ناجون يشقون طريق العدالة

25 مسؤولًا سوريًا يواجهون دعوى قضائية في السويد

camera iconناشطون سوريون وأوروبيون في أثناء الإعلان عن رفع دعوى قضائية ضد مسؤولين سوريين في السويد - 20 شباط 2019 (Facebook/ Katarina Bergehed)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خاص

في سبيل إكمال مسيرة البحث عن العدالة لضحايا الحرب السورية، قدم تسعة سوريين ناجين من التعذيب شكوى جنائية في السويد، ضد مسؤولين كبار في حكومة النظام، متهمين إياهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

الدعوى التي قدمت، الثلاثاء 19 من شباط، أسهم فيها كل من “المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان”، و”المركز السوري للبحوث والدراسات القانونية”، و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، و”المنظمة السويدية للمدافعين عن الحقوق المدنية”، و”مجموعة ملفات قيصر”.

وأصحاب الشكوى هم من الضحايا الذين اعتُقلوا إثر الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في آذار من عام 2011، وقد تعرضوا للاعتقال والتعذيب الشديد بمختلف الوسائل، وبعد الإفراج عنهم غادروا سوريا، وهم يعيشون حاليًا في عدد من الدول الأوروبية.

وتهدف الشكوى المقدمة أمام القضاء السويدي إلى التحقيق مع 25 مسؤولًا في الاستخبارات، من بينهم جميل حسن وآخرون، إضافة إلى أولئك الذين لم تُعرف أسماؤهم بعد، وإصدار أوامر اعتقال دولية بحقهم.

وتشمل الادعاءات التي تستند إلى قانون العقوبات السويدي ارتكاب المتهمين جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب إلى جانب التعذيب والمعاملة المهينة والاغتصاب والإصابات البدنية الخطيرة والاختطاف غير القانوني.

لماذا المحاكم السويدية

الصحفي والحقوقي منصور العمري وهو مدّعٍ وشاهد في هذه القضية، أوضح لعنب بلدي سبب اختيار السويد لرفع الدعوى فيها، إذ تعتبر السويد واحدة من الدول التي تمتلك اختصاصًا عالميًا، أي أن النظام القضائي فيها يسمح بمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية حتى لو لم تقع على أراضيها، أو لم يكن المجرم أو الضحية يحملان جنسيتها.

إلى جانب أن عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين يوجدون في السويد، ومن بينهم أعداد لا يستهان بها من الضحايا أو عائلاتهم.

خطوات تلي رفع الدعوى

ولفت العمري إلى أن الخطوة المقبلة التي ستلي رفع الشكوى هي انتظار قرار المدعي العام السويدي، بقبول الدعوى من عدمه، معتقدًا أنه سيتم قبولها نظرًا لأنها تحقق الشروط القانونية المتوافقة مع القانون السويدي، وبعد أن يتم قبول الاختصاص، سيكمل القضاء تحقيقه، ويصدر مذكرات اعتقال بحق من ثبت تورطهم.

ويرى العمري أن هذه الخطوة تعتبر أولية في طريق يبدو طويلًا، إذ إن تحقيق العدالة لضحايا النزاع السوري وتطبيق العدالة الانتقالية يبقى مستحيلًا طالما بقي الأسد في السلطة، مسيطرًا على النظامين القانوني والتنفيذي فيها.

انتهاكات النظام لا تزال مستمرة

ويلفت العمري إلى أنه بالرغم من اعتبار الكثيرين أن الحرب السورية انتهت، لا يعني ذلك أن المعاناة والجرائم قد توقفت.

فها هو النظام يعيد ممارساته الإجرامية في المناطق التي سيطر عليها مؤخرًا، من اعتقالات تعسفية وقتل تحت تعذيب وغيرها، كما أنه لا يمكن دفن العدالة تحت أنقاض منازل الضحايا، ومع جثث أحبائهم.

ويعتبر العمري أنه في ظل وجود ملايين الضحايا في سوريا، وتعرض شعب بأكلمه للذبح والتهجير والتدمير من الخارج والداخل، يُعتبر تجاهل العدالة تدميرًا للقيم التي يجب بناء المجتمع السوري عليها، كي يكون مجتمعًا صحيًا ومستقرًا.

وذلك فضلًا عن أن العدالة ليست مهمة فقط بالنسبة للسوريين، وإنما للعالم بأكمله، إذ يجب على دول الاتحاد الأوروبي استخدام قيمها وأنظمتها القضائية لمحاسبة المجرمين، والتأكد من أنها لن تتحول إلى ملاذ آمن لمرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، كما يجب على هذه الدول أن ترسل رسالة مفادها أن المجتمع الدولي لن يكون متواطئًا وملتزمًا الصمت في وجه هذه الوحشية، لأن السوريين بشر ويستحقون العدالة كغيرهم، بحسب تعبيره.

وأشار العمري إلى أن “لجنة جرائم الحرب” تواصلت معه بعد تقديم هذه الشكوى طالبة منه أن تعاين قطع القميص التي كان قد هربها لضمها كدليل.

وكان العمري هرّب، عند خروجه من المعتقل عام 2013، قطعة من قميص كُتب عليها أسماء 80 معتقلًا في الفرقة الرابعة بالدماء والصدأ باستخدام عظام الدجاج، مكتوبة بخط المعتقل الذي قضى في سجون النظام نبيل شربجي، وهو أحد مؤسسي جريدة عنب بلدي.

ويسعى العمري، من خلال القميص المسرّب إلى إيصال صوت المعتقلين في سجون النظام إلى المجتمع الدولي للتأثير في الرأي العام العالمي، ونقل معاناة المعتقلين المغيبين في سجون المخابرات السورية، وتسليط الضوء على قضية المعتقلين الغائبة بين ملفات المأساة السورية.

تنسيق أمني بين فرنسا وألمانيا

وفي 13 من شباط الحالي أعلن الادعاء الاتحادي في ألمانيا توقيف اثنين من عناصر المخابرات السورية، لضلوعهما في عمليات تعذيب معتقلين في سجون النظام.

ونفذت السلطات الألمانية عملية أمنية في مدينتي برلين وزويبروكن، تم خلالها اعتقال عنصرين من المخابرات السورية، هما أنور. ر (56 عامًا) وإياد. أ (42 عامًا).

ويتهم الموقوفان بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” حين كانا يعملان لدى أجهزة النظام السوري في عامي 2011 و2012، ثم انشقا عنه وقدما إلى ألمانيا عام 2012، وتقدما بطلب لجوء فيها وحصلا على حق اللجوء.

وكان الادعاء العام الألماني أصدر، في أيار الماضي، أول مذكرة توقيف دولية بحق شخصيات تابعة للنظام السوري، وطالت رئيس المخابرات الجوية، اللواء جميل حسن، بعد شكوى جنائية قدمها معتقلون سابقون ضده.

وكذلك أصدر القضاء الفرنسي، في تشرين الثاني الماضي، مذكرة توقيف دولية ضد ثلاثة من كبار ضباط الأسد، هم: علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري، وجميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية السورية، وعبد السلام محمود، رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية.

ويجري الحديث مؤخرًا عن تنسيق أمني بين فرنسا وألمانيا لملاحقة مرتكبي “جرائم حرب” في سوريا، خاصة أن العملية الأمنية الألمانية الأخيرة تزامنت مع عملية أخرى في فرنسا، تم خلالها اعتقال شخص سوري كان يعمل لدى أجهزة أمن النظام السوري.

ومع غياب الفاعلية الدولية في إنشاء محكمة دولية مهمتها محاسبة المتورطين بارتكاب انتهاكات في سوريا، توجه القضاء الأوروبي إلى استخدام صلاحيات منفردة تقضي بمحاسبة أفراد بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”، وذلك نتيجة جهود حقوقية جمعت أدلة ووثقت انتهاكات ووضعتها بين يدي القضاء الأوروبي، وهو ما يحيي الآمال لدى الضحايا السوريين في إنهاء حالة الإفلات من العقاب التي استمرت على مدى السنوات الثماني الماضية في سوريا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة