مدنيون ضحايا ثلاث استراتيجيات في هجين

camera iconمقاتل من قوات سوريا الديمقراطية في قرية السوسة بريف دير الزور الشرقي - 13 أيلول 2018 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أحمد جمال

مع اختلاف استراتيجيات الأطراف المتصارعة في منطقة هجين شرق الفرات، تختلف المبررات التي يتبناها كل طرف سعيًا لتحقيق أهدافه، وبغطاء القوانين الدولية والغايات العسكرية تبرر جرائم ترتكب بحق المدنيين.

في خضم المعارك الدائرة شرقي دير الزور على الحدود العراقية، بين تنظيم “الدولة الإسلامية” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ترتفع حصيلة الضحايا من المدنيين بشكل يومي، بين نيران الأطراف الفاعلة دون رادع يحيدهم عن خرائط المتصارعين.

وتخوض “قسد” عمليات عسكرية بدعم التحالف الدولي للسيطرة على جيب هجين، الذي يعتبر آخر معاقل تنظيم “الدولة” في المنطقة الشرقية، وكثف الأخير من هجماته الأسبوع الماضي ليستعيد النقاط التي خسرها، لكن اشتداد المعارك واختلاف المتغيرات العسكرية، كان وما زال على حساب أرواح المدنيين.

ضحايا بين الاستراتيجيات المختلفة

رغم وقوعهم بين مخالب الجهات المتصارعة، وتغييب معاناتهم إعلاميًا وحقوقيًا، تستغل هذه الجهات المدنيين المحاصرين لتبرير الخسائر والانتهاكات.

وتبرر “قسد” خسائرها العسكرية وبطء تقدمها، خلال الأسابيع الماضية، بالخوف على المدنيين، الذين اتهمت تنظيم “الدولة” باستخدامهم دروعًا بشرية في معاركه، وخاصة في الهجوم الذي تعرض له النازحون في مخيم هجين، منتصف تشرين الأول الماضي.

لكن شبكة “فرات بوست” شككت برواية “قسد”، وقال الصحفي صهيب جابر، عضو الشبكة، لعنب بلدي، السبت 3 من تشرين الثاني، إن القوات احتجزت نحو 700 مدني فروا من مناطق التنظيم إلى مناطق أخرى هربًا من المعارك، ولم تسمح لهم بإكمال طريق النزوح ولا تزال تحتجزهم في منطقة هجين، معتقِلة كثيرين منهم بتهمة الانتماء للتنظيم.

ووفقًا لجابر، فإن “التنظيم” هاجم مخيم هجين، سعيًا لإعادة المحتجزين إلى مناطق سيطرته، لتعاود القوات اتهامه بخطف المدنيين وزجهم في المعارك.

ومن جهة أخرى، فإن وجود المدنيين في مناطق سيطرة تنظيم “الدولة”، يجعلهم أكثر عرضة للقتل بسبب تحركهم بين الأهداف العسكرية في منطقة لا تتجاوز مساحتها 225 كيلومترًا مربعًا، إلى جانب سياسة التنظيم التي تمنعهم من النزوح بحجة أنهم رعاياه.

ووثقت “فرات بوست” مقتل 43 مدنيًا خلال الشهر الماضي، في دير الزور، بينهم سبعة أطفال بطيران التحالف الدولي، و13 آخرون خمسة منهم بألغام زرعها التنظيم، وسبعة تم إعدامهم على يده، إضافة لمقتل سيدة بسلاح “قسد”.

ومن بين الهجمات المتعاكسة، المتمثلة بالكر والفر بين تنظيم “الدولة” و”قسد”، يبقى المدنيون أرقامًا تسجل في بيانات الضحايا والإصابات، لكن تلك البيانات لا تنعيهم أو تطالب بتحقيق العدالة لهم، بل إنها تأتي ضمن سياق الإدانات المتبادلة بين المتصارعين على السيطرة.

ويجد المدنيون صعوبة في النزوح هربًا من القصف المتكرر في مناطق شرقي دير الزور، نتيجة منعهم من قبل التنظيم، والتضييق عليهم من قبل “قسد” التي تدعوهم للنزوح إلى مناطق سيطرتها لكنها تحتجزهم، ليجدوا أنفسهم بين فكي الطرفين وجحيم المعارك.

تحركات حقوقية خجولة

وفي إطار الهجمات المتكررة وحالات النزوح الواسعة، حذرت الأمم المتحدة من الخطر الذي يهدد الآلاف من المدنيين لا سيما النازحين، وقالت في تقرير لها، في 16 من تشرين الأول الماضي، إن نحو ألف مدني معرضون للخطر في منطقة هجين شرقي دير الزور، بينما نزح نحو سبعة آلاف مدني من المنطقة التي تشهد معارك منذ أسابيع.

وركز التقرير الأممي على العنف المستمر في مناطق هجين والشعفة والباغوز وسويدان، متهمًا تنظيم “الدولة” بالهجوم على مخيم للنازحين في منطقة هجين، وأدى ذلك لاختطاف العديد منهم وإجبار آخرين على النزوح، بحسب التقرير.

كما قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، حينها، إنه “في الوقت الذي تمكن فيه شركاء الأمم المتحدة من توفير الطعام والمواد الغذائية والمياه ومواد النظافة الشخصية والصرف الصحي لحوالي خمسة آلاف نازح لمرة واحدة فقط، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من المساعدة لتلبية احتياجات النازحين والمجتمعات المضيفة”.

وجراء المعارك، نزح الآلاف من المدنيين إلى مناطق سيطرة “قسد”، أغلبهم في بلدة غرانيج، بحسب الأمم المتحدة، بينما يبقى آلاف آخرون في مناطق يصعب الوصول إليها بسبب شدة المعارك والهجمات المتعاكسة.

جرائم بغطاء قوانين دولية

وبغطاء القوانين الدولية، استهدف التحالف الدولي مسجدين في منطقة هجين، منتصف تشرين الأول الماضي، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين، ليبرر ذلك بأن تنظيم “الدولة” استخدمهما كمواقع عسكرية له.

وقال التحالف إنه دمر عدة مبان استخدمها التنظيم لشن هجمات ضد “قسد” في قرية السوسة، مضيفًا أن القصف استهدف مسجدين، “أقام التنظيم فيهما مركزي قيادة ومراقبة في قرية السوسة”، بحسب وصفه.

لكن عدد القتلى بلغ نحو 45 قتيلًا من المدنيين بالإضافة لعدد من الجرحى في الغارات، كما وثقت شبكة “فرات بوست” استخدام قنابل الفوسفور الأبيض ثلاث مرات خلال الشهر الماضي في منطقة هجين، إلى جانب أكثر من 50 غارة جوية.

وأشار الصحفي صهيب جابر إلى أن طيران التحالف يستهدف التجمعات بشكل متعمد بما فيها المنازل والمنشآت والمرافق العامة، ولا يغادر أجواء المنطقة.

وكان المتحدث باسم “البنتاغون”، الكولونيل روب مانينغ، قال تعليقًا على حادثة المسجدين إن دور العبادة محمية عامة باتفاقيات جنيف “إلا إذا تم استخدامها لغايات عسكرية”، مضيفًا “عندما تعمّد تنظيم الدولة استخدام هذا المبنى وجعله مركزًا للقيادة والمراقبة أسقط عنه صفة المبنى الذي يخضع للحماية”.

وتنص “المادة 53” من اتفاقية “جنيف 1977” على حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة، وتمنع “ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب”، كما تحظر “استخدام مثل هذه الأعيان في دعم المجهود الحربي، أو اتخاذ مثل هذه الأعيان محلًا لهجمات الردع”، بحسب ما جاء في نص الاتفاقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة