بلا أطراف.. سوريون لا يسندهم سوى الأمل

  • 2018/11/11
  • 1:04 م

الماراثون الأول لذوي الاحتياجات الخاصة في الشمال السوري – 22 من تشرين الأول 2018 (عنب بلدي)

إدلب – بتول الحموي

“بدأ التراب يتساقط فوقي بقوة حتى دُفنت تحته وأنا على قيد الحياة، وكلما حاول الجيران مساعدتي سقطت قذيفة أخرى لتبعدهم عني وتقرب الموت أكثر، فبدأت أغمض عيني ببطء وأسلم نفسي للقدر”، بهذا وصفت أم عامر لعنب بلدي أقسى لحظات حياتها حين استُهدف مكان سكنها في ريف إدلب الجنوبي.

نجت أم عامر، وهي أم مطلقة لأربعة أولاد، من الموت، حين تمكن الدفاع المدني من نقلها إلى المشفى، وبعد أن انتهى تأثير البنج من جسدها المنهك علمت أنها خسرت ساقها، ولم تعد قادة على خدمة وتربية أطفالها مجددًا.

بقيت أم عامر (38 عامًا) في المشفى مدة ثلاثة أيام وهي تسأل عن مصير صغارها، وعلمت بعدها أنهم نقلوا مع أحد أقاربها إلى قرية مجاورة في ريف إدلب الجنوبي، لتلتحق بهم في مكان نزوحهم، وفق ما قالته لعنب بلدي.

مجبرة على التعامل مع وضعها الجديد، قررت أم عامر مواجهة مرارة النزوح ومسؤولية الأطفال بساق واحدة، كما اضطرت لنسيان أمر تركيب ساق صناعية، فهي لا تملك من المال سوى ما تجنيه من بيع منتجات أغنامها ودجاجاتها في الصيف، وما يقدمه أهل الخير لها على حد قولها.

بإصابتها انضمت أم عامر إلى قائمة طويلة من المصابين إثر الحرب، إذ يصل عدد الأشخاص الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافهم بعد عام 2011 في سوريا إلى 86 ألفًا، وفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة “هانديكاب إنترناشيونال”، في كانون الأول من العام الماضي.

صفاء الصبيح، مديرة مركز خطوات الإرادة للأطراف الصناعية، تحدثت لعنب بلدي عن معاناة مبتوري الحرب في مناطق سيطرة المعارضة، مرجعةً سببها إلى “العمليات الجراحية الميدانية التي كانت تُجرى بشكل سريع لحظة الإصابة، بسبب غياب الأطباء الاختصاصيين وقلة مواد التعقيم في أثناء عمليات البتر، إذ تحتاج معظم حالات البتر لعملية تصحيح بتر وخاصة حالات ما بعد الاصابة الإسعافية”.

وأضافت، “حاليًا كثرت مراكز الأطراف الصناعية بالداخل السوري، لكن يبقى على صاحب حالة البتر التنقل بين المدن لزيارة المراكز”، ذلك ما يزيد معاناة المصابين “الذين يحتاجون من يوصلهم لمركز تركيب الأطراف ما يرتب أعباء مادية عليهم، وهم في الغالب عاطلون عن العمل، ولا يملكون تكاليف التنقلات بين منازلهم والمراكز”، وفق الصبيح.

عمر المشكل، من قرية كفر سجنة في ريف إدلب، يعاني أيضًا من بتر في ثلاثة أطراف، ما يجعل معاناته مضاعفة، ويزيدها ضعف الإمكانيات المادية.

يصف عمر المشكل (34 عامًا) لعنب بلدي لحظة إصابته، قائلًا، “سمعت مناديًا على القبضة يعلن بدء معركة تحرير مورك، لم أتمالك أعصابي فلبيت النداء والتحقت لأدافع عن بلدي برفقة مجموعة من أبنائي”، وكان ذلك آخر ما يتذكره قبل أن يفقد الوعي.

يتابع عمر، “حين استيقظت وجدت نفسي في مشفى بتركيا وقد فقدت ثلاثة من أطرافي”، ومنذ ذلك الحين تبدلت حياته بشكل جذري، لينتهي به المطاف مصنفًا تحت مسمى “ذوي الاحتياجات الخاصة”.

بدأ عمر، وهو أب لستة أطفال، رحلة العلاج الشاقة في تركيا، والتي أسهم في تغطية نفقاتها الأصدقاء و”أهل الخير”، لكنها لم تجدِ نفعًا، وسط عجز الأطباء عن معالجة حالته في تركيا، فحزم حقائبه وعاد إلى قريته بريف إدلب بعد حوالي 15 يومًا.

لم تتمكن الأطراف الصناعية التي قام بتركيبها في تركيا من مساعدة عمر، لأنها كانت أطرافًا “بسيطة وتقليدية”، فوصفها بأنها “تشبه العصى لا تفيد بشيء مطلقَا”، إذ يحتاج معها إلى شخصين يساعدانه في الوقوف والقعود.

أما الأطراف الذكية التي احتاجها فلم يكن من السهل توفيرها، لأن تكلفتها تبلغ نحو 60 ألف يورو، كما أكد لعنب بلدي، كما لم تنفع كل اتصالاته مع المنظمات الإنسانية داخل سوريا وخارجها لتأمين هذه الأطراف.

ويشير عمر إلى أنه قصد المنظمات في كل من غازي عنتاب والريحانية وأضنة في تركيا دون فائدة، ويضيف، “أنا لا أتكلم عني كشخص ولكن أتكلم بلسان كل إنسان مصاب، ما نحتاجه فقط كرسيًا كهربائيًا يساعدنا في الخروج إلى بيت الخلاء فقط”.

لكن صفاء الصبيح، مديرة مركز “خطوات الإرادة”، ترى أن مبتوري الأطراف يحتاجون أكثر من ذلك، داعيةً إلى “إعادة تأهيلهم عن طريق تأمين فرص عمل أو تدريبهم على أعمال تكون وسيلة إعالة لهم في معيشتهم”.

ورغم مساعي مراكز تركيب الأطراف الصناعية في مناطق سيطرة المعارضة، ما زالت معاناة عدد كبير من المصابين قائمة، فعمر المشكل، الذي يتحرك اليوم على كرسي كهربائي أرسله له أحد أصدقائه في الخليج، لا يتلقى أي مساعدات من أي جهة باستثناء راتبه الشهري من الفصيل الذي كان يقاتل في صفوفه، والذي لا يغطي سوى ربع احتياجات أسرته، على حد تعبيره.

أما أم عامر، التي لم تحظَ بما يسند قامتها حتى الآن، لا تزال تستيقظ في الليل لتطعم طفلها الصغير ذ الأربعة أشهر أو لتقضي أي أمر آخر، فتنسى ساقها المبتورة، وتسقط على الأرض مع أحلام وآلام كثيرة.

مقالات متعلقة

  1. حوامل يتخوفن من وضع أولادهن في إدلب
  2. برواية من عاشها.. أربع سنوات على قصف خان شيخون بالسارين
  3. "الجوع الكافر" يفتك بمضايا والأمم في غفلة عن المجزرة
  4. عامر الموهباني.. نجا بذاكرة بصرية ليحفظ قضية بلده

مجتمع

المزيد من مجتمع