك النظام السوري حليف روسيا.

وبعد فشل محادثات “أستانة” و”سوتشي” وإطلاق الأمم المتحدة لفكرة اللجنة الدستورية، حرصت روسيا على الضغط على المبعوث الدولي، ستيفان دي مستورا لضمان حصة 50% من أعضاء اللجنة للنظام، و30% للمعارضة والبقية من خبراء دوليين.

وأوضح العبد الله أن ذلك يعني أن روسيا ضمنت أن أي تغيير حقيقي في الدستور لن يحصل، والتغيير الوحيد المسموح هو المقبول روسيًا.

وفي آخر التصريحات المتعلقة بالنظام السوري، قال وزير الخارجية، وليد المعلم، إن النظام السوري أرسل 50 اسمًا مرشحًا للجنة الدستورية، مشيرًا إلى أن “الدولة السورية يجب أن يكون لها الأكثرية في اللجنة، ويجب أن تتخذ قرارات اللجنة بالإجماع”.

وأضاف أنه عندما تتوصل اللجنة إلى اتفاق بشأن تعديل مواد الاتفاق، سيرفع أعضاؤها توصية إلى مؤتمر سوتشي، الذي سيقرها ويرفعها إلى الحكومة السورية، لكي تقوم باللازم وفق بنود الدستور الحالي، الأمر الذي يخالف رؤية المعارضة السورية والتي تسعى لإثارة 23 بندًا في دستور 2012.

ووفقًا للعبد الله سواء فرضت روسيا مسودتها القديمة وأعادت تسريبها من خلال حصة النظام في اللجنة الدستورية أو دفعت باتجاه تغييرات في الدستور، فنحن أمام دستور معدل أو جديد لم يستشر الشعب السوري فيه، ولم يشارك في صياغته ممثلون عن الشعب السوري بشكل فعلي، ولا يعالج آلاف المشاكل التي أنتجتها سبع سنوات من المعارك كاستعادة الممتلكات أو تعويض الضحايا أو مصير المفقودين.

العبد الله أكّد أن أي دستور بصياغة روسية، بشكل جزئي أو كلي، لا يصب في مصلحة الشعب السوري، لافتًا إلى أن هذه النقطة يجب أن تتيقظ حولها شخصيات المعارضة المشاركة في اللجنة الدستورية لضمان تمرير أكبر قدر من التعديلات الحقيقية.

“نخب” من أطراف ثلاثة

معايير حكمت اختيار أعضاء اللجنة الدستورية

غموض يلف آليه عمل اللجنة الدستورية، لم يتضح منه حتى الآن سوى أسماء رشحها النظام السوري، لتكون ناطقة باسمه ورقيبة على أي تعديلات محتملة قد تلحق بالدستور، الذي تثار حوله كل هذه الاجتماعات والتحضيرات.

ثلاثة أطراف من المقرر أن تتشاطر تعديلات، يرى النظام السوري أن لا حاجة إليها، معتبرًا أن دستور عام 2012 “متكامل” وليس بحاجة إلى أي تعديل، ويتمثل الطرف الأول بمرشحين عن النظام السوري، والثاني بمرشحين عن المعارضة السورية بجميع مكوناتها، والثالث مستشارون عن الأمم المتحدة، والذين سيتخذون غالبًا صفة المراقب.

بدوره، أرسل النظام السوري قائمة المرشحين الخاصة به إلى الأمم المتحدة عن طريق الوسيط الروسي، ورغم أنه لم ينشر أسماء المرشحين بشكل رسمي، سربت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية قائمة باسم 50 مرشحًا عن النظام السوري طغى عليها نَفَس “حزب البعث” الحاكم وأعضاء مجلس الشعب، وسط تساؤلات عن أهلية هؤلاء الأشخاص لصياغة دستور بالنيابة عن شعب بأكمله.

ترأس القائمة المسربة أعضاء الوفد الحكومي التفاوضي إلى جنيف، عدا رئيس الوفد بشار الجعفري، بالإضافة إلى النائب في مجلس الشعب أحمد كزبري والمستشار القانوني أحمد عرنوس وأمجد عيسى وأمل اليازجي.

كما ضمت القائمة 30 اسمًا، بينهم “البعثيون”: صفوان القربي، خالد خزعل، رضوان إبراهيم، شيرين اليوسف، مها العجيلي، حسن الأطرش، تركي حسن، موسى عبد النور، إلى جانب معاون وزير الإعلام الأسبق، طالب قاضي أمين، والمذيعة رائدة وقاف والكاتبة أنيسة عبود.

تلك التسريبات أثارت حفيظة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الذي قال في مؤتمر صحفي إن تصرف الصحيفة السعودية يعتبر “قلة أدب” في سلك العلاقات الدولية.

أما المعارضة السورية، لم ترسل حتى اللحظة قائمتها عن المرشحين للجنة الدستورية، إذ قال فراس الخالدي، عضو “منصة القاهرة”، إن “هيئة التفاوض العليا” و”منصة القاهرة” جهزت أسماء المرشحين من قبلها، بانتظار قوائم “الائتلاف السوري” وفصائل المعارضة، على أن يتم إرسال قائمة موحدة بالنيابة عن المعارضة السورية إلى الأمم المتحدة، مكونة من 50 إلى 60 اسمًا، حال اكتمالها.

وعن معايير اختيار أعضاء اللجنة الدستورية، قال الخالدي، في حديث إلى عنب بلدي، إنه لا توجد معايير معتمدة ومحددة بشكل واضح، مشيرًا إلى أن لجانًا كهذه عادة ما تضم “تكنوقراط”، أي النخب المثقفة والمتخصصة في مجالات عدة تمثل فئات الشعب كافة، بالإضافة إلى نخبة سياسية فاعلة قادرة على إنجاز وإقرار أي توافق.

وأضاف، “ستشمل قائمة المعارضة نخبة من السياسيين والقانونيين والقضاة والدستوريين وممثلين عن جميع فئات الشعب السوري، بشكل يمكن معه أن نحقق توازنًا فيما نتطلع إليه”.

واعتبر الخالدي أن الأسماء التي رشحها النظام السوري للجنة الدستورية ليست جمعيها مؤهلة لتكون في هذا الموقع، خاصة أن النظام السوري لم يقل بشكل صريح إنه رشح هذه القائمة، بل قال إنه “يدعم” ترشيح هذه القائمة، ما يزيد من احتمالية تنصل النظام من أي قرارات أو توافق يصدر عن اللجنة الدستورية.

وأضاف أن إرسال النظام السوري قائمته للأمم المتحدة هو بمثابة “ترشيح وهمي”، استطاع معه النظام الاحتيال عبر إثبات حسن نيته، وتابع “لا أعتقد أن هذه اللائحة هي اللائحة النهائية الرسمية الخاصة بالنظام السوري”.

ورفض عضو “منصة القاهرة” فكرة أن تكون قائمة المعارضة للجنة الدستورية بيد “الضامن التركي”، مشيرًا إلى أن الدستور يجب أن يوضع من قبل الشعب السوري وممثليه، ولا يحق لأي أحد التدخل فيه، لا روسيا ولا تركيا ولا أي دولة أخرى، على حد تعبيره.

وسبق أن صرح رئيس وفد المعارضة السورية إلى محادثات “أستانة”، أحمد طعمة، لعنب بلدي، أن اختيار قائمة المعارضة السورية للجنة الدستورية سيكون بيد “الضامن التركي”، كون أنقرة هي من ضمنت المعارضة في محادثات “سوتشي” التي تمخضت عنها اللجنة الدستورية.

روسيا تريد فرض رؤيتها للوصول إلى الدستور السوري (تعديل عنب بلدي)

روسيا تريد فرض رؤيتها للوصول إلى الدستور السوري (تعديل عنب بلدي)

قانونيًا.. تشريع تعديل الدستور يتطلب مجلسًا تأسيسيًا

تعتبر عملية تعديل الدستور من المسائل المتعلقة بصلب النظام في سوريا، إذ اشترط الدستور عام 2012، وطبقًا لما ذكره دستور عام 1973، أن يكون التعديل باقتراح من رئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء مجلس الشعب.

القاضي إبراهيم حسين، شرح لعنب بلدي آلية هذا التعديل، وقال “الدستور نفسه هو الذي ينظم عملية تعديله، ولإقرار التعديل يجب أن يحوز على موافقة رئيس الجمهورية وأكثرية ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الشعب”.

أما اعتماد لجنة لتعديل دستور من خارج مجلس الشعب فلا يجوز، وفق مواد الدستور الحالي، الذي يتمسك به النظام السوري، ولا بد لتشكيل لجنة خاصة إجراء تعديل دستوري مسبق يسمح بذلك، وفق حسين.

وهذا يوضح توجه المعارضة للتمسك بمطلبها لجهة وضع دستور جديد يتم إعداده من مجلس يشبه المجلس التأسيسي ويعرض لاحقًا على البرلمان لإقراره، واستفتاء الشعب عليه، وهذا يجب أن يسبقه حل سياسي يشرع هذه العملية، على حد قوله.

وسبق لروسيا أن اقترحت بعض التعديلات الدستورية لكن اقتراحاتها لم توضع موضع التنفيذ، ويرجع القاضي حسين ذلك إلى عدم جواز أن تقترح جهة خارجية دستورًا لبلد ذي سيادة، وبحسب اعتقاده فإنه “حتى لوكان هناك توافق سياسي على الدستور المقترح من روسيا كان لا بد من خطوات قانونية تمهد لاعتماده وإقراره بشكل شرعي عبر آليات دستورية يتفق عليها في إطار حل سياسي”.

ما آلية عمل اللجنة الدستورية؟

لا تزال آلية عمل اللجنة الدستورية غير واضحة المعالم حتى الآن، وهو ما يجعل الحديث عن تبديل دستوري قريب غير ممكن في الوقت الحالي، إذ لا يزال المشهد ضبابيًا، ووضوح الصورة مرهون بخطوات جادة تجمع لجنتي المعارضة والنظام على طاولة واحدة.

عنب بلدي تواصلت مع عدد من الشخصيات المعارضة، ورصدت ردود الفعل الدولية لمعرفة الآلية المتوقعة لعمل اللجنة الدستورية المشكلة من النظام والمعارضة والخبراء الدوليين.

مصدر مطلع من المعارضة السورية (طلب عدم ذكر اسمه) أكد لعنب بلدي أن اللجنة ستقوم بدارسة دستور 2012 كمرحلة أولية، وذلك بعد اكتمال قوائم المرشحين لتشكيل اللجنة الدستورية الممثلة عن المعارضة، والنظام السوري، والأمم المتحدة بنسبة ثلث لكل طرف.

واعتبر المصدر أن تركيز عمل اللجنة سينصب على عيوب ذلك الدستور بشكل تفصيلي، أما المرحلة التي تلي ذلك، فستتم بتشكيل فريق من الخبراء السوريين والدوليين لوضع “دستور جديد” يفي بمطالب المرحلة الجديدة.

رئيس وفد “هيئة التفاوض”، نصر الحريري، قال إن الهيئة تقوم مع الأمم المتحدة بتحديد آلية عمل اللجنة، وفقًا لقرار “مجلس الأمن 2245”، الذي نص على إطلاق عملية سياسية تفاوضية تسيرها الأمم المتحدة بين ممثلي نظام الأسد والمعارضة ممثلة بالهيئة.

وأشار الحريري في تصريح، مطلع حزيران الحالي، إلى أن آلية عمل اللجنة وكيفية اتخاذ قراراتها، لم يبدأ الحديث عنهما بعد، مرجحًا أن يتضح ذلك بعد اكتمال القوائم التي لن تتشكل بأقل من ثلاثة أشهر.

لكن رئيس وفد المعارضة إلى محادثات “أستانة”، أحمد طعمة، نفى لعنب بلدي علم أي شخص حاليًا بهذه المعلومات، قائلًا “من المبكر الحديث عنها حاليًا”.

وسبق أن طلب المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، من مجلس الأمن وضع أفكار لصياغة “دستور” وتنظيم انتخابات جديدة في سوريا، من أجل التوصل إلى حل سياسي.

بدوره شدد النظام السوري على لسان وزير خارجيته، وليد المعلم، على أن المناقشات التي ستجري في إطار اللجنة ستتم وفق الدستور الحالي ولن تتعدى ذلك.

ورأى المعلم أن اللجنة وبعد أن تتوصل إلى اتفاق حول تعديل مواد الدستور، سيرفع أعضاؤها توصية إلى مؤتمر سوتشي، الذي سيقرها ويرفعها بدوره إلى “الحكومة السورية”، لكي تقوم باللازم وفق بنود الدستور الحالي.

ولم يتم الاتفاق على مكان الاجتماع، الذي اعتبره وزير الخارجية غير مهم بقدر أهمية تعاطي “الطرف الآخر بموضوعية مع هذه اللجنة”، مشيرًا إلى أن قراراتها ستتخذ بالإجماع.

وترى المعارضة السورية أن دستور 2012 تمت صياغته على مقاس رأس النظام السوري، بشار الأسد، ويحفظ له سلطات وامتيازات استثنائية يستطيع عن طريقها شلّ أي سلطة أخرى لأي مؤسسة أو موقع سيادي، وبالتالي التحكم بجميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية سواء عبر التشريع أو الأوامر والتعليمات الإدارية.

محمد صبرا: اللجنة تهدف إلى تحويل الثورة لـ “صراع سلطة”

إعادة النظر في العملية الدستورية يتضمن إما تعديل دستور 2012، أو الذهاب إلى كتابة وصياغة دستور جديد.

ولا تكمن الإشكالية في كيفية الكتابة أو الجهة المسؤولة عن ذلك، بل إن مجرد الذهاب إلى اللجنة أو إعادة النظر في العملية الدستورية هو تغيير جوهري وكبير لفلسفة الصراع في سوريا إلى فلسفة ما يحصل في سوريا.

وعندما نذهب لإعادة النظر في العملية الدستورية نكون قد انتقلنا تلقائيًا من مفهوم ثورة شعبية ضد نظام حكم بكامل مكوناته إلى مرحلة جديدة هي صراع بين نظام سلطة وبين معارضة.

من يوافق على الذهاب إلى اللجنة الدستورية سواء لكتابة أو إعادة النظر في دستور 2012، يقر عمليًا أن ما حدث في سوريا ليس ثورة بل صراعًا على برنامج سلطة بين سلطة حكم وبين معارضة تريد أن تشارك السلطة في إعادة النظام السياسي، بحيث يكون لها حصة في توزيع الثروة والمناصب.

ولعل الإشكالية الأخرى التي يجب أن نراها خلف فكرة اللجنة الدستورية، أن هذا الطرح غير موجود في الوثائق الدولية ولا في كل قرارات مجلس الأمن، التي هي في الأصل الحاضنة القانونية للحالة السورية.

بيان جنيف كان واضحًا في المادة التاسعة منه عندما تحدث عن ضرورة عقد مؤتمر وطني بعد تشكيل هيئة حكم انتقالي كأولى المهام، ويكون هذا المؤتمر شاملًا للجميع ونتائجه ملزمة في صياغة النظام الدستوري في سوريا.

ويجب أن تأتي مسألة الكتابة الدستورية بعد قيام هيئة الحكم الانتقالي، وهذا ما نص عليه مضمون الثورة والقرارات الدولية المتعلقة بالملف السوري.

الفقرة الرابعة من القرار “2254” نصت على أن العملية السياسية تتضمن إنشاء حكم شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر، وعقب ذلك يتم النظر في النظام الدستوري للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 18 شهرًا، أي أن الدستور حسب الوثائق يأتي ما بعد هيئة الحكم الانتقالي.

وعلى ذلك لا يمكن تجاهل الإشكالية الكبرى التي نمر بها حاليًا وهي ذهاب بعض شخصيات المعارضة سواء كانت تدري أو لا أو منخرطة في الموضوع بوعي أو غير وعي إلى اللجنة، وهو ما يمكن أن نعتبره تغييرًا للحدث السوري والسردية التي قام عليها، لتتحول الثورة إلى صراع بين النظام والمعارضة، أي أن ما قام به بشار الأسد يدخل في باب الاجتهاد السيادي لسلطة الحكم، ولا يدخل في باب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وهنا خطورة الموضوع.

الدستور الحالي هو قناع تحاول من خلاله الدول الفاعلة وخاصة روسيا أن تمنح الشرعية لبشار الأسد ليس في الوقت الحالي وإنما في الماضي، لتسحب الجرمية منه كسلطة تدافع عن النظام العام حتى وإن أخطأت.

انخراط المعارضين في اللجنة الدستورية مخالف للثورة السورية و”جنيف” والقرارات الدولية، سواء “الهيئة العليا للمفاوضات” أو “الائتلاف” أو “الفصائل” والتي تكون قد أهدرت بذلك كل تضحيات السوريين.

الإشكال الأساسي يكمن في الإطار الإجرائي لكتابة الدستور، حول من يعطي الولاية للجنة ومن يصادق على مخرجاتها وكيفية تنفيذها ومن هي الجهة الضامنة للمخرجات، وهذه الأسئلة تدل أننا ذاهبون لإعادة شرعية نظام بشار الأسد في الماضي وحتى اليوم، وتشكل إهدارًا لكل عذابات المعتقلين، وهذه مشاركة في الجريمة.

المعارضة والنظام في صدام حقيقي مع تطلعات السوريين وهم على طاولة واحدة، وأصبحوا سدًا أمام تطلعات السوريين في نظام وطني ديمقراطي لا وجود للقتلى والمجرمين وتجار السياسة والشنطة فيه.

استطلاع رأي: تغيير الدستور لن يؤثر على الحل

في إطار الحديث عن بدء الخطوات العملية لإعداد دستور سوري جديد كمؤشر على الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي، استطلعت عنب بلدي آراء قرّائها حول فائدة تعديل الدستور في التوصّل إلى حل للصراع في سوريا.

وطرحت عنب بلدي عبر صفحتها على “فيس بوك” وموقعها الإلكتروني السؤال: “هل تعتقد أن الحل في سوريا يكمن بتعديل الدستور؟”.

شارك في الاستطلاع 1800 مستخدم، عبّروا بغالبيتهم عن تشاؤمهم من فائدة تعديل الدستور، إذ أجاب 62% بـ “لا” على السؤال الذي طرحته عنب بلدي، بينما اعتبر 23% منهم أن تعديل الدستور يمكن أن يسهم في الحل، بينما صوّت 15% من المستخدمين بـ “لا أعلم”.

المستخدم يوسف خطيب، تفاعل مع الاستطلاع المنشور على صفحة عنب بلدي في “فيس بوك” وكتب ضمن التعليقات “الدستور لا يشتكي من مشاكل كثيرة كما تشتكي سوريا من النظام المجرم”.

كما اعتبر المستخدم آدم هزاع أن الحل لا يكمن بتغيير الدستور بل بـ “تغيير الحكومة”، بينما أشار سعد الدين خياطة إلى أن نهاية الصراع في سوريا تحتاج “رحيل كل من قتل وأعان على قتل السوريين”.

شاركنا رأيك.. هل تعتقد أن الحل في سوريا يكمن بتعديل الدستور؟

من الممكلة إلى جمهورية البعث

ثمانية دساتير مرت على سوريا

مشروع دستور 1920

جاء بعد إعلان “المملكة السورية العربية” الذي تبع انتخاب المؤتمر السوري العام، بعد انسحاب العثمانيين من سوريا، وكُلّف حينها هاشم الأتاسي على رأس لجنة بصياغته.

ونصت مواده على أن سوريا “ملكية مدنية نيابيّة، عاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام”.

وتركت صلاحيات هذا الدستور لـ “الملك” تشكيل الوزارة من غير أشخاص “الأسرة المالكة”، وجعلها مسؤولة أمام المؤتمر الذي يحقّ له استجوابها، وسحب الثقة منها.

كما حدّ من صلاحيات “الملك” بإلزام أي قرار يتخذه بتوقيع رئيس الوزراء والوزير المختص.

لم يطبق هذا المشروع، إذ اقتصر تطبيقه على 15 يومًا، ولم يحدد كدستور أساسي لسوريا.

دستور 1930

وضع هذا الدستور بعد انتخاب الجمعية التأسيسية في 1928، والتي دعا لانتخابها تاج الدين الحسيني المكلف برئاسة الدولة آنذاك، وانتخب هاشم الأتاسي رئيسًا لها.

وتكونت الجمعية من أعضاء من دولتي دمشق وحلب، دون إشراك دولتي “الدروز” و”العلوية”.

واعتبر سوريا “جمهورية نيابية عاصمتها دمشق ودين رئيسها الإسلام”، وأن “البلاد السوريّة المنفصلة عن الدولة العثمانية هي وحدة سياسيّة لا تتجزأ، ولا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها بعد الحرب العالمية”.

ينتخب بموجبه رئيس الجمهورية في مجلس النواب غير أنه ليس مسؤولًا أمامه، وله صلاحية تعيين رئيس الحكومة التي يختار أعضاؤها رئيس الحكومة بالتعاون مع الكتل البرلمانية.

حددت ولاية الرئيس بخمس سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور خمس سنوات على انقضاء رئاسته الأولى.

عدّل هذا الدستور في عام 1947، وأيضًا في 1930 من قبل المفوض الفرنسي هنري بونسو، إذ أضاف إليه المادة 116 التي تنص على “طي المواد التي تتعارض مع صك الانتداب حتى زواله”، وإدخال دولة الدروز والعلوية بالدولة السورية.

كما أعيد تعديله في عام 1948، للسماح لشكري القوتلي بالانتخاب مرة ثانية بعد ولايته الأولى.

دستور 1950

أقر رسميًا في أيلول 1950، وعرف باسم “دستور الاستقلال”، واحتوى بصيغته النهائية على 166 مادة.

من أكثر المواضيع التي احتدم عليها النقاش في هذا الدستور عند طرحه، موضوع إعلان الإسلام دين الدولة أو دين رئيس الدولة.

وانتهى الأمر بالحفاظ على صيغة دستور 1930 بخصوص دين رئيس الدولة.

إضافةً إلى وقوف الجيش على الحياد دون التدخل في الحياة السياسية السوريّة.

دستور 1952

جاء بعد الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي عام 1952، إذ عطّل العمل بالدستور السابق، ليصدر دستورًا جديدًا تميّز بأنه شبيه بالنظام الذي يجري العمل عليه في الولايات المتحدة.

ونصّ على إلغاء منصب رئيس الوزراء، إضافةً إلى اعتبار الوزراء مسؤولين أمام رئيس الجمهورية.

وينتخب الرئيس من الشعب بموجب هذا الدستور، ويعتبر رئيسًا للوزراء ويعين الوزراء بدلًا من البرلمان، مع سحب صلاحيتي انتخاب الرئيس ومنح الثقة للحكومة من البرلمان.

دساتير البعث المؤقتة.. أربعة

أصدرت عدة دساتير من قبل “مجلس قيادة الثورة”، ما بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

وأصدر المجلس دستورًا مؤقتًا للبلاد في 1964، ثم عاد وأصدر دستورًا آخر في 1 من أيار 1969.

وكان آخر دستور مؤقت أصدره المجلس بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة، في 1971 واستمرّ العمل به حتى 1973.

دستور 1973 الذي وضعه حافظ الأسد أكد على أن أهداف المجتمع السوري هي “الوحدة والحرية والاشتراكية”، وأن البلاد جزء من “اتحاد الجمهوريات العربية”، وأن “الشعب في القطر السوري جزء من الأمة العربية”.

ونصّ على وجوب كون الرئيس “عربيًا سوريًا” باستبعادٍ لبقية مكونات الشعب.

وفيما يخص حزب البعث فيعتبر ”محتكرًا” للحياة السياسية، من خلال كونه القائد للدولة والمجتمع، بحسب الدستور.

وأوضح الدستور أن ترشح رئيس الجمهورية للقيادة القطرية لحزب البعث، عن طريق مجلس الشعب، للاستفتاء دون وجود أي مرشح آخر.

صلاحيات رئيس الجمهورية واسعة وشبه مطلقة، فهو رئيس السلطة التنفيذيّة وله سلطة إصدار التشريع منفردًا، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، والمعيّن للمحكمة الدستورية العليا، والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.

عدل هذا الدستور مرتين، المرة الأولى عام 1981 لتغيير شكل علم البلاد.

والمرة الثانية في عام 2000 لتخفيض عمر المرشح للرئاسة من أربعين عامًا إلى 34 عامًا، لتمكين بشار الأسد من الترشح للمنصب خلفًا لوالده.

دستور 2012 الحالي

أعلنه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد عام من اندلاع الثورة، معتبرًا أنها “جملة من الإصلاحات” التي طالب بها الشعب.

ونصّ الدستور على اعتبار سوريا “دولة ديمقراطية، ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها”، وأن النظام جمهوري الحكم فيه للشعب.

كما حدد دين رئيس الجمهورية بالإسلام، والفقه الإسلامي كمصدر رئيسي للتشريع.

رئيس الجمهورية بحسب الدستور الحالي هو رئيس السلطة التنفيذيّة، وينتخب لمدة سبع سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة.

واشترط الدستور أن يكون الرئيس سوريًا بالولادة، ومن أبوين سوريين بالولادة، وغير متمتع بأي جنسية أخرى وغير متزوج بغير سورية، وألا يكون قد صدر بحقه حكم قضائي “شائن”.

وأوجب أن يكون المرشح حاصلًا على توقيع 35 نائبًا من مجلس الشعب للترشح.

مقالات متعلقة