احتـار .. فاختـار : أعيش بكرامـة.. أو أمـوت

tag icon ع ع ع

جريدة عنب بلدي – العدد 23 – الأحد – 8-7-2012

  مات الشهيد ونحن الأموات أحياء، إذ كان له الشجاعة على اختيار الموت ما دام غير قادر على الحياة بكرامة، فاختار موتًا مليئًا بالقداسة، وبروعة الجمال، وليشهد بدمه لا بكلمته أمام قاضٍ عدلٍ -لا في محكمة التاريخ الذي يخطه أعوان الطغاة- ليشهد أن حاكم بني قومه قد طغى في الأرض وأكثر فيها الفساد، بل وسنّ قوانين صارمة لفنون الظلم والجور والجريمة، مضحيًا بأبنائه أمام أعين ذويهم، ثم متحكّمًا بعائلاتهم وبلقمة عيشهم.

محمد الشيخ رجب.. ابن داريا المدلل، شاب عاش في نعيم وارف، في ظل أسرة رعته فترعرع بعد أن رضع حنان أم تجلس تبكيه، ثم تمسح دموعها بعد أن يزورها طيفه في المنام، فترى مكانته الجديدة في جنة ربها، بدلًا من مكانته تحت شمس تتطاول أيادي الطغاة لتطالها، وتتجرأ على التفكير بمنع نورها عن البشرية.

محمد الشيخ رجب… وفي أثناء تأديته الخدمة العسكرية، تصله رصاصات النظام والقوى الأمنية في قطعته العسكرية في حلب، فتودي بحياته وتسمو بروحه إلى الباري، ثم يُسلّم جثمانه الطاهر إلى أهله في يوم 8آذار 2012م، ليحاول النظام أن يجدّد ثورة الثامن من آذار بنصر جديد حقّقه في مطار منغ في حلب، ولكن لم يعلم أن رصاصاته هذه لم تقتل فينا سوى الخوف.

في مجلس العزاء تجلس أم الشهيد مع النسوة، يتبادلن أطراف حديث عن الثورة، ومستجداتها وآفاقها المستقبلية، ويقرأن ما تيسر لهن من كتاب الله العزيز، ويتضرعن للمولى أن يمحو الغشاوة عن هذه الأمة، وأن يُبدل عسرها يُسرًا، ثم تُودّع النسوة بعد أن تقدّم لهن «القهوة المرّة» التي تستشعر بحلاوتها من حلاوة دم الشهيد، وطيب ذكره.

صورة الشهيد تتوسّط المجلس، وقصص تروى عن حياته، أخلاقه، صفاته الحميدة والطيبة، نظرته للشهادة ولثورة كرامتنا، إذ كان يردد أمام أمه أن آلة غدر النظام تحصد الأعزة وتُبقي الأذلة، تقتل الأحياء، وتُبقي الأموات، وتتوّج خلق الله بميتة حمراء تصبغ أفكارهم عن الحقيقة المهددة بالاندثار، لتكون شهادتهم دمًا يجري في شرايين مجتمع يسرع نحو الموت، فإذا بنبض جديد يسري في العروق فيبث بها الحياة.

محمد- كما يقول صديقه- رحل عني .. شهيد بالجنة…ما بنسى ضحكاته.. إذ كلما ذُكر اسمه تجري دموعي ثرّة، فأخفيها وأسعد بفوزه بمقامه الطيب، علّ سعادتي هذه تكون عزائي، فتمحو غصة سكنت قلبي، واستحالت على الأطباء، واستعصت عن بلسم يداويها، إذ كلما أوشكت على الزوال راودها منظر الجثمان ولون الدماء التي قطرت من محمد… ومن شهدائنا الأبرار، ثم يزورني صبر من الباري لقضاء الله وحكمته، ونداء يؤكد لي أن دم محمد ورفاقه ضياء سينير طريقنا، لطالما كانوا في حياتهم مصابيح، فهم أهل الله وخاصته، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولا يمسهم في الدنيا نصب، وإن أُبعدوا عنها فإلى جنة الخلد ذاهبون، بعد أن نذروا أنفسهم لقول الحق، فوفوا نذرهم صادقين في بذله عن رغب، ليزيلوا معتمات الحجب التي أُسدلت على الحقيقة.

محمد الشيخ رجب… أبشر فذكرك خالد بيننا…. لم تمت يومًا.. بل أنت من الاحياء…

الشهيد محمد الشيخ رجب من مواليد داريا 1991




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة