الطبقة من الداخل..

الطبقة من الداخل.. مدينة تستعيد حياتها رغم الدمار

camera iconالدمار في مدينة الطبقة -5 تموز 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

الطبقة – برهان عثمان

بعد أربعة أعوام قضاها في تركيا هربًا من سلطة تنظيم “الدولة الإسلامية”، قرر حازم محمد (27 عامًا) العودة إلى مدينة الطبقة في ريف الرقة، حيث يقيم ذووه، متخلصًا من مشاعر الخوف التي حكمت فكرة العودة إلى المدينة خلال سيطرة التنظيم عليها.

يقول حازم لعنب بلدي، “باتت الحياة أكثر يسرًا والناس بدؤوا بالعودة إلى منازلهم وأعمالهم”، لافتًا إلى أن الصعوبات “قليلة” أمام الأشخاص المتنقلين في مناطق “قسد” بين مدينة وأخرى، وتكاد تقتصر على التفتيش الذي تقوم به الحواجز على الطريق، بما تتضمنه من تدقيق على الأوراق الثبوتية.

وتقوم الحواجز بمراجعة أسماء العابرين والتدقيق في أوراقهم وبطاقات التعريف (الهويات ودفاتر العائلة وجواز السفر) الرسمية الأصلية، أما النسخ فهي مرفوضة ويتم مصادرتها أو تمزيقها، وفق ما أكده حازم لعنب بلدي.

ويضيف الشاب، “العبور والإقامة سيكونان أسهل إذا كانت ولادتك أو محل إقامتك في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد بالكامل (الرقة، الطبقة، الحسكة)”، أما سكان المناطق الأخرى من سوريا فقد يتعرضون للتدقيق والسؤال عن وجهتهم وسبب قدومهم إلى المنطقة.

وتنتشر حواجز “الأسايش” (جهاز الشرطة المحلية التابع لقوات سوريا الديمقراطية)، في مفارق الطرق عند مداخل القرى والمدن الرئيسية، ويمكن تمييزها باللونين الأبيض والأزرق اللذين يغطيان السواتر الإسمنتية، والأضواء الملونة بأحد اللونين الأحمر أو البرتقالي، مع شارات عاكسة ولافتات تنص على وجوب الوقوف والخضوع لتفتيش الحواجز.

الوافد والكفيل

حازم اختار العودة ليعيش مع عائلته باحثًا عن فرصة في الطبقة للحياة والعمل، ويؤكد أن الكثير من أصدقائه عادوا إلى بيوتهم في الرقة والطبقة، إذ تشهد المنطقة عودة المئات من سكانها من مختلف المناطق داخل سوريا وخارجها.

وكان تنظيم “الدولة الإسلامية” انسحب من مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي، بعد نحو شهر من إطلاق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عملية “غضب الفرات” العسكرية، التي سيطرت بموجبها على مساحات واسعة من محافظة الرقة.

وسلمت “قسد” إدارة المدينة إلى مجلس مدني من أبنائها، لكنها تمسك بمفاصلها أمنيًا وعسكريًا، وتطوقها بمجموعة من الحواجز، كما تطبق عليها أغلب قوانين الإدارة الذاتية.

الحاجز الأخير قبل مدخل الطبقة الأساسي، هو الذي يحدد إمكانية دخول الشخص إلى المدنية أو عدمه، وفق ما أكد علي، وهو أحد عناصر “الأسايش”، ويعتمد الأمر على امتلاك الوافد أوراق كفالة من قبل أحد المقيمين في المدينة، وفي حال عدم توفر هذه الأوراق ينتظر على الحاجز لحين قدوم الكفيل شخصيًا.

علي (21 عامًا)، كان قد نزح مع ذويه من دير الزور قبل عدة سنوات ليستقر أخيرًا في مدينة الطبقة وينخرط ضمن صفوف قوات “قسد” ويعمل مع قوات “الأسايش”.

يؤكد علي أن دخول المدن التي تسيطر عليها “قسد” والسكن فيها، وإن كان لمدة محددة، يحتاج إلى كفيل يسكن المنطقة منذ ما قبل عام 2012.

والكفيل، وفق ما شرح علي، هو شخص ضامن لـ “حسن أخلاق” الوافد وسلوكه وعدم انتمائه لأي فصيل أو جماعة مسلحة في السابق، أما الوافد فهي صفة تطلق على كل مقيم أو زائر في المدينة، وهو ليس من سكانها الأصليين.

ولا يحق للوافدين كفالة وافدين آخرين، ويتم استصدار أوراق خاصة بهم وبطاقات تعريف يطلق عليها “بطاقة وافد” تصدرها المجالس الإدارية في المنطقة.

الطبقة من الداخل

تختلط مشاعر الركاب القادمين إلى الطبقة بين الفرح والحنين والخوف من المجهول، عند دخول المدينة التي يبدو اهتمام “قسد” جليًا فيها، وللمرور إلى المدينة، التي يطلق عليها بعض الأهالي اسم “عاصمة قسد” لا بد من عبور جسر السد وصولًا نحو الكراج الذي يقع بالقرب من منطقة السوق ذات الحركة النشطة لمركبات النقل والمسافرين.

تقسم المدينة إلى قسمين، الأول هو قسم “الأحياء” ويضم ثلاثة أحياء قريبة من ضفاف البحيرة الواسعة، التي تعتبر أبرز معالم الطبقة وأكثرها جمالًا، وهي مسطح مائي تم إنشاؤه خلف سد الفرات عام 1968 على نهر الفرات.

ولا تزال أثار القصف قائمة في الأحياء الأول والثاني والثالث، وتبدو جلية في الأبنية المدمرة وبقايا الرصاص.

أما القسم الثاني (السوق)، فهو منطقة شعبية مقسمة إلى عدة أحياء، أغلب بنائها من البيوت العربية، فيها أيضًا بناء حديث بطابقين أو ثلاثة، تتناغم مع طابعها الشعبي القريب من أجواء القرية، وبحسب الأهالي فإن هذه المنطقة لم تتضرر كثيرًا وتبدو أقل دمارًا.

وتتوفر الخدمات الأساسية في مدينة الطبقة أغلب ساعات اليوم، وكانت “قوات سوريا الديمقراطية” زودت بداية العام الحالي 80% من المدينة بالكهرباء، كما أن ورشات البلدية تعمل بشكل متواصل على إصلاح البنية التحتية والتخفيف من الأنقاض وتحسين مظهر المدينة.

ألفاظ جديدة وطابع كردي

مع الدخول إلى مناطق “قسد” تصبح كلمة “هفال” (heval) هي الكلمة الأكثر تداولًا، وهي تعني الرفيق أو الصديق باللغة الكردية، أما عاميًا فهي لقب يطلق على منتسبي “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية” من عسكريين ومدنيين، وهذه الكلمة ليست الوحيدة الدخيلة على القاموس المحلي، فالكثير من الكلمات الجديدة دخلت إلى المنطقة وأصبحت متداولة بين أبنائها كما أكدت السيدة حسنة عكاب (43عامًا) لعنب بلدي.

وكانت عكاب نزحت من الطبقة مع أبنائها إلى منطقة الباب في ريف حلب، قبل أن تقرر العودة بحثًا عن الأمان، لتجد في عودتها فرصة لبناء “حياتها من جديد”.

وتضيف عكاب أن المفردات الجديدة دخلت مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإدارية، بما فيها المسميات الإدارية في المنطقة مثل “كومين” وهي الوحدة الإدارية ضمن مقاطعات الإدارة الذاتية، ومسميات الأجهزة الإدارة والأمنية مثل “الأسايش” وقوات “حماية الشعب والمرأة”، لافتةً إلى أن السكان يستخدمون المصطلحات الجديدة دون “غربة”.

ورغم التغييرات الجزئية في نمط الحياة ضمن مدينة الطبقة، لكن التحسن الأمني والخدمي يضع المدنيين في حالة من الراحة التي فُقدت خلال سيطرة التنظيم، إذ لم يعد حلم الشاب حازم محمد بتأسيس أسرة وافتتاح مشروع صغير مستحيلًا كما في السابق، فهو يبدأ مع عودته إلى مدينته حياة جديدة يمكن أن تفتح أمامه نافذة التطلعات نحو مستقبل أفضل.

 

خريطة توضح توزع السيطرة العسكرية شمالي سوريا (livemap)




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة