من الرابح ومن الخاسر؟

“تحرير الشام” تحضّر لإدارة الشمال بإقصاء “الزنكي”

camera iconمقاتلون سوريون يشاركون في معركة وهمية تحسبًا لهجوم من قبل النظام على محافظة إدلب - 14 آب 2018 (عمر حاج قدور AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

في ثلاثة أيام، تمكنت “هيئة تحرير الشام” من إنهاء نفوذ “حركة نور الدين الزنكي” في ريف حلب الغربي، لتنضم إلى قائمة الفصائل التي تم القضاء عليها على يد “جبهة النصرة” (المنحلة في الهيئة) على مدار السنوات الماضية، ومن أبرزها “حركة حزم”، “جيش المجاهدين”، “تجمع فاستقم كما أمرت”، “جبهة ثوار سوريا”، “الفرقة 30”.

لم تكن السيطرة السريعة لـ “هيئة تحرير الشام” على كامل الريف الغربي لحلب عملية غير محسوبة، بل باستراتيجية تم وضعها وخطط لها بشكل مسبق، فالتعزيزات التي استقدمتها إلى المنطقة والتي شاركت في الاقتحام أظهرت منذ اليوم الأول للمواجهات أن “الهيئة” تنوي القضاء على “الزنكي” بشكل كامل، على خلاف الاقتتالات السابقة، التي انتهت باتفاقيات “صلح وترضية”.

وزاد على استراتيجية “تحرير الشام” في التوغل في ريف حلب الغربي التجاهل التركي للعمليات على الأرض، رغم دخول فصائل “الجبهة الوطنية” المدعومة من تركيا في المواجهات ضد “الهيئة”، ومن بينها فصيل “فيلق الشام” والذي ظهر كطرف أساسي في المواجهات، لكن دون جدية في القتال ضد “تحرير الشام”.

وبحسب ما قالت مصادر عسكرية من ريف إدلب لعنب بلدي، فإن نقاط “الفيلق” ومواقعه لم تتعرض لأي اقتحام من جانب “الهيئة”، إذ اتبع الفصيل سياسية الحياد كخطوة تشابه ما قام به في السنوات الماضية، وهو أمر يخالف ما روج له إعلاميًا.

ومع توسع سيطرة “تحرير الشام” في ريف حلب الغربي، وحالة الترقب في محافظة إدلب تدور التساؤلات عن التطورات التي قد تقبل عليها المنطقة في الأيام المقبلة، سواء باستئناف المواجهات بين “الجبهة الوطنية” و”تحرير الشام” أو توقفها بعد حصول الأخيرة على مرادها.

الرابح والخاسر؟

بقراءة بسيطة للواقع الميداني على الأرض نجد أن خريطة السيطرة لـ “تحرير الشام” داخل إدلب وأرياف حلب توسعت بالسيطرة على كامل الريف الغربي، والنقطة الأساسية التي يجب الوقوف عندها هي الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها المنطقة، فجبل الشيخ بركات الواقع حاليًا ضمن نفوذ “الهيئة” يطل على كامل أرياف حلب (الغربي، الشمالي الشرقي)، ويكشف مدينة عفرين، إضافةً إلى بلدتي نبل والزهراء اللتين يسيطر عليهما النظام السوري، كما تعتبر المساحة التي انسحبت منها “الزنكي” صلة الوصل بين منطقة “غصن الزيتون” (عفرين) وإدلب، عدا عن أهميتها بالنسبة للنظام السوري.

يمكن القول إن “تحرير الشام” انتزعت أبرز المفاصل المهمة لـ “الشمال المحرر”، في خطوة استباقية لتنفيذ بنود اتفاقية “سوتشي”، ومن بينها إنشاء المنطقة العازلة بين مناطق النظام والمعارضة، والتي يندرج الريف الغربي فيها، إضافةً إلى فتح الطريقين الدوليين دمشق- حلب، وحلب- اللاذقية.

ومما لا شك فيه أن “الزنكي” هي الطرف الخاسر في المواجهات، على عكس بقية فصائل “الجبهة الوطنية” التي لا تزال تحتفظ بمواقعها في إدلب، سواء في الريف الجنوبي الشرقي الذي دخل ضمن دائرة المواجهات أو الريف الغربي في منطقة جبل شحشبو.

ويقول قيادي في “الجيش الحر” لعنب بلدي (طلب عدم ذكر اسمه) إن “حركة الزنكي” لم تقدم أي تنازلات في الأيام الماضية بالنسبة لمحادثات “أستانة”، وللمشروع القاضي بتقدم قوات الأسد وروسيا إلى ريف حلب الغربي من أجل تخفيف “المشاحنة” بين الدول الضامنة للمحادثات (روسيا وتركيا وإيران).

ويضيف أن “قيام النصرة بالهجوم على الزنكي له هدف استراتيجي وحيد هو إضعافها وإنهاء ما يعادل نصف قواتها، كي لا تكون على طاولة المفاوضات المستقبلية”، معتبرًا أن هجوم النصرة وراءه هدفان: الأول إنهاء “الزنكي” وإضعاف “تحرير الشام” من جهة، والهدف الآخر هو أن تبقى قوتان بارزتان في الشمال هما “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية”.

ويتصدر “الجبهة الوطنية” فصيل “فيلق الشام” المقرب من تركيا، والذي يعرف بالتكتم الكبير على سير عملياته في الشمال، ويوضح المصدر أن “الفيلق” هو المستفيد الأكبر من المواجهات التي شهدتها المنطقة سابقًا، إذ لم يتعرض لأي خسائر بالعناصر والعتاد وحافظ على علاقة متوازنة مع بقية الفصائل العسكرية.

وتأتي استفادة “فيلق الشام” من كونه أصبح حاليًا أقوى كتلة في فصائل المعارضة المعتدلة، بعد إنهاء “الزنكي” بشكل كامل، وبالتالي فإن القرار في إدلب يعود إليه، إلى جانب ما ستكون عليه العلاقة مع “تحرير الشام” مستقبلًا.

وفي اليوم الأول للمواجهات كانت لهجة “الجبهة الوطنية” تصعيدية ضد “تحرير الشام”، ففي البيان الأول أعلنت استنفار قواتها بشكل كامل ضد “تحرير الشام”، وأتبعته ببيان آخر دعت فيه مقاتليها إلى الالتزام بنقاط التماس مع قوات الأسد، بينما كان البيان الثالث خفيف اللهجة، الأمر الذي أعطى مشهدًا متخبطًا داخل “الجبهة الوطنية” بشأن مؤازرة “الزنكي” التي تعتبر أحد المكونات الرئيسية فيها.

“حياد مصلحي”

وأعلن عن تشكيل “فيلق الشام” في آذار 2014، من اتحاد 19 لواء ومجموعة مختلفة، توزعت في حلب وحمص وحماة وإدلب وريف دمشق، ويعرف أنه الذراع العسكرية لجماعة “الإخوان المسلمين”، وهو بديل لـ “هيئة حماية المدنيين” التي تشكلت في بداية الثورة السورية بمجموعات مختلفة كان بعضها ينتسب للإخوان و”هيئة دروع الثورة”.

والألوية المشكلة له في السابق هي: “لواء الحمزة، لواء أبي عبيدة بن الجراح، لواء التمكين، لواء هنانو، لواء حطين، لواء عباد الرحمن، لواء الفرقان، تجمع صقور الإسلام، لواء المجاهدين، كتائب الأمجاد، لواء نصرة الإسلام”، إضافةً إلى “لواء أشبال العقيدة، لواء مغاوير الإسلام، لواء أسود الإسلام، لواء سهام الحق، لواء الفاتحين، لواء مغاوير الجبل، لواء الإيمان، لواء أنصار إدلب”.

ويعرف “فيلق الشام” بالتكتم عن قياداته العسكرية، وعلى رأسهم القائد العام فضل الله الحجي، المعروف بدعمه الواسع من الجانب التركي، إلى جانب القيادي خلدون مدور، وينحدر من محافظة حمص، ونُصّب مؤخرًا قائد قطاع ريف حلب الشمالي.

وبحسب معلومات عنب بلدي، يتولى قيادة قطاعات “الفيلق” ضباط منشقون عن النظام السوري، غالبيتهم من محافظة حمص، وكان الفصيل قد دخل بعدة تحالفات في مناطق المعارضة بينها “غرفة عمليات فتح حلب”، “جيش الفتح”، “غرفة عمليات ريف حمص الشمالي”، “غرفة عمليات حوار كلس”.

على مدار السنوات الماضية اتبع “الفيلق” سياسية “الحياد” بالابتعاد عن الاقتتالات الداخلية في محافظة إدلب وبقية مناطق المعارضة، وكان موقفه على سوية واحدة سواء بالنسبة لـ “تحرير الشام” أو غيرها.

وفي آخر الاقتتالات التي شهدتها إدلب، عام 2017، حدد “الفيلق” موقفه من المواجهات العسكرية التي تشهدها محافظة إدلب بالحياد، وذلك بعد دعوات وجهت للمشاركة من طرفي “الاقتتال” (جبهة تحرير سوريا، هيئة تحرير الشام).

وفي بيان نشره الفصيل عبر معرفاته، حينها، قال إنه لم يرضَ بـ “البغي والاعتداء والظلم في الثورة السورية”، لكن العمل على جبهات قوات الأسد والميليشيات المساندة لها أولى من الدخول في “الاقتتال”، ودعا جميع الأطراف إلى تحكيم العقل، والرجوع إلى “الحق” بعيدًا عن الانجرار إلى الباطل، لافتًا إلى مسؤوليته في حماية المدنيين الذين تعرضوا للاستهداف.

وأعطت حالة “الحياد” التي التزم بها “الفيلق” من الاقتتالات مشهدًا من “التناغم” مع “تحرير الشام”، خاصة بعد دعوات وجهت له للمشاركة إلى جانب فصائل “الجيش الحر” للتصدي لهجمات “الهيئة”.

وبالعودة إلى الفكرة السابقة المرتبطة بالفائدة التي تعود على “الفيلق” من مواجهات ريف حلب الغربي، اعتبر المصدر السابق أن الجانب التركي يريد ضبط إدلب بقوة واحدة، بعيدًا عن “حالة الفصائلية” التي تعيشها حاليًا.

وقال، “من غير المستبعد أن تشهد الأيام المقبلة تحركات مشتركة بين الفصائل، كخطوة لوضع إدارة مدنية وعسكرية واحدة، لكن بعد تغيير الحالة الأيديولوجية الخاصة بالهيئة، والتيارات المتشددة التي تمسكها”.

“الجبهة الوطنية” أمام خيارين

وفي آخر تطورات الوضع الميداني لإدلب استعادت “تحرير الشام” السيطرة على بلدة تلمنس في ريف معرة النعمان، بعد يوم من دخول “الجبهة الوطنية” إليها، لكن العودة كانت دون قتال بل بموجب تفاهم بين “الهيئة” و”فيلق الشام”، وتلتها مناطق معرشورين، والغدفة، وجرجناز، ومعصران.

وكان اللافت بعد إحكام “الهيئة” سيطرتها على ريف حلب الغربي بالكامل انخفاض وتيرة المواجهات في محافظة إدلب، عدا بعض الاشتباكات المتقطعة التي دارت في منطقة أطمة الحدودية.

وحصلت عنب بلدي من رئيس الوفد العسكري في مفاوضات “أستانة”، فاتح حسون، على متابعة ميدانية للوضع في إدلب نشره “مكتب الارتباط والدراسات العسكرية” في “الجيش الحر”.

وجاء في المتابعة أن “الجبهة الوطنية” أمام خيارين في الوقت الحالي، أي بعد خروج “الزنكي” بشكل كامل من مناطقها في ريف حلب الغربي، الخيار الأول هو ردع “تحرير الشام” وانتزاع المفاصل المهمة منها، وإحكام سيطرتها على كامل المناطق “المحررة” في إدلب ومحيطها، وإما ستفقد دورها في إدارة الشمال السوري، بينما يتلخص الخيار الثاني بأن تقدم “تحرير الشام” نفسها على أنها التشكيل القادر على إدارة الشمال مع إجراء تغيير جذري في بنيتها العسكرية والسياسية والأيديولوجية تتناسب وتوجهات الجهات الفاعلة بالملف السوري.

وبحسب المتابعة الميدانية، تريد “تحرير الشام” السيطرة على كامل مفاصل المناطق المحررة بإدلب والتخلص من أي فصيل يشكل خطرًا عليها “تحت غطاء ذرائع واهية واتهامات باطلة”، في خطوة لوضع الجانب التركي أمام خيار “أنها التشكيل العسكري الوحيد القادر على إدارة المناطق المحررة في إدلب ومحيطها والمتحكم بكافة مفاصله”.

بانتظار فتح الأوتوسترادات

بعد سيطرة “تحرير الشام” على كامل الريف الغربي وبوابة المنطقة إلى عفرين، باتت تتحكم بأجزاء واسعة من الأوتوسترادين الدوليين دمشق- حلب، وحلب- اللاذقية، اللذين يفترض أن يعاد افتتاحهما بموجب اتفاق “سوتشي” الموقع في أيلول 2018.

لكن توجد منطقتان لا تزالان خارج نفوذ “الهيئة”، هما معرة النعمان وأريحا، ويدور الحديث عن مفاوضات بين “الجبهة الوطنية” و”تحرير الشام” لإبعادهما عن أي وجود عسكري من قبل أي فصيل.

وفي مؤتمر صحفي، في أيلول الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أنه بموجب اتفاق قمة سوتشي سيتم الحفاظ على حدود محافظة إدلب السورية.

وحدد جاويش أوغلو المدة التي سيتم فيها فتح الطريقين الدوليين “M4″ و”M5” المارين من إدلب نهاية عام 2018، لتنشيط التجارة في المنطقة، وهما طريق دمشق- حلب وطريق اللاذقية- حلب.

ولا يمكن فصل بنود الاتفاق عن التحركات التي تقوم بها “حكومة الإنقاذ” بعد تشكيلتها الوزارية الجديدة، المعلنة في كانون الأول الماضي، إذ تعمل على تنسيق عمل المعابر في محافظة إدلب بشكل كامل، وتتحرك للتنسيق مع تركيا للحصول على مكاسب خدمية في المنطقة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة