المبصرون في مجتمع “العمى”

camera iconرواية العمى لجوزيه ساراماغو (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

مراجعة ملك رمضون

“لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون”، بهذه الجملة تنتهي أحداث رواية العمى لمؤلفها جوزيه ساراماغو، الروائي البرتغالي الذي كان صحفيًا وشاعرًا وكاتبًا مسرحيًا قبل أن يجتاح عالم الرواية ويحصل على جائزة نوبل للآداب فيها.

تتحدث الرواية عن وباء العمى الذي انتشر في مكان ما في العالم، وما يميز هذا العمى بأنه أبيض، ما يجعله حاملًا لرمزية ثورة بيضاء أو انتفاضة على الواقع.

تبدأ الرواية بفقدان شخص بصره، تصيبه حالة العمى الأبيض والتي بدأت عدواها تنتقل للآخرين، فتسارع الحكومة إلى عزل المصابين ونقل الحالات المشتبه بها إلى المستشفى بطريقة تشابه الاعتقال الجماعي الذي تمارسه الحكومات الديكتاتورية عند خروج أي فرد من المجتمع عن إرادة السلطة، ليعلق جوزيه في روايته، “ألسنا عميانًا عندما نقبل أن تمارس علينا شتى أنواع القهر والحرمان”.

تفاصيل الرواية تلامس حياتنا، فشخصياتها ترفض البقاء تحت نير الظلامية والمستقبل الأسود القاتم، وتتوق إلى صفحة بيضاء من الحياة ملؤها الأمل والنقاء.

فالعمى ليس فقدان البصر بقدر ما هو فقدان البصيرة والرؤية، والاستسلام لكل ما هو مفروض من تدابير وإجراءات وأساليب عيش صعبة، المعنى الحقيقي لكلمة العمى في الرواية هو انعدام أبسط مقومات العيش الكريم من ماء، وكهرباء، وطعام، وطبابة، وفرص عمل وغيرها.

والأبيض في الرواية هو التخلص من النقيض، وإشارة إلى ولادة ثانية أو بداية جديدة للناس بعد كل ما تعرضوا له من مهانة وذُل قبل استعادة بصرهم وبصيرتهم مجددًا ليبدؤوا حياة خالية من مظاهر القهر والاستبداد.

تدور الأحداث في مكان أو مدينة وحتى في بلد لا يحمل اسمًا، حتى شخوصها أشير إليهم بألقابهم وأوصافهم: الطبيب، زوجة الطبيب، الكهل ذو العين المعصوبة، الفتاة ذات النظارات السوداء، الطفل، العجوز، وهذا ما يجعلها تحدث في كل زمان ومكان.

ستتخيل مع الرواية أنك أعمى، وستحاول تصيد العميان من حولك، سينكشف لك كيف ينهار المجتمع وأفراده، وكيف تتكون بنيته الهشة التي تبدأ من داخلنا.

ومن ثم يأتي يوم ويستعيد فيه سكان المدينة بصرهم، بعد نحيب طويل، كما قال جوزيه في روايته، “ماذا تعني الدموع عندما يفقد العالم كل المعاني”. رواية العمى تحمل رمزية عالية ووصفًا دقيقًا ولغة مدهشة تجعل القارئ يعكس أحداثها على واقعه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة