خبير يتوقع إفلاس عدد كبير من المزارعين

أزمة المحروقات تهدد موسم سوريا الزراعي

camera iconأراضي زراعية في بلدة طفس بريف درعا. 13 نيسان 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أحمد جمال

يواجه القطاع الزراعي في سوريا تهديدًا بخسارة الموسم نتيجة غياب المشتقات النفطية والتي تعد مصدرًا رئيسيًا في الإنتاج الزراعي، في ظل عجز حكومي وتبرير أزمة المحروقات بحصار اقتصادي تعيشه سوريا.

يعتمد القطاع الزراعي بشكل أساسي على المحروقات، إذ يحتاج المزارع لمادة المازوت لتشغيل آليات الزراعة ومضخات الآبار والجرارات، إلى جانب سيارات النقل وآليات الحصاد وغيرها، إلا أن تلك المادة لم تعد متوافرة وسط اختناقات وطوابير طويلة للحصول عليها.

ويعزو النظام السوري عبر وسائل إعلامه الرسمية هذه الأزمة إلى الحصار الاقتصادي، المتمثل بالعقوبات الأمريكية والأوروبية، بمساندة دول عربية على رأسها مصر، التي يتهمها بمنع عبور الناقلات الإيرانية إلى سوريا، وسط نفي الأخيرة لتلك الاتهامات.

وانخفض إنتاج النفط في سوريا إلى نحو 14 ألف برميل يوميًا خلال السنوات، بموجب تقديرات عام 2014، ثم عاد إلى 16 ألف برميل عام 2017، بعد أن كان الإنتاج اليومي قبل عام 2011، يقدر بـ 385 ألف برميل بشكل يومي، يتم استهلاك نحو نصفها داخليًا ويتم تصدير النصف الآخر، بحسب الإحصائيات الحكومية الرسمية.

وتعزى أسباب انخفاض الإنتاج السوري إلى خسارة النظام لأهم حقول النفط والغاز في مناطق شرق شمالي سوريا، بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عليها بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت وزارة الخزانة الأمريكية هددت، في تشرين الثاني الماضي، بفرض عقوبات على الدول أو الشركات التي تدعم النظام السوري، بالتزامن مع عقوبات اقتصادية مشددة على إيران الحليف الأساسي للنظام، الأمر الذي زاد الأزمة بشكل غير مسبوق.

إفلاس متوقع لمزارعين من الطبقة الفقيرة

ترتبط الزراعة بالمحروقات بشكل وطيد لاعتماد آلياتها من المولدات والمضخات على المازوت من أجل ري الأراضي الزراعية، ويسهم غياب مادة المازوت أو غلاء أسعارها برفع تكاليف المواسم الزراعية بحسب معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري.

ويقول المصري، في حديث إلى عنب بلدي، إن عملية ري المواسم الزراعية بجميع أشكالها تتطلب جر المياه أو سحبها عبر مضخات وآليات، وتختلف نسبة الري من محصول إلى آخر بدءًا من الخضراوات التي تحتاج لسقاية شبه يومية وانتهاءً بالأشجار المثمرة والتي يحتاج بعضها كالرمان للسقاية كل 12 يومًا تقريبًا.

ويضيف، “لن يكون الفلاح قادرًا على دفع ثمن المازوت، وبالتالي سيموت الزرع أو يباع بأقل الأسعار، وهذا سيؤدي إلى تلف المحاصيل لا سيما الخضراوات، والنتائج المتوقعة إفلاس عدد كبير من الفلاحين وارتفاع الأسعار وانخفاض الإنتاج مع ندرة متوقعة لأغلب أنواع الخضار والفواكه في الأسواق السورية”، بحسب تعبيره.

حاجة الأراضي الزراعية للسقاية تبدأ من شهر نيسان في كل عام وتشتد مع فصل الصيف، الأمر الذي يفاقم الخسارة، خاصة وأن لا مبشرات قريبة بانتهاء الأزمة في سوريا.

مزارع في ريف حمص الشرقي (طلب عدم ذكر اسمه لأساب أمنية) يقول إن الجميعات الفلاحية كانت سابقًا تقدم مخصصات شهرية تقدر بـ 50 ليتر مازوت شهريًا للآليات الزراعية، لكنها اليوم انخفضت بشكل ملحوظ، ليتجه المزراعون لشرائها بأسعار جنونية من السوق السوداء لتعويض النقص.

ويضيف المزارع لعنب بلدي، أن سعر برميل المازوت في السوق السوداء يقدر بـ 85 ألف ليرة، أي ما يعادل 425 ليرة لليتر الواحد، بينما سعره النظامي عند الوفرة يقدر بـ 180 ليرة.

وتشتهر مناطق ريف حمص الشرقي بزراعة البطاطا والعنب بشكل أساسي، وتحتاج البطاطا لسقاية بكميات وفيرة من المياه، وذلك يتطلب تشغيل غطاسات المياه (الديزل) بشكل مستمر، إضافة إلى سقاية كروم العنب بشكل يومي من شهر نيسان حتى فصل الصيف.

الأزمة المتراكمة والعجز الحكومي دفعت بعض الفلاحين في المنطقة إلى بيع أراضيهم لبعض المقتدرين من الطبقة الغنية، بينما يلجأ آخرون إلى تركيب شبكات طاقة شمسية قادرة على تشغيل بعض المضخات المائية، بحسب المزارع.

وفي وقت تقدم الحكومة ما تصفه بـ “الحلول الإسعافية”، كاعتماد نظام “البطاقة الذكية” لتوزيع مشتقات النفط، يتحدث فلاحون لعنب بلدي عن أثر عكسي لهذه الحلول، إذ تضخم سعر مادة المازوت في السوق السوداء ليصل في محافظة درعا إلى نحو 600 ليرة لليتر (الدولار يقابل 550 ليرة بحسب موقع الليرة اليوم المتخصص بحركة العملات في سوريا).

محمد الزعبي، أحد مزارعي درعا، يقول لعنب بلدي إنه يحتاج يوميًا إلى 150 ليتر مازوت لتخديم مواسم البطيخ والخيار والبندورة، وهي محاصيل تحتاج إلى سقاية متواصلة، إلى جانب حاجته إلى تكاليف أخرى من المبيدات الزراعية والحراثة وأجور النقل.

وتقدر حاجة الأراضي الزراعية في درعا إلى تشغيل المضخات والآبار بنحو عشر ساعات يوميًا، وكل ساعة تحتاج إلى ستة ليترات من المازوت، أي بمعدل 60 ليترًا يوميًا، كما أن بعض المحاصيل تحتاج إلى 100 ليتر يوميًا.

بدائل غير ناجعة

لجأ بعض المزارعين إلى حلول جزئية تغنيهم عن المحروقات بتركيب شبكات الطاقة الشمسية التي تحل محل المازوت والكهرباء في آن واحد، من أجل تشغيل بعض المضخات والغطاسات المائية لري الأراضي.

يرى معاون الوزير، عبد الحكيم المصري، أن البديل بعد غياب الكهرباء أيضًا هو الطاقة الشمسية، ويقول، “هي ذات تكلفة عالية بالنسبة لمقدرات الفلاح، والتي قد تصل إلى 15 أو 20 ألف دولار، بحسب مساحة الأرض وهذا ليس بمقدور الجميع”.

ويضيف، “بعض الفلاحين في درعا لجؤوا إلى الطاقة الشمسية وبنسب قليلة، لكن تلك المشاريع لم تفلح بالشكل المطلوب للإنتاج المعهود لدى المزارعين في درعا وغيرها من المناطق”.

لكن الطاقة الشمسية تعتبر غير ناجعة كبديل عن المحروقات لعدم استطاعتها العالية وقصر عمرها، إلى جانب تكلفتها المالية التي تبدأ بـمليون ونصف المليون ليرة، وتتدرج بحسب حاجة الأرض للمضخات المائية، ما يشكل عبئًا ماديًا غير متكافئ مع المردود المالي للمواسم.

عبد الجبار، مزراع أربعيني من درعا، ركّب ألواح طاقة شمسية لتشغيل مضخة بئر مائي في أرضه لري المحاصيل الصيفية، ويقول لعنب بلدي إنه استغنى بذلك عن المازوت ووفّر تكلفة تشغيل عشر ساعات يوميًا، إضافة لتوفيره تكلفة إصلاح المحرك وما يحتاج من الزيوت.

ويرى زميله أحمد (33 عامًا)، أن الطاقة الشمسية حل لمشكلته رغم كلفتها الباهظة، مع ازدياد الطلب على المازوت في فصل الصيف رغم ارتفاع أسعاره بشكل لا يطاق، ويقول لعنب بلدي إن هناك تخوفًا من فقدان المادة بشكل نهائي أو ارتفاع الأسعار إلى أضعاف.

غير أن المشكلة تكمن أيضًا في أن تلك الشبكات الشمسية لا تعمل إلا خلال ساعات النهار، وهناك محاصيل تحتاج إلى سقاية خلال ساعات الليل، إلى جانب الحاجة لري مكثف لبعض المزروعات كالعنب والخضراوات وغيرها، بحسب أحمد.

ويتوقع الكثير من المزراعين، بحسب ما رصدت عنب بلدي في محافظات ريف دمشق ودرعا وحمص، خسارات واسعة هذا الموسم، خاصة وأن الأفق القريب لا يبشر بانفراج أو حلول تنقذ موسمهم.

وتعيش الأسواق السورية غلاءً متزايدًا في أسعار الخضراوات الأساسية، مع محاولات حكومية للسيطرة عليها عبر مراقبة وتحديد لوائح الأسعار، إلى جانب اتفاقيات استيراد لبعض المواد كالبطاطا التي بدأت منذ أشهر باستيرادها من مصر، ووقعت اتفاقية خلال الأسبوع الماضي باستيرادها من لبنان لمدة ثلاثة أشهر من كل عام.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة