كيف تطورت “الكرة” في نهائيات كأس العالم

tag icon ع ع ع

تراجعت بشكل واضح نسبة الأهداف المسجلة من تسديدات قوية من خارج منطقة الجزاء في بطولة كأس العالم الأخيرة، وهو شيء لم يعتد عليه عشاق كرة القدم، وسط تساؤلات عن السبب وهل الأمر يتعلق بمهارات اللاعبين فقط ولا يتأثر بأي عوامل أخرى؟

الأمر بالفعل يعود بالدرجة الأولى لمهارة اللاعب وطريقة تسديده للكرة، لكنه يخضع أيضًا للقوانين العلمية، وخاصة قوانين الفيزياء.

بدايات صناعة كرة القدم

كانت كرة القدم مختلفة تمامًا عما هي عليه الآن، إذ كانت تصنع من جلود الحيوانات، ولم تكن هناك مواصفات ثابتة، وعلى الرغم من تحديد الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم في عام 1872 مواصفات معينة للكرة، كأن تكون كروية الشكل، وأن يتراوح محيطها بين 27 و28 إنشًا، وقطرها بين 8.6 و9 إنش، ووزنها بين 400 و450 غرامًا (وهذه المواصفات لا تزال معتمدة إلى اليوم) إلا أن الكرة لم تكن كما هي عليه الآن، ولم تكن تسقط وترتد بانتظام بسبب وجود نتوءات فيها، واختلاف طرق خياطتها وطريقة تركيب القطع مع بعضها.

وكانت العقبة الأبرز هي استخدام نوعيات مختلفة من جلود الحيوانات في صناعة الكرات، ما أدى إلى تنوعها من حيث السماكة والوزن والجودة، وسبّب في كثير من الأحيان الاختلاف على نوعية الكرة خلال المباراة، ومن أشهر الخلافات ما وقع في المباراة النهائية في كأس العالم الأولى عام 1930 بين الأرجنتين والأوروغواي، وعندها لم يوافق أي من الفريقين على استخدام كرة الفريق الآخر، وفي النهاية تم الاتفاق على استخدام كرة القدم الأرجنتينية في الشوط الأول، وكرة القدم التي قدمتها أوروغواي في الشوط الثاني، وكانت الأرجنتين متقدمة في نهاية الشوط الأول بهدفين مقابل هدف واحد باستخدام كرتها، ومع ذلك عادت الأوروغواي للفوز في المباراة في الشوط الثاني بأربعة أهداف مقابل هدفين باستخدام الكرة الخاصة بها، لتثير المباراة جدلًا كبيرًا في مدى تسبب نوعية كرة القدم في تحقيق الفوز للأوروغواي، وتفتح المجال لتطوير كرة القدم.

تطور الصناعة والإسهام بتطوير الكرة

الظروف لم تتغير حتى عام 1960، عندما تم استخدام الجلد الصناعي في صناعة الكرات، وكان يحاكي نظام الجلد الطبيعي مع امتصاص أقل بكثير للمياه، وراحة أكثر للأقدام، وسرعة ارتداد أعلى.

وساعدت الجلود الصناعية على إيجاد تصميم جديد لكرة القدم، إذ قام المهندس المعماري الأمريكي ريتشارد بوكمينستر فولر بإعداد تصميم لكرة القدم، عندما كان يحاول العثور على طريقة لبناء المباني باستخدام الحد الأدنى من المواد، والشكل الذي توصل إليه هو عبارة عن سلسلة من الشكل خماسي الأضلاع وسداسي الأضلاع التي يمكن تركيبها معًا لتكوين سطح كروي.

وفي نسخة 1970 في المكسيك، استخدمت كرة قدم سميت باسم “تيليستار”، من شركة أديداس، وتم تطبيق شكل التصميم الذي توصل إليه المهندس المعماري على الكرة، وتكونت من 12 جزءًا من خماسي الأضلاع و20 جزءًا من سداسي الأضلاع، وتمت خياطتها معًا، ونفخها بالهواء لتحقق الشكل الدائري، باستخدام اللونين الأبيض والأسود في الكرة لمساعدة المشاهدين، الذين يعتمدون على التلفزيون الأبيض والأسود آنذاك، على مشاهدة الكرة بوضوح.

الفيزياء وتطوير كرة القدم

في عام 1950 طرح أحد الباحثين نظرية اسمها The Magnus effect، وهي عبارة عن القوة المؤثرة على كرة تدور وتتحرك إلى الأمام، وقالت النظرية إن هذه الخاصية هي السبب في أن المهاجم يضرب الكرة في خط مستقيم ومن ثم تنحرف وتلتف. وفي ذلك الحين لم يتعاط “فيفا” مع تلك النظرية كثيرًا، ولم يستخدمها في تطوير لعبة كرة القدم.

في وقت لاحق، وتحديدًا، بعد كأس العالم 2006، قرر “فيفا” تطوير كرة القدم والاستفادة من هذه الخاصية، بحيث تطبق هذه القوة بشكل أكبر، وبالتالي تستطيع الكرة أن تلتف بطريقة أسهل.

عند بدء الدراسة، عرّف الباحثون الديناميكا الهوائية بأنها عبارة عن طريقة انسياب الهواء على الجسم المتحرك، وبالنسبة للكرة، عند انطلاقها بعد تسديدها يحصل للهواء خلفها نوع من الفوضى، ولاحظوا أن هذه الفوضى تتناقص كلما كان سطح الكرة أملس وخاليًا من النتوءات، وبالتالي التخفيف من النتوءات الموجودة على الكرة، والناتجة عن خطوط الربط بين القطع المكونة منها يخفف من الفوضى، ما يعطي الهواء خلف الكرة فوضى أقل، ويعطي الكرة قوة أكبر، ويمكنها من الوصول إلى مسافات أبعد.

تصميم جديد للكرة

كانت الكرة مكونة من 32 قطعة لوحية متصلة مع بعضها، فقام مطورون بإنتاج كرة مكونة من ثماني لوحات مصبوبة حراريًا، بهدف تحسين الديناميكا الهوائية.

والكرة الجديدة أطلق عليها اسم “جابولاني”، وصُنعت من قبل شركة أديداس، وتمت دراستها بالتعاون مع الأكاديميين في جامعة “لوبورو”، وكانت الكرة الرسمية لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2010 في جنوب إفريقيا.

ولم تقف محاولات التطوير عند ذلك الحد، إذ اعتمد “فيفا” في كأس العالم الحالي، 2018، كرة مؤلفة من ست لوحات فقط، ويعتبرها الاتحاد الدولي أنها “الأفضل” لسهولة انطباق قوانين الفيزياء عليها.

الكرة الجديد أطلق عليها اسم ” Telstar 18″، وهي تحاكي الكرة التي تم اعتمادها في عام 1970، وكان اسمها تيلستار.

تأثير التغيير الحاصل في الكرة على اللاعبين محدود وغير كبير عمومًا، إذ يستطيع اللاعبون تسجيل أهداف من كرات مسددة بشكل مستقيم، بشرط أن تكون الركلة قوية جدًا بحيث يقل دوران الكرة حول نفسها، لكن إن استفاد اللاعب من التقنية الفيزيائية فيمكنه جعل الكرة تدور حول نفسها بشكل أكبر، وبالتالي جعلها تلتف عن محورها الأساسي بمقدار يصل إلى نصف متر ومن ثم تعود لمحورها وتصيب هدفها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة