tag icon ع ع ع

لقد كان للقضاء على دولة طالبان في أفغانستان تأثيرًا كبيرًا على مجمل الحركة الجهادية في العالم، فبعد أن كان للحركات الجهادية حول العالم مرجعية واضحة وقاعدة ثابتة في كابول، عانت تلك الحركات من التشرذم وباتت تحكمها أكثر الخصوصيات المحلية، كما تراخت مع الزمن سيطرة تنظيم القاعدة على فروعه.

عزز هذا التشرذم من التناقسية والصراعات الكبيرة التي ميزت مسيرة الحركة السلفية، حيث تنقسم هذه الجماعات انقسامات حادة بفعل الخلافات الفكرية البسيطة أحيانًا، وتبدو هذه الحركات كأنها أكثر تواؤمًا مع المناخ ما بعد الحداثي، بحيث يعكس تعددها وتكاثرها تشظي المرجعيات وتضاؤل الاهتمام بالتنظيم الهرمي.

الصراعات بين «أخوة المنهج» كانت على أشدها في سوريا، وقد بدأت عندما أعلن أبو بكر البغدادي في 9 نيسان 2013 دمج جبهة النصرة وتنظيم دولة الإسلام في العراق، لكن الجبهة رفضت هذا الإعلان، مرورًا بالحرب الطاحنة التي ابتدأت في بداية 2014 عقب قتل تنظيم الدولة للطبيب أبي ريان من حركة أحرار الشام، ووصولَا إلى لحظة إعلان تنظيم الدولة للخلافة في 29 حزيران 2014.

لقد كانت لحظة إعلان الخلافة حدثًا مفصليًا في تاريخ الحركات الجهادية على مستوى العالم، فقد استطاع تنظيم الدولة فعل ما كان ينادي به الآخرون على مدى عقود، فأقدم على تحقيق الحلم الذي يرواد ملايين المسلمين حول العالم، وهو بذلك استطاع كسر احتكار القاعدة للجهاد العالمي ووضعهم جميعًا أمام اختبار لأفكارهم، فقد باتوا مطالبين اليوم بالبيعة والطاعة بعد أن كانوا هم في موقع من يطلب البيعة لذلك.

إن هذا الإرباك الكبير الذي خلقه التنظيم في الساحة السلفية الجهادية، عزز بشكل مباشر أو غير مباشر تنافسًا مستعرا بالأصل بين تنظيم الدولة من جهة وبين جبهة النصرة وباقي الفصائل السلفية الجهادية من جهة ثانية، وقد بدأ هذا التنافس بميدان الفقه والتأصيل الشرعي مرورًا بالتنافس العسكري والسعي لإنشاء الإمارات وانتهاءً بالتنافس الإعلامي الدعائي.

لقد طالب الجولاني في تسجيل صوتي بعنوان «ليتك رثيتني»، برفع الخلاف بينه وبين تنظيم الدولة إلى مجموعة من مشايخ السلفية الجهادية وهم أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وسليمان العلوان، وقد كان الجولاني يرغب من ذلك حسم الخلاف لصالحه من ناحية التأصيل الشرعي.

ولكن تنظيم الدولة استطاع الالتفاف على ذلك من خلال تقليل شأن هؤلاء الرموز واعتبرهم من القاعدين عن الجهاد، حالهم كحال الظواهري، وبذلك يكون تنظيم الدولة استخدم ضدهم ذات الأدوات التي استخدمتها سابقًا السلفية الجهادية ضد خصومها، ساعيًا بذلك إلى خلق مرجعية دينية جديدة مختلفة عن الآخرين.

أما في الجانب العسكري فقد كانت المعارك على أشدها بين الطرفين، وليس هدفنا توثيق يوميات هذه الحرب بين أخوة المنهج، ولكن من المهم الإشارة إلى بعض الأحداث التي تؤكد هذا التنافس المحموم على احتكار الجهاد.

برز ذلك بشكل أساسي في قضية المهاجرين، الذين ظهر أنهم شكلوا قضية تنافسية بين الفصائل، ففي خضم الحرب التي اشتعلت بين تنظيم الدولة وباقي الفصائل بثت الجبهة الإسلامية تسجيلًا ركزت فيه على المهاجرين الذي يقاتلون في صفوفها ضد تنظيم الدولة، كما أكد الجولاني في كلمة له بخصوص تلك الأحداث على اعتبار احتواء المهاجرين واجبًا شرعيًا.

من جهة أخرى دفع إعلان الخلافة جبهة النصرة إلى اتخاذ خطوات مماثلة، ففي كلمة قيل إنها مسربة بعد إعلان الخلافة بأسبوعين فقط (بتاريخ 11 تموز 2015)، بشر الجولاني إخوانه في الجبهة بقرب الإعلان عن هذه الإمارة.

ومع أن التوضيح الذي أعلنته النصرة بعدها بأيام أكد أن الوقت لم يحن بعد لإعلان هذه الإمارة وأنها ستعلن في الوقت «الذي يوافقنا فيه المجاهدون الصادقون»، فإن الأحداث في الشهور اللاحقة في إدلب ودرعا أكدت أن النصرة ماضية في هذا المشروع.

آخر ميادين التنافس والتحفيز كان في ميدان الدعاية، ومن المعلوم أن تنظيم الدولة استطاع أن يبرز عملياته بحرفية كبيرة، أبرزها عمليات الإعدام للصحفيين الأوروبيين واليابانيين، ثم توّجها بعملية إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وإعدام 21 مصريا قبطيًا في ليبيا.

وليس هذا جديدًا في التاريخ بالتأكيد، فقد تبنى التنظيم آليات التصوير الفاشية المعروفة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومن الملاحظ أن التنظيم أكثر من يستطيع تطويع الدعاية لخدمة أهدافه السياسية والعسكرية، على عكس معظم الفصائل المقاتلة في سوريا، التي يغلب على إعلامها الترهل والابتعاد عن الاحترافية.

ولكن الملاحظ أن فصائل جهادية بدأت في الفترة الأخيرة وبتأثر واضح بتنظيم الدولة، بتطوير إعلامها واحترافيته وإن لم يصل بعد للمستوى الذي هو عليه تنظيم الدولة، فقد نشرت حركة أحرار الشام الإسلامية تسجيلًا عن عملية تحرير وادي الضيف مترجمًا للغة الإنكليزية، وقد استخدمت فيه تقنيات عالية، كما تم التركيز على فرحة الناس بانتصار المجاهدين.

وفي الوقت نفسه نشر جيش الإسلام فيديو كذلك عن معارك مقاتليه في الغوطة الشرقية، والمثير للانتباه أن جيش الإسلام استخدم أنشودة في خلفية المقطع كان قد أنتجها تنظيم الدولة من الأساس، مما يؤكد التحفيز الذي يمارسه تنظيم الدولة وإعلامه على الكتائب الجهادية.

من غير المتوقع أن تجاري جبهة النصرة أو باقي الكتائب الجهادية تنظيم الدولة في أي ميدان، فتنظيم الدولة ومن خلال الاعتماد على ضباط الجيش العراقي السابق استطاع أن يبني جهازًا بيروقراطيًا متماسكًا داخله، وهذا الجهاز يتمتع بقدرة كبيرة على تقسيم العمل والاستفادة القصوى من كوادر التنظيم.

كما أن التنظيم حتى الآن هو الجهة المفضلة للمقاتلين الأجانب، فقد استطاع توجيه خطاب متماسك لهم، ويدل على ذلك جريدة دابق التي يصدرها التنظيم باللغة الإنكليزية وهي أعلى بمراحل من جريدة الجبهة الإسلامية.

وليس بالضرورة أن يكون هدف جبهة النصرة أو باقي الكتائب الجهادية هو استنساخ نموذج تنظيم الدولة بحذافيره، ولكن بالتأكيد فإن تنظيم الدولة حرك حربًا في الساحة الجهادية على كل الأصعدة.

أما مصير السلفية الجهادية في سوريا فيعبر عنه أفضل تعبير أبو خالد السوري، فقد شارك في القتال ضد النظام السوري في أحداث الثمانينيات، ثم ذهب إلى أفغانستان والشيشان والبوسنة والعراق، ثم قتله أخوة المنهج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

شفيق شقير، الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدولة

الباحثة مضاوي الرشيد من تمهيد كتاب الظاهرة السلفية من إصدارات مركز الجزيرة للدراسات.

1- عرض مطول لتاريخ العلاقة بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة للباحث عبد الله سيف في مركز الجمهورية للدراسات

2- عرض مطول لتاريخ العلاقة بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة للباحث عبد الله سيف في مركز الجمهورية للدراسات

ليتك رثيتني، تسجيل للجولاني في رثاء أبي خالد السوري

معتز شيبان، تنظيم الدولة الإسلامية: البنية الفكرية وتعقيدات الواقع

الجبهة الإسلامية_لواء التوحيد_ الإصدار المرئي_ حقيقة دولة البغدادي

الجولاني يبشر بقيام إمارة الشام الإسلامية في تسجيل صوتي منسوب له

عزمي بشارة _قتل الأبرياء وزور الموقف

لينا الخطيب_ لماذا لم يخسر تنظيم الدولة الإسلامية (كليا) في كوباني؟

فيلم طلائع النصر

هناك دراسات عديدة تناولت بنية تنظيم الدولة وآلية عمله، من الممكن الاطلاع عليها نذكر منها:

_ خلافة داعش: هيثم المناع

_ تحديد معالم الدولة الإسلامية: لتشارلز ليستر من معهد بروكينجز الدوحة 

_ البناء الهيكلي لتنظيم الدولة: حسن أبو هنية

للاطلاع على كافة أعداد “نداء الإسلام” التي يصدرها جيش الإسلام من “أرشيف المطبوعات السورية”

مقالات متعلقة