قراءة في مسلسل “الواق واق”.. رسائل مررها حمادة

مشهد من مسلسل "الواق واق" (إيمار الشام)

camera iconمشهد من مسلسل "الواق واق" (إيمار الشام)

tag icon ع ع ع

د. طارق حسن

عندما يعلن عن مسلسل سوري للكاتب ممدوح حمادة، يتبادر للذهن فورًا “ضيعة ضايعة” و”الخربة”، أيقونتا الكوميديا السورية في الألفية الثالثة، ويرتفع سقف توقعات الضحك إلى مستويات قياسية جديدة قد تتجاوز ما سبق.

لكن، ومع بدء متابعتك لحلقات مسلسل “الواق واق” تجد أن توقعاتك لم تكن في محلّها والسقف الذي رفعتَه بدأ ينزل شأنه شأن أغلبية أحلامنا.

رغم محاولات الكاتب الإبقاء على الحس الفكاهي في المسلسل في مستواه المعهود في سابق مسلسلاته، إلا أنها بقيت محاولات لم يحالفه فيها التوفيق، بل على العكس أضاعت هوية المسلسل.

المسلسل ينتمي إلى ما قد يسمى “الكوميديا السوداء”، إذ لم يكن يحمل كمّ الضحك والتهريج بقدر ما حمل من الرسائل المبطّنة التي تحاكي واقعنا المرير، فالسفينة التي غرقت ونجا منها 17 شخصًا إلى تلك الجزيرة المجهولة في عمق المحيط تأخذنا إلى رسائل فكرية وسياسية، وحتى فلسفية غير متوقعة… ورغم أن الفكرة بحد ذاتها مطروقة كثيرًا في الأدب والفن العربي والغربي قديمه وحديثه، إلا أنّ الاختلاف في الطرح والرؤية قد يشفع للكاتب.

بعد أن تفقد المجموعة العالقة في الجزيرة الأمل في مغادرتها وتبدأ بمحاولة التكيف مع الوضع الجديد، يجد أفراد المجموعة أنه من الضروري تنظيم تواجدهم على الجزيرة و خلق مؤسسة (أقرب للدولة أو الدويلة)، ويبدأ الاختلاف على شكل الدولة المستقبلية، كل شخصية بناءً على خلفيتها الفكرية، فالمارشال ذو الخلفية العسكرية يريدها دولة عسكرية، فيما غالبية أفراد المجموعة الهاربين من الدكتاتورية والحكم العسكري يريدونها دولة مدنية (مدنية جدًا حدّ التطرّف لدرجة أنهم يرفضون تشكيل جيش أو أمن أو وزارة للداخلية في وقت لاحق)، يتحدّث البعض عن شيء يشبه المدينة الفاضلة لأفلاطون، أما المتديّن فيريدها دولةً دينية (وهنا لا بد من الاشارة إلى الصورة النمطية التي تعتمدها الدراما السورية وأغلب الدرامات العربية، إلا ما ندر، للشخص المتديّن فتصوّره كشخص متزمت، متعصب، منعزل عن المجتمع، خطابه فجّ، مشروع “داعشي” محتمل… هذه الصورة لم تتغيّر في هذا المسلسل للأسف ولعلها كانت تذكرة مروره من مقصّ رقيب النظام).

يتم الاتفاق على إجراء انتخابات، وبعد فشل التجربة يتم الاتفاق على إنشاء مجلس حُكم، يذكرنا بتجارب مشابهة في واقعنا العربي، وكما الحال في هذا الواقع نجد أن المجلس يتخبط في قراراته ولا يستطيع أن يقدّم للبلاد أي إنجاز يُذكر، وتراوح أزمات الدولة والمجتمع مكانها، بل وتزداد عمقًا… ليجد المجلس نفسَه أخيرًا مهدَّدًا في وجوده، وهذا ما يحصل عندما يقوم المارشال بانقلابه العسكري، ويستلم زمام الحُكم في الجزيرة.

المسلسل بكل رسائله، السلبية والإيجابية، التي حاول تمريرها، عمل يستحق المتابعة… قد لا يكون من الأعمال الخالدة التي سيذكرها الناس كثيرًا، وصحيح أن الكثيرين سينتقدون ممدوح حمادة لتراجع “أدائه الكوميدي”، إلا أن هذا العمل يُحسب له كمّ الرسائل الكبير التي استطاع أن يمرّرها سواءً في السياق العام للأحداث أو من خلال التفاصيل والحوارات التي تضمّنها، خاصة ونحن نتحدّث عن كاتب وطاقم عمل كامل في مناطق سيطرة النظام السوري.

سؤال يحيّرني: هل رقيب النظام بهذه السذاجة بحيث لم ينتبه لكل ما فاته بين السطور؟ أم أنه يمرّر بمزاجه كما يقال وكما كان يحدث سابقًا، وهذا هو المرجّح لأن العمل بقدر ما كان فيه من الرسائل التي تشير إلى النظام وعيوبه وأخطائه، فإنه كما أسلفنا لا يخلو من رسائل تخدمه وتصبّ في مصلحته، سيما وأن الرسائل حاولت ألا تشير إلى النظام بعينه.

خلاصة الكلام، قد لا يكون “الواق واق” مسلسل العام، أو عملًا متميزًا بمعنى الكلمة، لكنه في المقابل يستحق عناء المتابعة عكس الأغلبية العظمى من الأعمال السورية في السنوات القليلة الماضية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة